مرت الذكرى العشرين لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، في السابع من يناير 2004، في ظل "صمت رهيب" من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأيضا من طرف الفاعلين الحقوقيين بالمغرب، ما دفع نائب الرئيس السابق لمنتدى الحقيقة والإنصاف عبد السلام بوطيب لإعادة إثارة هذه الذكرى والأسئلة المرتبطة بعدم إحيائها. وتأسست هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 بظهير من الملك محمد السادس، بغاية جبر ضرر ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والنظر في قضايا التعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية خلال سنوات الرصاص، خلال الفترة الممتدة من عام 1956 حتى عام 1999، لطي صفحة ماضي الانتهاكات. وحول دلالات الصمت الذي رافق هذه الذكرى، أكد عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، في تصريح لجريدة "مدار21″، أن تدوينته التي أثارت الموضوع تحدثت عن "تفاعل الفاعلين المدنيين والحقوقيين بمنطقة الريف الأوسط، وهو الذي سميته بالريف الأنثروبولوجي-السياسي، مع الذكرى العشرين لإعلان هيئة الإنصاف والمصالحة، ولم أتحدث عن كيفية استحضارها من قبل المؤسسات الرسمية كالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان أو غيره". وأوضح بوطيب أن إثارته للموضوع جاءت "أولا، لأن المنطقة وقياداتها الحقوقية والسياسية آنذاك تفاعلت بنفس وطني ووحدوي مع التجربة، وساهمت في إنجاحها بشكل غير مشروط. كما أنها، كانت نموذجية في التعاطي مع جميع محطاتها، وعملت بشكل ذكي على إنجاح جلسات الاستماع العمومية التي لم يكن أحدا ينتظر أن تنجح، وأن تقدم فيها شهادات من مختلف التجارب". ويضيف بوطيب من جانب آخر أن "مياه كثيرة جرت تحت جسر هذه التجربة، منها الربيع العربي، وارتداداته المحلية أي حركة عشرين فبراير، وما سمي بحراك الريف واستهداف بعض قادته لتجربة الإنصاف والمصالحة وقادتها المحليين ووصفوهم بأقدح النعوت. وبالرغم من ذلك بقي أثر التجربة قائما إيجابيا، بل أن جل الحقوقيين بالمنطقة اعتبروا ويعتبرون أن تجربة الإنصاف والمصالحة مع الريف منطلقا ضروريا للحديث عن الوضعية الحقوقية به راهنا ومستقبلا". وعبر بوطيب عن اندهاشه واستغرابة لمرور الذكرى العشرين لهذه التجربة المهمة في تاريخ المغرب الراهن، بالمنطقة، كما في باقي مناطق البلد في صمت مطبق. مضيفا "أنا كحقوقي، أخاف الصمت، كيفما كان نوعه.. الصمت السياسي يخيفني، و يثير قلقي".
صمت مجلس بوعياش وعن مسؤولية المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الاحتفاء بهذه الذكرى، أفاد بوطيب "المجلس هي الجهة المخول لها متابعة مخرجات التجربة، ولاسيما توصياتها، لذا كان بالإمكان أن يجعل من هذه المحطة محطة هامة في الراهن السياسي والحقوقي المغربي، وأن يطلق نقاشا هاما حول التجربة، ليس في العاصمة الرباط فقط، بل في كل البلد، لأن موضوع الإنصاف والمصالحة هم كل شبر من الوطن، وكان على المجلس أن يعطي من خلال هذه المناسبة نفسا جديدا لمعركتنا الجماعية لبناء دولة القانون، والدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك". ولفت في السياق ذاته أن الذكرى العشرين لقيام الهيئة أكبر من الأنشطة القليلة والممركزة في عاصمة البلد التي قررها المجلس الوطني لحقوق الانسان، "لأن تجربتنا في العدالة الانتقالية كانت وما تزال نموذجية في المنطقة وفي العالم. وعلينا أن نعطي لها حقها، واضعين في الحسبان أن العدالة الانتقالية صيرورة طويلة ومعقدة وتحتاج إلى كثير من الإبداع". وبخصو أهمية الاحتفاء بهذه الذكرى، أورد بوطيب "لنكن واضحين، تجربة الإنصاف والمصالحة عندنا، والتي تبنت العدالة الانتقالية كمنهجية لم تأت لتهتم فقط بما تم اقترافه من طرف الدولة في حق الضحايا، وتعويضهم والكشف عن بعض الحقائق وفقط. لا التجربة هي أكبر من هذا، هي مسلسل طويل ومعقد". وشدد رئيس مركز الذاكرة على أن "الذين قرروا يوما إطلاق هذا المشروع أطلقوه للمستقبل، فهو منهجية لبناء المغرب الديمقراطي، مغرب الحق"، مفيدا "قد يكون المسلسل في أزمة، وهذا طبيعي جدا، لكن كان علينا أن نحتفل كما يجب بالذكرى العشرين لهذه التجربة الرائدة. لا أن نحتفل بها في هذا الصمت المخيف، في الريف أو في غير الريف، تحت وابل من الانتقادات الحقوقية ضد بلدنا".