بمبادرة من فرع تيفلت للحزب الاشتراكي الموحد، احتضنت قاعة دار الشباب 9 يوليوز حفل تأبين المرحوم أحمد حركات، المناضل الحقوقي والنقابي والجمعوي بالمدينة، والذي وافته المنية مؤخرا بعد صراع مع مرض عضال لم ينفع معه علاج.. وخلال هذا الحفل التأبيني، الذي شهد حضور أسرة الراحل وأصدقائه ورفاقه وعدد من الفعاليات السياسية والجمعوية المحلية، ألقى صديق الفقيد، الشاعر والروائي عبد الحميد شوقي، مرثية مؤثرة نورد نصها فيما يلي: في اللقاء الأخير ببيته العائلي، لم أصدق أن أراه ممددا في فراشه، عاجزا عن الوقوف والحركة، دون أن يتخلى عن حس الدعابة والنكتة وسحر الحياة إلى آخر لحظة. كانت أعماقي تخاطبه في غياب الدموع المكابرة: انهض يا أحمد لم أتعود أن أراك إلا فارع الطول مديدَ القامة، بهيكل يشبه هيكل الأبطال في الأساطير القديمة انهض يا أحمد اصرخْ في وجهنا، عاتبنا، لوح بيديك المفلطحتين اللتين طالما لوحتا بكرة الهوندبال أيام الدراسة في كوليج ابن آجروم عين البومة مقفرة من دون ظلك المديد والمسنون على عتبات المنازل القديمة لا يعرفون كيف يستقبلون صباحا لا تمر فيه أمامهم لا تحييهم كما اعتدت يوميا منذ سنوات طويلة لا يسمعون نبض خطواتك فوق الطرقات المغبرة الموحلة ولكن المسكونة بفرح الذين كانوا ومن ظلوا ومن سيأتون… خواطري تكلمك وأنت ممدد في سرير المرض قبل أشهر من رحيلك النهائي يا أحمد… يا ابن الظهائر القائظة… يا ابن الفصول المشمسة… يا ابن الابتهاجات التي تسبق حضورك في كل مناسبة… يا ابن الجداول التي لا تنضب… يا أحمد… انظر ولو من تحت الظلام الذي يلف عينيك ها رفاقك هنا يلقون وردا على صمتك الأبدي ويحمّلونك رسائل لصديقك الآخر الذي رحل قبل سنة من موتك انظر يا أحمد… ليس للأمهات غير بقايا دموع حائرة لتشييعك هي دموع ظلت مزمنة في العيون منذ أيقن الجميع أن المرض اللعين نهش خلاياك ومنذ انكفأ الرفاقعلى أحزانهم عاجزين عن وقف الزحف الأخير لكنك في كل زيارة كنت تتعالى على حتمية الفجر الذي لن يشرق أبدا وتنثر رحيق أعماقك في وجوهنا وتستدرج الحكايات البعيدة عن شغب الطفولة عن حواري الشعبة البئيسة لكن المبتهجة باشتعال الحياة عند رائحة كل خبز تفوح من فرن طيني في بيت بسيط عند كل موال تصدره امرأة خلف نولها وهي تغزل للأولاد ما يقي من برد المدارس القاسي عند كل شجار بين الجيران يعيد للحارة دمها الحقيقي ونبضها الحي عن اللهاث اليومي وأنت تجري متعرقا خلف الكرة فوق تراب سيد الهاكور انهض يا أحمد انهض يا صديقي لا تدعنا نحتفل وحدنا بمعجزة اليوم الذي ينفلت من مخالب الموت لا تتركنا نحفر قبرك بيدينا وننزع ضلعك من جسدنا الدامي أسمع قهقهاتك وأنت تصعد الحرش من أسفل البلدة نحو المقاهي البسيطة حيث نلتم من أجل لحظة تشبه ماء ينفلت من بين اليدين في الفم سيجارتك الشقراء وفي اليد حرارة قلب يصد عنا بؤس العالم وفي الوجدان أسرار موتك التي سكتَّ عنها لأنك لم ترد أن يموت أحد بالوكالة عنك أنت وحدك واجهت قدرك كأي طائر حر… كأي سمكِ سلمون يعرف أنه سيموت في أعالي البحار لكنه يصر على العودة إلى منبع النهر الأول فقط ليكون هناك غير عابئ بالحتمية النهائية آه يا أحمد…! لماذا لا تجيب…؟ أعرف أنك هناك في مكان ما تنظر إلينا في نوع من الحدب الحزين في نوع من النظرة الأسيانة ترقبنا ونحن نشرب قهوتنا السوداء أو النصفية عند بّا عرّوب ونحن في صخب الفرح المعرفي في أنشطة جمعية الإشعاع ونحن نعود آخرَ كل شهر من كلية فاس ونلتقي في مقهى أنوال لكي نجدد خلايا الصداقة… لكي ندرس… لكي نمرح… لكي نستمتع بشتاء تيفلت الحنون وبدفء العيون التي تتواصل بإنسانيتها في فضاء المقهى… وأنت هناك… ربما تسخر من محدودية العمر الإنساني بالقياس إلى عمر الكون وربما تنتظر أن نسافر في الزمان لعلنا نحمل إليك أخبار البلدة الصغيرة… آه أحمد…! هل نغفر للوقت… للأقدار… أنها هرّبتك في غفلة منا… وكنا جميعا نلتف حول هدوء أعماقك… ورغم أنك كنت أسير فراشك يوم وصل خبر موت رشيد… فقد أصررت أن تعيش كل ثانية كأنها أبدية… وأن تقنعنا أن رشيد ربما مات من وجع الحياة… وكنت تعرف أنك محكوم بالسير وراءه إلى سيبيريا الموت ومع ذلك كنت تقنعنا أن ثواني الفرح أكبر من زمان النهاية… كنت تودعنا بدمعة راشحة بترقرق الحياة… وبصمت كنا نخجل منه لأننا لم نجد يدا إلهيةً تمتد نحوك لتستردك من ظلام الحتف… وداعا أحمد… في قلوبنا غصة الوداع لكن في ذاكرتنا ظل الصديق ذي القامة الطويلة الذي لم يستسلم أبدا وظل يمكر مع الموت إلى آخر ثانية… وداعا يا صديق الفراشات التي تسكن القلوب…! وداعا أحمد…! تيفلت في 01-01-2020