الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية. يبدو أن الضجة تتنقل بسرعة في الخلجان، فالأصداء المرتفعة لما يجري في خليج المكسيك جراء تسرب النفط من بئر تابع لشركة "بي بي" BP باتت تسمع في خليج آخر، هو ذلك الذي تقع عليه الدول العربية المنتجة للنفط من جهة، وإيران من جهة أخرى. فبينما كانت عمليات تركيب سدادة خاصة لفوهة البئر المتسرب تتم على قدم وساق في الخليج الأول، كانت ناقلة نفط تتعرض لحادث غير واضح في الخليج الثاني بمضيف هرمز، ما أثار قلق الكثيرين. فالناقلة "M Star" المملوكة لشركة "ميتسو" اليابانية كانت في طريقها من جزيرة داس في أبوظبي باتجاه اليابان، وعلى متنها 270 ألف طن من النفط، وحدث انفجار غامض على سطحها، وقال طاقمها إنه شاهد وميضاً سبق الانفجار، ما دفع الشركة المالكة للقول إن سفينتها قد تعرضت لهجوم. وقال مسؤولون في ميناء الفجيرة الإماراتي إن الناقلة كانت عرضة لضربة من موجة عاتية نتجت عن زلزال ضرب جنوبي إيران، ولكنهم سرعان ما تراجعوا ويقوم الأسطول الأمريكي الخامس بالتحقيق في القضية، وأنا على ثقة بأن القيادة الأمريكية الوسطى ستكون متنبهة بشكل كبير لما يجري، حتى وإن اتضح أن ما جرى للناقلة مجرد حادث عادي. وأنا أذكر أنني قمت خلال حرب الخليج الأولى بتغطية تطورات إمدادات الطاقة عبر مضيق هرمز، وأنا أعرف أنه في بعض الأحيان يبدو المضيق مزدحماً نظراً لكثرة السفن التي تعبره، وخاصة ناقلات النفط، إذ تمر منه 15 ناقلة في المتوسط يومياً، حاملة معها 17 مليون طن من الذهب الأسود. وبما أن 40 في المائة من نفط العالم موجود في دول تقع على شواطئ الخليج، وهي إيران والسعودية والإمارات والعراق وسلطنة عمّان والكويت وقطر والبحرين، فإن الوكالة الدولية للطاقة تعتقد أن كمية النفط المارة من مضيق هرمز ستتضاعف بحلول 2020. ويصب هذا الأمر في صالح القيادة الإيرانية الحالية، وعلى رأسها الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي كان قد هدد بإحداث الفوضى والانتقام إن تعرضت بلاده لعقوبات اقتصادية يمكن أن تؤثر في قدرتها على تطوير قطاع الطاقة لديها. ويعيد هذا النقاش إلى الأذهان ذكريات ما كان يعرف ب"حرب الناقلات" في أواسط العقد الثامن من القرن الماضي، عندما قام العراق وإيران بنشر ألغام بحرية في مياه الخليج لضرب سفن بعضهما البعض وتهديد نقل النفط، وقد تكرر هذا الأمر خلال حرب تحرير الكويت، ومن ثم غزو العراق، ما رفع كثيراً من أسعار النفط آنذاك. ورغم أنني لا أرغب في إثارة المخاوف، إلا أن كل رجال الأعمال الذين تحدثت إليهم يواصلون مراقبة الموقف بعناية، وهم يشعرون بالقلق حيال التوترات التي تحيط بإيران والخطاب المرتفع النبرة في طهران، والذي زاد ارتفاعه مع فرض أوروبا بدورها عقوبات عليها. في هذه المرحلة يمكننا أن نقول إن ما تعرضت له الناقلة اليابانية هو مجرد حادث سببته الطبيعة، ويمكن لها أن تستكمل رحلتها بسلام بعد بعض التصليحات البسيطة، ولكن الخليج ومضيق هرمز أكثر تعقيداً من هذا.