هل يمكن للمدينة، لمدينتنا التي تعطرنا كل ثانية بالخزامى، ان تنام الليلة دون أن تستمتع بقدومك اليها من أجدير؛ دون أن تستمتع بصوتك الصادح؛ بصدى قهقهاتك؛ بنكتك حتى عن نفسك؛ بهدير افكارك التي تحميها بقلبك الذي اعتل غما ذات يوم حزين؟ أن تنام المدينة من دون ان تتجول بها شارعا شارعا؛ من دون ان تصافح اهلها إسما ، إسما، و تسألهم إن استطاعوا ترميم جراحاتهم ؟، من دون ان تنصت إلى ألم أناسها؛واحدا واحدا، من دون ان تستحضر تفاصيل تاريخها، صفحة صفحة، ذاكرتها، صورة صورة! رجالاتها ، بسمة بسمة. نساءها، حلما حلما. من دون ان تتألم لمرضاها؛ لفقرائها، لشبابها العاطل، لاطفالها القابعين على ضفاف بحارها ينتظرون يدا تأخذهم شمالا، من دون ان تنشر بها فرحة تقطفها من أحزانك! من دون ان تذكرها أنها الاجمل و ان تفرقت السبل بأبنائها ? من سيتفرج الليلة على الافلام الوثائقية التي أدمنتها؟ من سيعيد الليلة مشاهدة وثائقي ما للمرة الالف ليتيقن أن السينما سلاح، أن الكلمة رصاصة، و ان الجملة رشاش، و ان أمامنا طريق طويلة و شاقة؟. من سيتصل بي غدا ليسألني إن كنت على علم بتفاصيل موضوع الفلم الوثائقي الذي كنت تفكر ان تشاهده بعد عودتك من وجدة ، التي ذهبت اليها بحثا عن طبيب لقريبة لك !! من يستطيع ان يناقشني حول الفلم الذين سأشاهده غدا؟ من سيصحّح لي معلوماتي عن تفاصيل الحياة السياسية الإسبانية و الأمريكية اللاتينية إن أخطأت او خانتني الذاكرة؟ من سيحثني على جمع شتات أخوتنا وصداقاتنا لنساهم بها في بناء منطقتنا ووطننا؟ من سيحمل معي الخبز إلى الجبال، و الخيم ؛ و الماء و النكتة و البسمة إلى أعالي جبالنا إن ضربنا غدا زلزالا؟ إلى غرباء المستشفى… إلى دور العجزة.. إلى دور الأيتام ؟ من سيعاكسني إن إخترت ليلية أن ادافع عن بعض أوهامي؟ من سيوقف احلامي المسكونة بمرض الامل الزائد قبل ان تصطدم بواقعنا العنيد؟ من سيشجعني غدا لأكمل طريق نضالي الثقافي-الحقوقي؟ من سيؤكد لي غدا ، ومرة أخرى ، ان السينما جواز سفر للمستقبل،للديمقراطية ، لدولة الحق و القانون؟ و ان الموسيقي دواء للقلوب العليلة، و الشعر حصن ضد الانهيارات! من ؟ لم اتصور بالرغم من قلبك العليل ان الموت سيتجرأ عنك !! و أن المدينة ستنام يوما دون ان تتمنى لها و لاهلها ليلة سعيدة ، أخاف ان أخرج إلى المدينة الليلة لأني متأكد أنني سألتقي بك حيث كنا نلتقي دوما ، و ان تأخذني مرة أخرى في جولة بسياراتك التي يمكن ان تدوم عشر ساعات ، كما دامت احدى جولاتنا بالمدينة يوما و نحن نناقش سبل مساهمتنا في تهدأة الحراك ؟ أخاف ، اخاف أن ألتقيك ، ليس خوفا من رهبة الموت، بل لانني أريد لك ان ترتاح الى الابد، ما دام قلبك قد قرر ذلك. فما قرر ذلك الا لانك متعب و تعبت، و أردت أن تستريح قليلا و إلى الأبد. وداعا صديقي ، و داعا صديق المدينة برمتها. لكل حبي الابدي الصادق. على فكرة صديقي؛ لقد عاد الطفل الذي سلمت له يوما مئتي درهم ليشتري لك جريدة . عاد فقط لانك كنت تتمنى ان يعود حتى لا تفقد ثقتك في اطفالنا و شبابنا. … هي مزحة صديقي، و اعرف انك ستبتسم عندما تقرأها هناك ، وترد علي: - سيعود بكل تأكيد أيا فخان!!!