في يوم صيفي مشمس من أيام عاصمة المغرب الشرقي المعتادة، احتضنت رحاب قاعة نداء السلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، أطوار مناقشة الطالب الباحث المحراوي محمد لأطروحته قصد نيل شهادة الدكتوراه في الآداب، شعبة اللغة العربية وآدابها لموسم 2009 - 2008، وحدة الاتجاهات الفنية في الأدب العربي الحديث، عن بحثه الموسوم ب" الرواية البوليسية المغربية: دراسة فنية وموضوعاتية"، تحت إشراف الدكتور محمد قاسمي الذي كان مقررا، فيما تشكل الأعضاء الآخرون للجنة من السادة الدكاترة: مصطفى رمضاني رئيسا ومصطفى السلوي عضوا اللذان ينتميان لكلية الآداب بوجدة، وحسن بحراوي عضوا القادم من كلية الآداب بالرباط، الذين منحوا للطالب المذكور - بعد مناقشات مستفيضة لكافة جوانب الموضوع - شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة بالبحث المذكور. وقد ذكر الدكتور المحراوي محمد في أطروحته هاته، الدوافع الذاتية والموضوعية اللتان دفعتاه إلى تناول هذا الموضوع، قائلا بشأن الأولى إن هذا الموضوع يندرج ضمن المواضيع التي تعرف تجاهلا شبه مطلق من قبل الباحثين والدارسين، ولرغبة الباحث في مناقشة بعض الأسئلة التي أثيرت بشكل جريء في الأدب المغربي، أما الثانية فلخصها في ميوله إلى الجنس الروائي أكثر من غيره، واقتراح الأستاذ المشرف موضوعا في نفس السياق، ثم تطرق إلى الضوابط التي أطرت بحثه، مختصرا إياها في عاملي الجنس أي الرواية دون غيرها، والزمن أي الأعمال الروائية التي صدرت قبل سنة 2004. أما المنهج الذي ارتضاه الباحث لنفسه فقد ترك أمر اختياره لتحسم فيه طبيعة الفصول والمباحث، على أساس أن المهم بالنسبة إليه هو أن يكون المنهج في خدمة أهداف البحث وليس العكس، حيث يحاول بعضهم إبراز نجاعة المنهج ولو كان على حساب الدراسة الموضوعية الهادفة. قسم هذا البحث القيم بعد المقدمة إلى ثلاثة أبواب وعشرة فصول وخاتمة، وقائمة للمصادر والمراجع مرتبة ترتيبا ألفبائيا مع فهرس للمحتويات، وهكذا انبرى الباحث في الباب الأول الذي سماه "الرواية البوليسية وإرهاصاتها في المشرق والمغرب العربيين"، إلى التعريف بالنوع الروائي الذي تتمحور حوله الأطروحة ومباحثها، علاوة على إنه عمل على التمهيد لبحثه من خلال الإشارة إلى طبيعة حضور الرواية البوليسية في الأدب العربي، لذلك قسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول من أجل الإحاطة بهذه الأغراض، أما الباب الثاني الذي عنونه ب"الرواية البوليسية المغربية: دراسة فنية"، فقد درس فيه الأعمال الروائية البوليسية المغربية دراسة فنية من خلال تقسيمه إلى أربع فصول، يتعلق الأمر هنا بأحد عشر نصا روائيا يتضمن التجربة المشتركة لميلودي حمدوشي وعبد الإله الحمدوشي، وكذا تجربة ميلودي حمدوشي منفردة من جهة، وتجربة عبد الإله الحمدوشي منفردة كذلك من جهة أخرى، وفيما يخص الباب الثالث الذي شمل ثلاثة فصول، والذي عنونه ب"الرواية البوليسية المغربية: دراسة موضوعاتية:، فقد استحضر فيه الباحث بعض الأطروحات النظرية والتيمات المشتركة بين جميع الأعمال البوليسية، مع الإشارة إلى تيمتين انفردتا بهما الرواية البوليسية المغربية. خاتمة هذا البحث القيم عرض فيه الدكتور المحراوي للنتائج التي توصل إليها، والتي يمكن إيجازها في النقط الآتية: 1 - صعوبة تحديد الأصول التاريخية للرواية البوليسية، وهذا مرتبط بصعوبة البحث في الأصول بصفة عامة. 2 - إن كثيرا من المبدعين العرب استفادوا من بعض التقنيات الفنية للرواية البوليسية في أعمالهم الروائية. 3 - اتصال الرواية المغربية منذ نشأتها بالرواية البوليسية، إما من خلال استلهام بعض تقنياتها، وإما من خلال محاكاة نماذج غربية في الرواية البوليسية. 4 - اشتراك كاتبين مغربيين في (استنبات) الرواية البوليسية في الرواية المغربية، وهما ميلودي حمدوشي وعبد الإله الحمدوشي. ليشير الباحث في الأخير إلى إن توجه الكاتبين السالفين إلى معانقة النوع البوليسي، لم يكن نتيجة لما سمي بالانفتاح السياسي في المغرب كما يدعي بعض الدارسين والمهتمين، كما إن توفر الرواية البوليسية على العناصر الفنية للتشويق والإثارة وابتعادها عن التعقيد، لم يشفع لها لدى جمهور القراء لتحوز مكانتها اللائقة بها. فؤاد الغلبزوري