تعد الإدارة العمومية في المغرب من أبرز آليات الدولة في تنفيذ السياسات العامة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تتولى مهمة تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وتنفيذ مختلف البرامج الحكومية. وفي هذا الإطار، شهدت الإدارة العمومية المغربية العديد من الإصلاحات القانونية والإدارية التي تهدف إلى تحسين أدائها وزيادة فعاليتها. ومع ذلك، يواجه النظام الإداري المغربي العديد من التحديات المستمرة التي تعرقل عملية الإصلاح وتحقيق أهداف التنمية. ويعد تحقيق التوازن بين الإصلاحات القانونية المتلاحقة والتحديات المستمرة قضية محورية تتطلب دراسة دقيقة لمستجدات الساحة القانونية المغربية وتقييم آثار هذه الإصلاحات. من خلال ماسبق ذكره إلى أي حد استطاع المغرب الذهاب بعيدا في مسار الإصلاحات؟ وهل تم ملامسة عمق الاختلالات أم أنه لا يعدو إصلاحا شكليا؟ يهدف هذا المقال إلى تحليل الإصلاحات القانونية في الإدارة العمومية المغربية، مع إبراز التحديات المتجذرة التي لا زالت تواجهها هذه الإدارة في سياق التطورات القانونية الحالية. _ الإصلاحات القانونية في الإدارة العمومية المغربية : تعتبر الإصلاحات القانونية في المغرب محورًا رئيسيًا لتطوير الإدارة العمومية وضمان فعالية المؤسسات العمومية في تقديم الخدمات العامة. هذه الإصلاحات تتوزع على عدة مجالات، أبرزها إصلاح الوظيفة العمومية، تعزيز اللامركزية عبر الجهوية، والتحول الرقمي للإدارة. 1. إصلاح الوظيفة العمومية : يشكل إصلاح الوظيفة العمومية أحد الركائز الأساسية لتحديث الإدارة العمومية بالمغرب، وذلك بهدف تحسين أدائها وتعزيز مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية في تدبير الموارد البشرية. وقد خضع النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذي تم اعتماده بموجب الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958، لعدة تعديلات جوهرية على مر العقود، كان أبرزها التعديلات التي طالت أنظمة التوظيف، والترقية، والمساءلة، في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى جعل الإدارة أكثر نجاعة وملاءمة لمتطلبات التنمية المستدامة. - التنظيم الهيكلي للوظيفة العمومية : سعى المغرب من خلال الإصلاحات القانونية المتعاقبة إلى إعادة هيكلة الوظيفة العمومية بما يتلاءم مع احتياجات الإدارة العصرية ومتطلبات الكفاءة والفعالية. وقد تم تعزيز آليات التوظيف عبر اعتماد نظام المباريات كآلية أساسية للولوج إلى الوظيفة العمومية، وذلك وفقًا لمقتضيات المرسوم رقم 2.11.621 الصادر في 2011، الذي أقر إلزامية المباراة كوسيلة وحيدة للتوظيف في الإدارات العمومية، ضمانًا لمبدأي الشفافية وتكافؤ الفرص. كما تمت مراجعة شروط التعيين في المناصب العليا، حيث أصبح هذا التعيين يخضع لمعايير الكفاءة والتجربة المهنية، وفق مقتضيات القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا. - تحسين الشروط المهنية للموظف العمومي : انطلقت عملية إصلاح الوظيفة العمومية من مبدأ تحسين ظروف العمل والرفع من جودة الخدمات الإدارية، حيث تم تعديل نظام الترقيات، ليصبح قائمًا على معايير الأداء والمردودية، بدلًا من الأقدمية فقط، بموجب المرسوم رقم 2.11.682 الصادر في 2011. كما تم إقرار برامج التكوين المستمر لفائدة الموظفين، والتي تهدف إلى تأهيل الكفاءات الإدارية وتطوير مهاراتهم، من خلال مراكز التكوين الإداري المتخصصة. - تعزيز الشفافية والمساءلة : أولت الإصلاحات القانونية أهمية كبيرة لمبدأي الشفافية والمساءلة في تدبير الموارد البشرية، حيث تم إرساء آليات جديدة لتقييم أداء الموظفين عبر منظومة التقييم السنوي، التي تتيح تتبع المردودية الفردية والجماعية. كما تم تعزيز الرقابة الإدارية الداخلية والخارجية، من خلال تقارير المجلس الأعلى للحسابات، الذي يقوم بتقييم تدبير الموارد البشرية ورصد أوجه القصور والاختلالات في القطاع العمومي. هذه الإصلاحات، رغم أهميتها، ما زالت تواجه مجموعة من التحديات، من أبرزها مقاومة التغيير داخل بعض الإدارات، وضعف التنسيق بين الفاعلين في مجال الوظيفة العمومية، وهو ما يستدعي مزيدًا من الجهود لتعزيز دينامية الإصلاح وضمان استدامته. ومن أجل إنجاح عملية إصلاح الوظيفة العمومية لا بد من توفر إرادة سياسية حقيقية، وتظافر جهود جميع المتدخلين، وتأهيل الموارد البشرية، وكما جاء في خطاب الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة 2016 : "إن إصلاح الإدارة يتطلب تغيير السلوكات والعقليات، وجودة التشريعات من أجل مرفق إداري عمومي فعال في خدمة المواطن". 2. تعزيز اللامركزية والإصلاحات الجهوية : تعد اللامركزية خيارًا استراتيجيًا للإصلاح الإداري في المغرب، حيث تهدف إلى توسيع نطاق الحكم المحلي، وتعزيز دور الجهات والجماعات الترابية في تدبير الشأن العام، بما يحقق التنمية المتوازنة بين مختلف الأقاليم. وقد جسدت الإصلاحات الجهوية هذا التوجه من خلال تعزيز سلطة مجالس الجماعات الترابية ومنحها اختصاصات أوسع في تدبير الشؤون المحلية، وفقًا لمبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الدستور المغربي لسنة 2011. وقد أسهم هذا الإصلاح في إعادة توزيع المسؤوليات بين المركز والجهات، بهدف تحسين الحكامة الترابية وضمان توزيع أكثر إنصافًا للموارد، مما يعزز الديمقراطية المحلية والتنمية المستدامة. - القانون التنظيمي 14.113 الخاص بالجماعات الترابية : يعد القانون التنظيمي 14.113، الصادر سنة 2015، الإطار القانوني الأساسي الذي ينظم عمل الجماعات الترابية بالمغرب، حيث منحها صلاحيات موسعة في مجال التخطيط التنموي، وإدارة المشاريع المحلية، وتدبير الموارد المالية والبشرية. وينص هذا القانون على تعزيز استقلالية المجالس المنتخبة في اتخاذ القرارات، وفق مبدأ التدبير الحر، مع مراعاة التوازن بين السلطة المركزية والجماعات المحلية. كما أقر القانون آليات جديدة للرقابة والتدبير التشاركي، لضمان شفافية اتخاذ القرارات وتحقيق نجاعة أكبر في تدبير الشؤون المحلية. - نقل الصلاحيات المالية والإدارية : أحد أبرز ملامح الإصلاح الجهوي يتمثل في نقل مجموعة من الصلاحيات المالية والإدارية من السلطة المركزية إلى الجهات والجماعات المحلية، بهدف تمكينها من التصرف في ميزانياتها وفق احتياجاتها التنموية. ويتيح هذا الإصلاح للجماعات الترابية إمكانية تخصيص الموارد المالية بمرونة أكبر لتمويل المشاريع التي تستجيب لأولوياتها المحلية. كما أقر القانون الجديد آليات للرقابة المالية، من خلال تعزيز دور المحاكم المالية والمجالس الجهوية للحسابات، لضمان التدبير الرشيد للمال العام. وقد أدى هذا التوجه إلى تحسين كفاءة الإنفاق العمومي، حيث تم تخصيص ميزانيات أكبر لمشاريع البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في المناطق الأقل نموًا. - تعزيز الديمقراطية التشاركية في اتخاذ القرارات : سعت الإصلاحات الجهوية إلى تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية، التي تمنح للمواطنين والمجتمع المدني دورًا أكبر في بلورة السياسات المحلية. ويتجلى ذلك في اعتماد آليات التشاور العمومي، وإنشاء مجالس استشارية تضم ممثلين عن السكان، بهدف إشراكهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط المحلي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد ساعدت هذه الإجراءات في تعزيز ثقة المواطنين في الإدارة المحلية، وأسهمت في تحقيق توزيع أكثر عدالة للموارد والخدمات بين مختلف المناطق. 3. التحول الرقمي والإدارة الإلكترونية : يعد التحول الرقمي من أبرز محاور إصلاح الإدارة العمومية في المغرب، حيث تسعى الحكومة إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة لتعزيز كفاءة المرافق العمومية، وتقريب الخدمات من المواطنين، والحد من البيروقراطية الإدارية. ويعتمد هذا التحول على رقمنة العمليات الإدارية، وإطلاق منصات إلكترونية تسهل الوصول إلى الخدمات، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في تدبير الشأن العام. - مشاريع الحكومة الإلكترونية : في إطار الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، تم إطلاق العديد من المنصات الرقمية التي تهدف إلى تسهيل الإجراءات الإدارية وتقليل المدة الزمنية لإنجاز المعاملات. ومن بين هذه المشاريع، "البوابة الوطنية للخدمات العمومية" التي توفر مجموعة من الخدمات الإلكترونية، مثل استخراج الوثائق الرسمية، أداء الضرائب، وتقديم الشكاوى. وقد أسهمت هذه المبادرات في تقليص التكاليف وتحسين جودة الخدمات العمومية، حيث أصبح بإمكان المواطنين والفاعلين الاقتصاديين إنجاز العديد من المعاملات عن بُعد، دون الحاجة إلى التنقل إلى الإدارات العمومية. - الإدارة الذكية واستخدام الذكاء الاصطناعي : يعد الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة من الأدوات الحديثة التي بدأت الحكومة المغربية في اعتمادها لتحسين كفاءة الإدارة العمومية. ومن خلال تحليل البيانات الضخمة، يمكن للإدارات العمومية التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية للمواطنين، وتصميم سياسات أكثر دقة وفاعلية. على سبيل المثال، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل طلبات الرخص الإدارية، مما يقلل من فترات الانتظار، ويساهم في تحسين تجربة المستخدم. - تعزيز الشفافية والمساواة : ساهمت الرقمنة في تحسين الشفافية داخل الإدارة العمومية، حيث أصبح من الممكن تتبع الملفات الإدارية إلكترونيًا، مما يقلل من فرص الفساد والمحسوبية. كما أدت هذه الإصلاحات إلى تكريس مبدأ المساواة في الولوج إلى الخدمات العمومية، حيث أصبح بإمكان جميع المواطنين الاستفادة من الخدمات الرقمية دون تمييز، مما يعزز من الإنصاف الاجتماعي. - مواجهة التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي : رغم التقدم المحرز في مجال الرقمنة، لا تزال هناك تحديات تواجه عملية التحول الرقمي، من بينها نقص التغطية الرقمية في بعض المناطق القروية، وضعف تكوين بعض الموظفين على استخدام التكنولوجيا الحديثة. ولمواجهة هذه التحديات، تسعى الحكومة إلى توسيع البنية التحتية الرقمية، وإطلاق برامج تكوينية لتعزيز قدرات الموظفين في مجال التكنولوجيا. ____ التحديات المتجذرة في الإدارة العمومية المغربية : رغم الإصلاحات القانونية والإدارية التي تم تبنيها لتحسين فعالية الإدارة العمومية في المغرب، لا تزال العديد من التحديات المتجذرة تؤثر بشكل كبير على فعالية هذه الإصلاحات. تتنوع هذه التحديات من حيث عمقها وأسبابها، وتستمر في إعاقة تحقيق الأهداف المرجوة من الإصلاحات. في هذا السياق، يمكن تلخيص أبرز هذه التحديات في النقاط التالية : 1. البيروقراطية وتعقيد الإجراءات : تعتبر البيروقراطية من أبرز العوائق التي تقف في وجه الإصلاح الإداري بالمغرب. لا تزال العديد من المؤسسات العمومية تعاني من تعقيد الإجراءات الإدارية وازدواجيتها، مما يعيق تقديم خدمات فعالة وسريعة للمواطنين. هذه الإجراءات تتسم بالتعقيد والتسلسل الطويل، مما يؤدي إلى تأخير المعاملات وتراكم الطلبات. كما تساهم البيروقراطية في إعاقة التفاعل السلس بين المواطنين والإدارات، وبالتالي تؤثر سلبًا على سرعة استجابة الحكومة لمتطلبات المواطنين. إذن، تبسيط هذه الإجراءات وتحسينها بما يتماشى مع مبدأ تسريع تقديم الخدمات يُعد خطوة أساسية في الإصلاح الإداري المنشود. 2. الفساد والمحسوبية : رغم جهود الحكومة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، لا يزال الفساد والمحسوبية يمثلان تحديات كبيرة تؤثر على نزاهة وفعالية الإدارة العمومية المغربية. المحسوبية في التوظيف، إصدار التراخيص، وتنفيذ المشاريع العمومية تؤدي إلى تفشي الفساد داخل بعض الإدارات، مما يضر بمصداقية الحكومة ويزيد من التفاوتات الاجتماعية. إذ يتعين على المغرب تكثيف الجهود للحد من هذه الظواهر عبر تعزيز آليات الرقابة الداخلية والمساءلة، وتبني أنظمة إلكترونية متقدمة تساهم في زيادة الشفافية وتقلل من فرص الفساد والمحسوبية. 3. ضعف الكفاءة والتكوين : على الرغم من الإصلاحات المتعلقة بتطوير الموظفين العموميين، ما زال ضعف الكفاءة في بعض القطاعات يعد من التحديات الجوهرية. تعاني بعض المؤسسات العمومية من نقص في تدريب الموظفين على استخدام الأدوات الحديثة أو التعامل مع القضايا المعقدة، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة. كما أن غياب برامج التكوين المستمر يعد أحد أسباب تدني مستوى الأداء الإداري في بعض القطاعات. تعزيز التدريب المهني المستمر وإدماج التقنيات الحديثة في عمل الموظفين يمكن أن يُسهم في تحسين فعالية الأداء وتقديم خدمات ذات جودة أعلى للمواطنين. 4. التوزيع غير المتوازن للموارد : من بين التحديات الأخرى التي تواجه الإصلاحات الإدارية في المغرب هو التوزيع غير العادل للموارد والخدمات بين مختلف المناطق، خصوصًا في المناطق النائية. لا يزال سكان بعض المناطق يعانون من نقص كبير في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والنقل، مما يعمق الفوارق بين المناطق الحضرية والنائية. هذا التفاوت في توزيع الموارد يُعد أحد أكبر التحديات التي تواجه الإصلاحات الجهوية، حيث يصعب على بعض الجماعات الترابية تلبية احتياجات السكان نتيجة ضعف الموارد المخصصة لها. تحقيق تنمية متوازنة يتطلب توزيعًا عادلاً للموارد المالية والبشرية بين جميع المناطق، بما يضمن تحسين مستوى المعيشة في كافة أنحاء المملكة. ____مستجدات الساحة القانونية والإدارية في ضوء التحديات الراهنة : من أجل تجاوز التحديات الحالية، يمكن رصد بعض المستجدات القانونية والإدارية التي من شأنها المساهمة في تحسين الإدارة العمومية المغربية، وقد تم إدخال العديد من الإصلاحات القانونية والإدارية الحديثة بهدف تعزيز كفاءة الإدارة، تعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد، إضافة إلى تحسين فعالية الخدمات العامة المقدمة للمواطنين : 1. قانون الحق في الحصول على المعلومات : تم تبني القانون 31.13 الخاص بالحق في الحصول على المعلومات الذي دخل حيز التنفيذ عام 2018، ونجد أنه يهدف إلى ضمان الشفافية وتعزيز المساءلة في القطاع العام. هذا القانون يمكن المواطنين من الاطلاع على الوثائق والمعلومات الإدارية، مما يسهم بشكل كبير في تعزيز الرقابة الشعبية على المؤسسات العمومية. يهدف القانون إلى مكافحة الفساد من خلال تقديم المعلومات بشكل مفتوح وعلني، مما يساهم في الحد من التعسف الإداري وخلق بيئة شفافة تساهم في تحسين الأداء الحكومي. كما يفرض القانون على الإدارات العمومية نشر المعلومات المتعلقة بالميزانية، المشاريع الحكومية، والعقود العمومية، مما يعزز من مسؤولية الأجهزة الحكومية في تسيير المال العام. وتُعزز هذه الشفافية من تفاعل المواطن مع العملية الإدارية، وتحفز على المشاركة المجتمعية في صنع القرارات. 2. تعزيز الرقابة على الأداء الإداري : تم إنشاء هيئات مستقلة مثل المجلس الأعلى للحسابات والهيئة الوطنية للنزاهة لمراقبة التزام المؤسسات العمومية بالقوانين، وضمان فعالية التدابير المتخذة في محاربة الفساد وتحسين الأداء الإداري. 3. إدماج التكنولوجيا الحديثة في الإدارة : في سياق العصر الرقمي، يعمل المغرب على تحديث أدوات التكنولوجيا الرقمية عبر إطلاق مشروعات الحكومة الذكية. وتهدف هذه المبادرات إلى تسهيل الإجراءات الإدارية، تقليص التكاليف المرتبطة بالخدمات التقليدية، وتسريع وتيرة تقديم الخدمات للمواطنين. من أبرز هذه المشاريع تطوير بوابة الحكومة الإلكترونية، التي تتيح للمواطنين القيام بالإجراءات الإدارية عبر الإنترنت مثل دفع الضرائب، الحصول على الوثائق الرسمية، والتقديم للحصول على خدمات عامة أخرى، مما يوفر الوقت ويقلل من الازدحام في الإدارات. إضافة إلى ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة من الأدوات الأساسية التي تعتمد عليها الإدارة المغربية لتحسين كفاءة الخدمات الحكومية. من خلال استخدام هذه التقنيات، يتم جمع وتحليل بيانات المواطنين لتخصيص الخدمات بشكل أفضل، واتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة. هذه التقنيات توفر حلولًا مبتكرة لتحسين الاستجابة لاحتياجات المواطنين، وتساعد على تسريع الإجراءات الحكومية، مما يعزز من مستوى رضا المواطن عن الخدمات الحكومية. 4. قانون مكافحة الفساد : في إطار مكافحة الفساد، تم إقرار القانون رقم46.19 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته. ويهدف هذا القانون إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في الإدارة العمومية، وتحديد الإجراءات والآليات التي من شأنها تقليص فرص الفساد في مختلف القطاعات الحكومية. حيث يركز هذا القانون على تعزيز الرقابة على المال العام، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين، فضلاً عن تحسين آليات الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين. كما يهدف القانون إلى تعزيز التعاون بين الأجهزة الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لمكافحة الفساد بشكل فعال، هذا التشريع يُعتبر خطوة حاسمة نحو بناء إدارة عامة قائمة على أسس من الشفافية، والنزاهة، والمسؤولية، مما يسهم في تحسين مستوى الثقة بين المواطنين والإدارة العامة. في الختام، يمكن القول أن الإدارة العمومية المغربية قد شهدت العديد من الإصلاحات القانونية والإدارية التي تهدف إلى تحسين أدائها وتعزيز فعاليتها في تقديم الخدمات العامة. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات المستمرة التي تحول دون تحقيق هذه الإصلاحات وأهدافها المرجوة. فالبيروقراطية، وضعف الكفاءة، والفساد ما زالت تشكل عوائق حقيقية أمام تحسين النظام الإداري. ومع ذلك، فإن التحول الرقمي والجهود المبذولة لتعزيز الشفافية والمساءلة يمكن أن تشكل خطوة هامة نحو إصلاحات شاملة وفعالة. من المهم أن تواصل الحكومة المغربية تبني إصلاحات جذرية وتعزيز الإرادة السياسية من أجل مكافحة الفساد والحد من البيروقراطية، إلى جانب تحسين التدريب المستمر للموظفين العموميين لضمان تقديم خدمات أكثر جودة وكفاءة. كما ينبغي أيضًا إعطاء الأولوية للعدالة في توزيع الموارد والخدمات بين مختلف المناطق لتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة. إذا تم التعامل مع هذه التحديات بجدية وبإجراءات متكاملة، فإن المغرب سيكون قادرًا على بناء إدارة عمومية فعالة تسهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. محمد المحتوشي: باحث في القانون العام