انني فكرت طويلا قبل ان أقرر كتابة مقالي هذا المتواضع بعد حدث خطاب 9 مارس التاريخي بكل المقاييس و العبارات الخ و بعد مرور مسيرات 20 مارس في اجواء عامة تطبعها روح المسؤولية الوطنية و التاريخية تفاديا لعواقب وخيمة تهدد استقرارنا الدائم تحت ظل الملك الشاب نصره الله.ان خطاب 9 مارس المبارك في رايي المتواضع جاء في سياق وطني يتميز بظهور حركة شبابية مغربية مائة في مائة تحت اسم 20 فبراير تنادي باسراع وتيرة الاصلاحات السياسية و الدستورية و الاجتماعية حيث علينا ان لا ننسى او ان نتجاهل بان المغرب بذل جهود كبيرة منذ جلوس ملكنا محمد السادس على عرش المملكة المغربية في ترسيخ نموذجنا الديمقراطي الحداثي من خلال فتح ملفات الماضي المؤلمة و الاعتراف بوطنية الهوية الامازيغية و اصدار مدونة الاسرة الجديدة استجابة لتطلعات الحركة النسائية المشروعة الخ من مظاهر الاصلاحات المتواصلة .الا ان تداعيات الثورات الشبابية في شمال افريقيا و الشرق الاوسط ساهمت بشكل كبير في جعل الشباب المغربي يستيقظون من نومهم الخفيف ليساهموا بصوتهم في تسريع وتيرة الاصلاح المنشود تحت قيادتنا الحكيمة من طبيعة الحال..مدخل الى موضوعناقد جاء الورش الدستوري بعد 11 سنة من العهد المحمدي المبارك و بعد بروز الحاجة الماسة الى دستور جديد يتناسب مع مغرب قرن الواحد و العشرين و مع حاجاته المعاصرة و تعتبر هذه الفرصة ذهبية للتفكير بشكل حقيقي في اعادة احياء تقاليد اجدادنا الفريدة من نوعها و اقصد هنا اعرافنا الامازيغية او العلمانية المحلية كمصطلح من اختراعي المتواضع لجعل الشعب المغربي عموما و الاسلاميين المتنورين خصوصا يفهمون بان العلمانية المحلية هي حقيقة تاريخية لا غبار عنها نهائيا و انها تتناسب بشكل دقيق مع مقاصد الشريعة الاسلامية بمعنى ان علمانيتنا المحلية هي اجتهاد متقدم عن الشريعة الاسلامية الموقرة من طرف الجميع حيث ان الامازيغيين في عهد المرابطين مثلا كانوا يعتمدون على هذا التشريع العرفي حسب ما قراته في كتاب المجتمع و الدولة في العصر الموحدي حيث كانت ظاهرة السفور مثلا منتشرة في بيوت فقهاء المرابطين علما ان الشريعة الاسلامية تفرض على المراة ارتداء الحجاب الخ من هذه الأمثلة الكثيرة التي لا يمكننا اختزالها في هذه السطور .ان العارف لتاريخ المرابطين سيدرك انهم قدموا خدمات جليلة للاسلام كما هو معروف لدى اهل الدراية بتاريخ المغرب.ان الامازيغية ستدخل لاول مرة الى الوثيقة الدستورية حسب خطاب 9 مارس المبارك بعد اكثر 50 سنة من الاستقلال و بعد ما يناهز من 40 عاما من النضال الامازيغي المنطلق في ظروف غير ظروفنا الحالية و في سياق تاريخي غير سياقنا الحاضر حيث ان الجيل الاول من هذا النضال كان يرفع شعار الثقافة الشعبية ببعدها القدحي انذاك في ظل سيادة الثقافة الرسمية المدعمة ايديولوجيا من طرف خرافات الماضي و من بينها خرافة الظهير البربري كمدرسة عمرت لعقود طويلة في عقول نخبنا السياسية و الدينية الخ بهدف قمع الامازيغية كثقافة و كبعد ديني و كحقوق حيوية طوال سنوات عديدة . صفحات من تاريخنا المنسيان بعض قيادات الحركة الوطنية منذ انطلاقتها عملت كل جهودها على محو الامازيغية كثقافة اصيلة و كاعراف عريقة في المجتمع حيث ان اصحاب اللطيف شعروا بخطر ترسيم العرف الامازيغي كقانون حامل لمشروع العلمانية المنطلق من هذه الارض الطاهرة فاخذوا يفكرون في سبيلا لتشويه هذا الظهير و من خلاله تشويه كل ما هو امازيغي و ذلك بربطه بالعمالة للاجانب و نزع صفة الوطنية عنه فاتجهوا نحو العزف على وتر العاطفة الدينية القوية لدى المغاربة ثم استغلالها من اجل ميلاد نخبة جديدة قدمت نفسها باعتبارها حركة تنتمي الى السلفية الدينية .ان العاقل لن يقبل ان الامازيغيين ارادوا التنصير و ابتعاد عن الاسلام من خلال العرف الجاهلي و الحقيقة ان اصحاب اكذوبة تنصير الامازيغيين ارادوا القضاء على أي مشروع يحمل فكر جديد يبارك التقدم نحو النموذج العلماني المحلي كما هو الحال بالنسبة لدولة تركيا المسلمة و هذه تعتبر وجهة نظري الخاصة.اذن ان هؤلاء خططوا جيدا من اجل محاربة العلمانية المحلية بهدف تحويل الامازيغيين من هويتهم الفريدة الى هوية مفروضة عليهم تحت ذريعة الحفاظ على الاسلام و الحفاظ على لغة كتاب الله العزيز في مغرب فجر الاستقلال و ذلك باستعمال اسلحة التعليم و الاعلام و الخطاب الديني لغاية مشرقيتهم و منعهم بكل الوسائل من قراءة صفحات نادرة من تاريخهم الاجتماعي التي ظلت في غياهب النسيان كانها لم تكن موجودة اصلا ..ان هذه الصفحات النادرة تختزل حقائق صريحة تقول ان السلطان الحسن الاول قد اقر السوسيين على عوائدهم و اعرافهم العريقة.و تقول كذلك ان المرحوم محمد الخامس بعد توقيعه على ظهير 16 ماي 1930 وجه كتابا الى الباشاوات بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف ليقرا في اعظم المساجد يقول فيه ان للقبائل البربرية عوائد قديمة يرجعون اليها في حفظ النظام و يجرونها في ضبط الاحكام و قد اقرهم عليها الملوك المتقدمون من اسلافنا المقدسين و من قبلهم .و اقتضى نظرنا الشريف تحديث حكم الظهير المذكور لان تحديثه ضروري لاجراء العمل به بين الجمهور.و اضاف محمد الخامس في كتابه كلاما يوحي الى الرموز و تكذيب ايديولوجية الظهير البربري بصفة نهائية حيث قال بالحرف قد قامت شرذمة من صبيانكم الذين يكادون لم يبلغوا الحلم و أشاعوا ان البرابر بموجب الظهير الشريف تنصروا و ما ذروا عاقبة فعلهم الذميم و ما تبصروا و موهوا بذلك على العامة و صاروا بدعوتهم لعقد الاجتماعات بالمساجد عقب الصلوات لذكر اسم الله تعالى الله اللطيف فخرجت المسالة عن دور التضرع و التعبد الى دور التحزب و التمرد فساء جنابنا الشريف ان تصير مساجد حيث قال الله في حقها في بيوت اذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه الاية. الى مجلات اجتماعات سياسية تروج فيها الاغراض و الشهوات .و اضاف ان مولانا المقدس بالله كان احرص الناس على ايصال الخير لامته فكيف يفعل ان يسعى في تكفير جزء عظيم من قبائل رعيته و هنا اعتراف صريح بالامازيغيين هم جزء عظيم من شعبه.و استمر حيث قال نحن سائرون على اثره في ذلك ساهرون على دفع كل ضرر يلحق برعيتنا السعيدة فليس ابقاء تقرير البرابر على عوائدهم الا مساعدة من جنابنا الشريف على محض طلبهم و إجراء لهم على ما كانوا عليه منذ ازمان طويلة أي اعتراف بشرعية العرف الامازيغي كتشريع مستقل عن الشريعة الاسلامية بصفته امير المؤمنين و حامي الملة و الدين .و قال اننا قررنا ان كل قبيلة بربرية تطلب اجراء الاحكام الشرعية عندها تساعد على ذلك فورا و يعين لها القاضي من لدن جنابنا الشريف حرصا على صيانة دينها أي لم يذكر ان الامازيغيين عليهم التخلي عن اعرافهم باعتبارهم مسلمون عليهم الرجوع الى الشريعة الاسلامية في كل امور حياتهم اليومية بل اعتبر الامر اختيارا حسب فهمي المتواضع و السؤال المطروح أليس هذا إقرارا صريحا بالعلمانية المحلية و تحطيما واضحا لأسطورة الظهير البربري التي عمرت عقودا الى الان في بعض وسائل الاعلام ..و هذا الكتاب السلطاني مؤرخ بتاريخ 13 ربيع الاول 1349 هجرية و وجدت هذه الوثيقة التاريخية و الفريدة من نوعها في كتاب الظهير البربري اكبر اكذوبة سياسية في المغرب المعاصر للاستاذ محمد منيب كباحث في هذا الموضوع .و كما اخبرنا المرحوم امحمد العثماني عبر كتابه الشهير عن صفحات تاريخنا الاجتماعي المنسي حيث قال ان هذا القانون العرفي يشمل القطاعات التالية قطاع نظام الامن و قطاع التجارة و قطاع التربية و المقصود هنا هي التربية الاسلامية الاصيلة بسوس من المدارس العلمية و الزوايا الخ ثم قطاع الايداع بمعنى المخازن الجماعية او ايكودار و قطاع الفلاحة و ما يتعلق بها و قطاع الحي اليهودي أي ان هذه الاعراف لم تتجاهل التعايش الديني بين مكونات المجتمع . ان الحديث عن هذه الصفحات هو كلام طويل حيث انني احاول اختصاره بقدر الامكان لنخرج بعدة استنتاجات قد تكون ارضية اولية لفهم واقعنا التاريخي بعيون مغربية خالصة لان اولا ان تاريخنا الرسمي لا اساس له من الصحة بل ان هذا التاريخ ساهم بشكل جوهري في تغيير هوية المغاربة من هويتهم الاصيلة الى هوية اخرى تحمل رموز الفكر المشرقي و مذاهبه المتطرفة كالتعريب و السلفية التي تعني حسب فهمي المتواضع الرجوع الى الوراء و نفي مبدأ الاجتهاد و مبدا مسايرة العصر كما فعل اجدادنا الامازيغيين حيث أحدثوا انظمة متطورة و قوانين بشرية لتسيير شؤونهم اليومية دون أي تعارض مع مقاصد الشريعة الاسلامية.ثانيا ان النخب الوطنية بعد 1956 أنكروا الهوية الامازيغية تماما حيث كانت الامازيغية تعني احياء الاستعمار و التنصير و البادية بحمولتها القدحية أي التخلف القروي بينما لو كانت الامازيغية وجدت الاهتمام و الرعاية انذاك من طرف الدولة لكان المغرب بلد متقدم ديمقراطيا و علمانيا مثل تركيا المسلمة ..ثالثا علينا ان ندرك ان اكذوبة الظهير البربري هي السبب الاساسي في تأخرنا بالنهوض بالامازيغية عقودا و تاخرنا كذلك في ادراكنا لعلمانيتنا الاسلامية .......اذن لا يمكننا الانتقال من المرحلة الحالية الى المرحلة القادمة دون تصفية ارث الماضي من الاكاذيب و الاساطير كأسطورة الظهير البربري التي مازالت حية و مازالت تتمتع بشرعيتها لدى بعض الاحزاب القديمة و بعض حركات الاسلام السياسي و لدى وسائل الاعلام السمعية و البصرية حيث عند حلول أي عيد وطني او ذكرى رمزية مثل ذكرى وفاة المرحوم محمد الخامس في 10 رمضان نسمع هذه الاسطورة تستحضر في هذه الوسائل بشكل الذي يجعلنا نعتقد اننا مازلنا نعيش ما قبل خطاب اجدير التاريخي و بالاضافة الى المقررات المدرسية.ان هذا الاستحضار المناسباتي اصبح غير معقول الان و مرفوضا في المرحلة القادمة حسب رايي المتواضع لان المغرب قرر على لسان جلالة الملك ان تدخل الامازيغية الى الوثيقة الدستورية بوصفها رصيدا لجميع المغاربة حسب التعبير الملكي .و على اية الحال فانني سأواصل هذا الموضوع الطويل بمحاوره بعد التشاور مع بعض الاساتذة الكرام بهدف اخذ رايهم القيم و بعدها سيكون لي راي شخصي و التشاور اعتبره شيء اساسي و مهم في هذه المرحلة ..