بمناسبة مرور مائة عام على توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، السيئة الذكر، والتي تنازل بموجبها السلطان العلوي مولاي حفيظ عن سيادة المغرب للسلطات الفرنسية ، نظمت الجمعيات المدنية الديمقراطية بمدينة أمستردام مائدة مستديرة حول الموضوع، الذي عرف مشاركة الكاتب والصحفي الأمازيغي الدكتور مصطفى أعراب صاحب كتاب " الريف: بين القصر، جيش التحرير وحزب الاستقلال ""وكتاب" تاريخ الريف المنسي " ، ومترجم كذلك كتاب " الإسلاميون وأمريكا تحالف ضد أوربا". التجديد والاستمرارية: في حدود الساعة الثامنة مساء من يوم الجمعة 30 مارس افتتح الفاعل الحقوقي الأستاذ جمال الكتابي أشغال اللقاء، مبرزا في كلمته الافتتاحية أسباب ودواعي تنظيم اللقاء، خاصة في ظل الظروف والمستجدات التي يعيشها المغرب حاليا على أكثر من صعيد. وابرز من جهة أخرى أهمية الوقوف عند هذا الحدث التاريخي البارز في تاريخ البلد (= المغرب)، سواء لفهم واستيعاب ماذا جرى آنذاك أو لفهم التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المغرب مند الاستقلال الشكلي سنة 1956 إلى حدود اليوم. وذلك في أفق فهم علاقة الحاضر بالماضي من اجل استكشاف المستقبل ، خصوصا مع استمرار نفس الفئات (= النخبة) التي فاوضت من أجل الاستقلال الشكلي للمغرب في الاستفادة من خيرات الوطن مقابل تجويع أغلبية الشغب المغربي من جهة، ومن خلال استمرار هيمنة الدولة الفرنسية على العديد من المجالات الحيوية من جهة ثانية ، وهو الأمر الذي أدى في نظر جانب من الحضور المتحدث( = الكتابي جمال) بالعديد من المغاربة الأحرار في الداخل والخارج إلى أعادة طرح سؤال استقلال المغرب من جديدا. وفي معرض حديثه أيضا أكد الأستاذ الكتابي أن اتفاقية اكس – ليبان التي وقعتها ما يسمى بالحركة الوطنية بقيادة حزب الاستقلال مع المحتل الفرنسي، والتي أفضت إلى استقلال شكلي للمغرب سنة 1956 ، ما هي في العمق إلا نوع من تجديد لمعاهدة الحماية مع اختلاف الظروف والسياقات فقط. مؤكدا في ذات الصدد أن اتفاقية فاس المبرمة سنة 1912 (= معاهدة الحماية) بين السلطان مولاي حفيظ والسلطات الفرنسية تشير وتؤكد على حماية السلطان ( الفصل الأول والثالث من المعاهدة) مقابل أن يساعد السلطان الجيش الفرنسي على احتلال المغرب ومنع التهريب ، وهو الأمر الذي تكرر مع اتفاقية اكس ليبان سنة 1955 مع الاختلاف في الشكل فقط وليس في المضمون ، حيث ساعدت السلطات الفرنسية يقول المتحدث السلطان محمد الخامس على تأسيس الجيش الملكي مقابل القضاء على جيش التحرير وحماية مصالح فرنسا بالمغرب. من معاهدة الحماية إلى معاهدة اكس - ليبان.. ماذا تغيير؟ بعد كلمة الترحيب التي تناولها الأستاذ جمال الكتابي تناول الكلمة الدكتور مصطفى أعراب حيث استهل مداخلته بقراءة حوار صحفي أجراه عبد الكريم الخطابي سنة 1958 عقب أحداث انتفاضة الريف، حول الأوضاع السياسية بالمغرب آنذاك، وذلك من أجل مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين ظروف تلك المرحلة والظروف السائدة حاليا بالمغرب، حيث أكد السيد أعراب أن الوضع لم يتغير كثيرا في العمق ، فالوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الراهن يشبه كثيرا في تفاصيله وخطوطه العريضة الوضع الذي كان سائدا في بداية الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956 . وبعد ذلك قدم السيد أعراب عرضا تاريخيا حول الوضعية العامة للمغرب خلال نهاية القرن الثامن عشر وبداية القران التاسع عشر، خاصة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني ( الجيش)، حيث أكد الأستاذ المحاضر أن الإرهاصات الأولية لبداية الاحتلال الأوربي، وخاصة الاحتلال الفرنسي ، بدأت قبل احتلال الجزائر سنة 1830 . لكن، ومع ضعف السلطة المركزية مع بداية القرن التاسع عشر، سواء على المستوى الاقتصادي / المالي حيث وصلت الأمور إلى حد الإفلاس التام أو على المستوى العسكري كذلك، حيث أنه مع بداية القرن التاسع عشر سيعرف المغرب موجة من التمرد والعصيان المدني ، منها على سبيل المثال رفض علماء فاس ومراكش مبايعة السلطان وبروز أيضا حركات التمرد العسكري ( حركة بوحمارة مثلا) يقول الدكتور أعراب. في هذا الأجواء العامة تزايدت أطماع الدول الامبريالية الأوربية في المغرب، وبالخصوص فرنسا وبريطانيا وألمانيا وايطاليا. ففي سنة 1906 عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء بمشاركة اثنا عشر دولة أوربية، حيث تم بموجب هذا المؤتمر تقسيم المغرب إلى منطقتين استعماريتين، اسبانيا في الجنوب والشمال وفرنسا في باقي أجزاء الوطن، مع جعل طنجة منطقة دولية حرة. بالإضافة إلى هذا تطرق الدكتور مصطفى أعراب في مداخلته أيضا إلى الأسباب التاريخية والسياسة السائدة إبان نهاية اقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي الأسباب التي أدت بالسلطان إلى عقد اتفاقية الحماية من أجل حماية نفسه ( حماية العرش) أمام تزايد ضعفه وفقدانه السيطرة على العديد من المناطق التي كانت تحت السيطرة المباشرة للسلطان، نشير هنا أن الأستاذ أعراب أكد في معرض حديثه أن السلطان كان يفقد سلطته السياسية والعسكرية في العديد من المناطق المغربية،ومنها منطقة الريف التي كانت تتمتع بالاستقلال الذاتي. نحن أو المقاتلين في الجبال : وبعد ذلك تناول الأستاذ أعراب بإسهاب ظروف وأجواء انعقاد مفاوضات اكس – ليبان بين فرنسا وما يسمى آنذاك بالحركة الوطنية، مبرزا للجمهور الحاضر كيف كان الوفد المفاوض يهدد السلطات الفرنسية بمواجهتها للمقاومة الشعبية في الجبال في حالة إذا ما رفضت التفاوض معه (= الوفد المغربي)، وفي مقابل ذلك اشترطت فرنسا تصفية جيش التحرير مقابل ضمان بعض الامتيازات الاقتصادية والسياسية للوفد المفاوض، وهذا ما سيحصل بالفعل في أواخر الخمسينيات القرن الماضي عندما عمدت ميلشيات حزب الاستقلال إلى تصفية عدد هائل من جيش التحرير بالريف، قبل أن تعتمد فرنساواسبانيا، بمباركة المخزن المغربي، إلى تصفية جيش التحرير في الجنوب المغربي ليتم عمليا القضاء النهائي على جيش التحرير. وفي هذا السياق أكد الأستاذ أعراب أن التاريخ سيعيد نفسه مرة أخرى، على الأقل في خطوطه العريضة أن لم يكون في الجزئيات والتفاصيل الصغيرة، حيث أشار في هذا الصدد إلى نقطتين أساسيتين في الموضوع، الأولى تتعلق بدور فرنسا في إعادة مؤسسات الدولة المغربية، فعلى سبيل المثال فقط، كانت فرنسا هي التي أشرفت على تنظيم وتكوين الجيش المغربي في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وذلك من أجل حماية المخزن المغربي (= السلطان) من الانهيار الحتمي أمام تزايد حركات التمرد عليه(= السلطان)، خاصة أن العديد من المناطق كان لها نوع من الاستقلال الذاتي الواسع (كالريف وسوس مثلا) ، وهي مناطق خارج سلطة ونفوذ السلطان القابع في فاس آنذاك. ومن هنا يمكن فهم أيضا تدخل القوات الفرنسية في قمع وإخماد حركة المقاومة الوطنية بالريف بقيادة القائد والزعيم الوطني عبد الكريم الخطابي، خاصة بعد إعلانه عن تأسيس اتحاد قبائل الريف أو ما يعرف بجمهورية الريف، خاصة أن منطقة الريف لم تكون تحت نفوذ وسيطرة القوات الفرنسية. هذا الأمر سيتكرر حسب الدكتور أعراب مع بداية الاستقلال سنة 1956 ، حيث أشرفت فرنسا على تكوين وتدريب الجيش المغربي أمام تزايد نفوذ حزب الاستقلال الذي كان يطمح إلى السيطرة على الحكم، مقابل القضاء النهائي على جيش التحرير وضمان مصالح فرنسا بالمغرب مقابل امتيازات اقتصادية وسياسية قدمتها فرنسا للوفد المفاوض معها في اكس – ليبان . أما النقطة الثانية فتتعلق بالمقاومة حيث أكد الدكتور أعراب أن أولى بدور المقاومة الشعبية ضد معاهدة الحماية كانت بالريف بقيادة أشريف محمد امزيان سنة 1909 ، كما أن أول جبهة الرفض والمقاومة للاتفاقية اكس – ليبان كانت في الريف المغربي أيضا حيث عرف ظهور جيش التحرير بقيادة وتخطيط عبد الكريم الخطابي. وبعد مداخلة الأستاذ أعراب فتح نقاش واسع بين الحاضرين الذين ساهموا بملاحظاتهم ومداخلاتهم وتساؤلاتهم، التي تركزت، إجمالا، حول ما يلي: - إعادة كتابة التاريخ الوطني بعيدا عن سلطة ووصاية القصر والمخزن؛ - أعادة الأرشيف والوثائق التي سرقتها فرنساواسبانيا من المغرب، وخاصة أرشيف ووثائق جمهورية الريف . - مطالبة فرنساواسبانيا بتقديم اعتذار رسمي للشعب المغربي عن الجرائم التي اقترفتها في حقه وتعويضه ماديا ( أي الشعب المغربي) عبر انجاز مشاريع تنموية واقتصادية، وعلى رأس هذه المشاريع التعويضية أنشاء مستشفى بمنطقة الريف ( في الحسيمة على سبيل المثال ) لمعالجة أمراض السرطان التي تنتشر في المنطقة بشكل مخيف وخطير للغاية، حيث تؤكد العديد من الدراسات العلمية الحديثة وجود علاقة وطيدة بين ارتفاع عدد المصابين بالسرطان في المنطقة( خاصة في إقليمالحسيمة) بالسلاح الكيميائي الذي استعملته اسبانيا في منتصف العشرينيات القرن الماضي بمساعدة كل من فرنسا وألمانيا ومباركة السلطان المغربي مولاي حفيظ؛ - مطالبة الدولة المغربية بتقديم اعتذار رسمي عما اقترفته من الجرائم البشعة في حق المغاربة. ملحوظة: التقرير من أعداد اللجنة المنظمة/ أمستردام * الجمعيات المنظمة للقاء هي: جمعية المغاربة لحقوق الإنسان بهولندا، مؤسسة أكناري، جمعية العمال المغاربة بأمستردام ، منتدى حقوق الإنسان شمال المغرب – أوربا ومؤسسة حوار المغاربة .