لا تزال شوارع أمستردام الهولندية قابعة تحت وقع أنشطة مافيا المخدرات، التي يقودها مهاجرون، وتعرف باسم "موكرو". إذ يتصدر القتل وغسيل الأموال وتجارة المخدرات أنشطة لهذه المافيا، مما يجعل من البلاد "دولة مخدرات" بامتياز. بشعارهم "من يتكلَّم يُقتَل"، تستحوذ مافيا "موكرو" على المشهد الإجرامي في دول البنلوكس، بخاصة في المدن الهولندية الكبرى، حيث ينشطون في تجارة دولية واسعة للمخدرات، وغسيل الأموال وتصفية الحسابات بالقتل. ولم تقتصر يد القتل لهذه المافيا، التي يديرها بارونات مخدرات أغلبهم من أصول مهاجرة، على نظرائهم في أوساط الجريمة، بل امتدت إلى صحفيين ومحامين وكل من حاول فضح فظاعاتهم. بل وامتدت الاغتيالات التي يقومون بها خارج حدود هولندا، لتشمل كل التراب الأوروبي، بل ونفذت عمليات قتل في المغرب هزت الرأي العام فيه. فيما تجهد السلطات الهولندية لتفكيك هذه العصابات، ومن أجل ذاك رصدت ميزانية هائلة وموارد بشرية كبيرة. لكن ذلك يبقى ممتنعاً، مع دوام استقطاب المافيا للشباب من أقليات عرقية في البلاد، والذين يعيشون في أغلبهم وضعية اجتماعية صعبة، وتفككاً أسريا.
دولة المخدّرات حّذر كل من عمدة أمستردام ونظيره عمدة روتردام من أن "ثقافة الجريمة والعنف (في المدينتين) أصبحت تقترب أكثر فأكثر لتأخذ الطابع الإيطالي"، في إشارة إلى المافيا الإيطالية ذات الشهرة الدولية. وذلك عبر كميَّات المخدرات المحجوزة في ميناء روتردام، وعدد جرائم القتل في المدينتين نتيجة تصفية الحسابات، وما بين 15 و30 مليار دولار من الأموال يجرى غسلها سنوياً. هذا الواقع الذي جعل صحيفة "غارديان" البريطانية تصف هولندا بأنها: "إضافة لكونها عُرفت جنةً ضريبية، فهي تصبح الآن بشكلي جدي دولة مخدرات من الجيل الجديد". أصبح هذا الأمر يؤرق الحكومة الهولندية، فعبرت وزيرة العدل ديلان يشيلجوز، عن ذلك أمام البرلمان قائلة: "لن نحصل أبداً على نفس القدر من المال مثل المجرمين الذين يواجهوننا، ولكن لم يكن من قبل هذا القدر من المال لمعالجتها، والمرور من الوقاية إلى تعطيل نماذج الكسب هذه، ومعاقبة الأشخاص وحماية من هم في الخطوط الأمامية". وأعلنت الحكومة الهولندية الاثنين الماضي عن تعاون دولي جديد بشأن كبح عمليات تهريب الكوكايين من دول المصدر في أمريكا اللاتينية عبر مواني روتردام وأنتويرب البلجيكي. وكان عمدة أنتويرب، بارت دي ويفر، حذّر سابقاً من تصاعد نشاط هذه الشبكات الإجرامية في بلجيكا، قائلاً: "ما يحدث اليوم في هولندا سيحدث هنا غداً". وفي هولندا تتغلغل شبكات غسيل الأموال التابعة للمافيا في مفاصل النظام الاقتصادي للبلاد. وتسعى السلطات إلى كبحها، إضافة إلى محاربة التهريب الدولي للمخدرات، تطبيق آلية تدقيق صارم في الأعمال التجارية، وتوسيع مخططات شهود من داخل تلك العصابات، والتعمق في الهياكل المالية الغامضة، وتقديم خيارات أفضل من الجريمة بالنسبة للشباب القاطنين في 16 حياً فقيراً.
جرائم "موكرو" مافيا يقبع خلف هذا النشاط الإجرامي المتصاعد مافيا أغلب أعضائها من الجالية المغربية المقيمة هناك، تطلق عليها السلطات إسم "موكرو مافيا". ويرجح أن زعيم هذه العصابة الإجرامية هولندي من أصول مغربية، اسمه رضوان التاغي. واعتقل رضوان التاغي بدبي سنة 2019 بتنسيق مغربي هولندي، بعد أن أصبح أكثر المجرمين المطلوبين في هولندا، إذ رصدت الشرطة الهولندية للإيقاع به مكافأة تعدت 100 ألف يورو. ويستحوذ التاغي وشبكته على ثلث تجارة المخدرات في أوروبا، وأنه المسؤول عن 100 ألف كيلوجرام من الكوكايين يجرى تهريبها إلى ميناء روتردام كل عام، حسب تقديرات السلطات الهولندية. ويتابع التاغي بالتخطيط لست عمليات إطلاق نار قاتلة والتخطيط لسبع عمليات أخرى، أغلب جرائم القتل هذه تدخل في خانة تصفية الحسابات واسكات الأفواه التي تهدد نشاطه. وأبرز ضحاياه كان الصحفي الاستقصائي الهولندي المختص في كشف خبايا المافيات الإجرامية، بيتر آر دي فريس، الذي تلقى خمس رصاصات من بينها واحدة في الرأس قضى على إثرها. ونفذت عصابة التاغي اغتيالاً ضد المحامي ديريك ويرسوم، محامي الشاهد الرئيسي في محاكمة زعيم العصابة. كما كانت المنفذة لعملية إطلاق نار بمقهى "La Créme" بمدينة مراكش المغربية، سنة 2017، والتي تبين بعدها أنها جريمة تصفية حسابات بين المافيا. وبلغ إجرام التاغي حد تهديد رئيس الوزراء الهولندي مارك روت، إذ حذرت معلومات استخباراتية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من تخطيط "مافيو موكرو" بخطف المسؤول الهولندي. ووفق ذاك شددت الشرطة الهولندية الحراسة على رئيس الوزراء، كما منعته ركوب الدراجة الهوائية خلال ذهابه إلى العمل.