بين الكفر والإيمان شعرة ، وبين السلم والحرب شعرة ، وبين الخير والشر شعرة ، وبيننا وبين الديمقراطية شعر كثيف ، إذ أن المواطن في بلادنا طبقات ، مواطن فوق المواطنين ، أولئك ما أكثرهم ، تعرفونهم بسيماهم ، ببطونهم الممتلئة وكروشهم الضخمة وملامحهم التي لا تعرف النور ، أولئك لم يخلق القانون لأجلهم ، يسنون القوانين بالطريقة التي تلائمهم ، يعيشون غالبا في الظلام ، لا يدفعون الضرائب ، يحتكرون كل شيء ، والقانون لا يطبق عليهم . طبقة المواطن الموظف الذي يرزح تحت ثقل الديون ، أولئك الفخورون بوظائفهم ومداخيلهم ، ورواتبهم الهزيلة ، يهرعون الى النظام ولا يهرع هذا الاخير اليهم ، يدفعون كل الضرائب ، يعيشون حياة وسطا بين البساطة والرغد ، ويمشون على الأرض مرحا . شبه مواطن أنا ، أضرب في بلدي ، أصفع على يد رجال أمن بلدي ، أهان من مسؤولي بلدي ، أنام على الرصيف ، أعيش الفقر والعوز والجوع والعطش ، أنا المواطن الثالث ، أنا الذي وضع القانون ليسوسني ، أنا الذي أضرب بالهراوات في الشوارع ، وأقمع في المظاهرات ، أنا الذي تكسر أسنانه إن فتح فمه بالصراخ ، أنا الذي نخر البرد جسدي ، وجسد بلدي ، خيراتي منهوبة ، وثرواتي مقسومة ، ودرجتي في الحياة مواطن درجة ثالثة . أنا الذي ينكل بي في كل مكان لمجرد أنني من الريف ، الريفي ديرو وراك ومديروش قدامك ، أو كما يقولون ، ما أبعد الريف عما يقولون يحز كثيرا في النفس أن نكون أحرارا ، ممتهنين ، ما معنى أن تهان أم وأطفالها في عقر دار السلطة؟ ما معنى أن تطرد مواطنة من حرم السلطة شر طردة ، وأن ينكل بها وتشتم وترمى لخارج مقر الباشوية؟ ما الباشا؟ ما الوالي؟ ما الوزير ؟ ما الحاكم إذا لم يكن في خدمة المواطن والمواطنين؟ قال هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، صدقنا يظهر في تآزرنا ، في تلاحمنا ، في يدنا الواحد في قبضات سواعدنا الفتية ، برهاننا يتجلى في مئات الحناجر الشابة المدوية وسط صمت ليل الريف الشامخ ، نحن أحفاد محمد بن عبد الكريم الخطابي لم نأتي إلى هذه الدنيا عالة عليها ، لنا حقوق في هذه الأرض قبل الباشا وأعوان المخزن ، لنا جذور ضاربة في التاريخ ، وعلم المغرب الأحمر صبغ بدم الشهداء الذين وهبوا حياتهم لمجد وعلياء هذه الأمة ، ضحوا بالغالي والنفيس كي لا تهان كرامة أمي وأمك في الشوارع ، كي لا تراق دماءنا سهلة ، كي لا تحرق جثثنا وترمى في الأبناك ، تعددت الأسماء والموت واحد ، إذا مات الأب فدا وطن ما أحلى عيش الأيتام. سامحني أيها الريف ، سامحني واسمح لي أن أقبل تراب أرضك الندية ، ما زال فيك خير كثير ، وما زلت أفتخر بأبناءك يجولون المدينة عند الفجر أفواجا أفواجا ، بحناجهم المدوية وأصواتهم الفتية ينشدون والعصافير فجر يوم جديد من أيام رمضان ، بطعم الحب والإخاء والروح الواحدة ، أصابتني قشعريرة البارحة وأنا أسمع أحدهم يصرخ : هل ستنام هذه الأم وحيدة في الشارع هذه الليلة؟ عشرات الغاضبين صرخوا : أبدا ... هنا أبتسم ، ما زال فيك خير يا بلدي ، ومازال شبابك على العهد