عمدة شاب من الريف، بالأمس القريب قدم من ضواحي الحسيمة كهر مشرد ضال، يبحث عن دور أيتام أو حتى ملجأ في ضيافة بني جلدته، يقيه من أرض تزلزلت تحت أقدامه ودور هوت على ساكنيها، أفزعه الوضع الإنساني هناك وأفرحه في آن، استقل أول حافلة متجهة نحو طنجة وقرر أن يبتدع لنفسه "حرفة التسول" باسم دعم ومساعدة منكوبي الريف أولا، ثم باسم إحلال الأمازيغية في الفضاءات العمومية لما استقر له المقر بطنجة ثانيا. عمدة رصيده السياسي فارغ، بنكه النضالي يتيم، ركب موجة الأمازيغية كما ركبها أخوه إلياس من قبل في ملف ضحايا الغازات السامة بالريف.. باع نفسه للمخزن كما باعها أخوه للشيطان، يتسلق مقابلها سلم الأعيان حتى يتصدر زعيما في مؤسسة أعيان الأعيان/العمادة. عمدة يتصنع وداعة ممسوخة، ورفعة وضيعة، ينتمي إلى المخلوقات ذوات الدم البارد، يزحف على بطنه لينقظ على الفرائس الوديعة، خانته المروءة الزائفة وانقلب على بني جلدته بأنياب تقطر سم المكيدة والخديعة والتآمر والدسائس المبيتة... تبرم منه الريفيون، وصاروا يلوكونه بألسنتهم في اجتماعاتهم بالكثير من الإحتقار، و لسان حالهم يقول... هذا ليس منا.. ونحن لسنا منه.. هذا صنيع المخزن.. هذا أفاك عظيم.. هذا ينتمي إلى فئة "إبياعن"... إنها الفئة الأكثر استهجانا بالريف، الفئة التي كان الريفيون يمارسون في حقها عقابا بالنفي المؤبد من الريف.. أتراه يداري ماضيه المثخن بالحرمان والفقر والإضطهاد الإجتماعي.. أم تراه يخفي عجزه السديم بارتدائه جلباب المخزن العتيق، ينتقم من ذاكرته، تاريخه وهويته وهو لا يشعر.. أم أنه أصبح على دين السياسة الجديدة، يتعبد في محراب الأصالة والمعاصرة، صباح مساء، يستغفر لماضيه المنفلت من زوايا الزمن الضائع، ويسبح باسم السلطة الزائفة الزائلة.. إن السلطة لزائلة وإن عابدوها لفي ظلال مهين... عمدة يلعن الميكيافيلية في العلن و يتوسدها في السر، يدرب نفسه على المتناقضات و المتشابهات، يتقمص الملائكية ليصنع من نفسه صنما لا يعبده غيره، اللهم بعض الأتباع الزائفين، يهللون بحمده و يسبحون باسمه مقابل مصالح زائلة بزواله، وأشباه الصحافيين ببعض الجرائد المعوزة، انصرف عنه البعض بعدما تلمسوا مقاصده، فأحدث منبرا بالنيابة لا يكل ولا يهدأ من التهليل و التكبير بخطوات مرصودة للفقاعات الإعلامية. عمدة تدرب جيدا على كيفية استنفاذ مدة المجلس في الصراع على الكرسي و المنصب داخل حلبة الصراع، فرض استراتيجيته قصرا على مختلف التيارات الممثلة داخل مجلس المدينة، من نخب و شخصيات يجمع بينها دين حب السلطة.. تسخر جميع مواهبها، طاقاتها ونفوذها في حماية مكتسباتها وامتيازاتها الشخصية، سواء أكانت مادية أو رمزية، تشكل الإنتهازية الخيط الرابط بين جميع المهرولين، أعداء وأحبة، نحو امتطاء صهوة السلطة، تعد الساكنة الطنجية بمستقبل حالم، ظاهره وعود كاذبة وباطنه لصوصية مستحكمة ومحصنة، لا تأتيها المساءلة ولا المحاسبة، لا من قبل ولا من بعد، تراكم الخبرات في فن نثر الرتوشات، لتهريب الميزانيات إلى الجيوب والمشاريع الخاصة في استمساك محكم بمفهوم المخزن التقليدي، تخفي السكينة التي تذبح بها، بالتفويض الفاضح، كل نبرة احتجاجية على الأوضاع الفاسدة وعلى "مافيوزات" من تقلد زمام أمورهم دونما تفويض منهم، لتخلوا لها الساحة لإعادة إنتاج أنماط الفساد، التقليدية منها والحديثة، تحت شعارات و مسميات براقة، تسر السامعين والناظرين معا، تدغدغ المشاعر العامة عبر عزف ينبعث من قرص مشروخ إسمه التنمية. عمدة.. في كل هذا.. ينط داخل حلبة المشهد السياسي ليقوم بحركات تسخينية استباقية استعدادا للإنتخابات القادمة، ويدخل معها مختبر التجريب.. تجريب إنزال التوصيات المركزية الشديدة الحساسية في بيئة تلفظها مثلما يلفظ الجسم الأجسام الغريبة والدخيلة، وتجريب كذلك مدى قدرته على إيهام بعض الشرائح الإجتماعية بأكاذيب سخيفة ووعود بذيئة لا يصدقها إلا ساذج أو طامع في فتات من فضلات "هرشتها" كلاب خدمة الأصنام. عمدة تمرس في النهاية على جلب المصالح، طبعا ليست عمومية بقدر ما هي شخصية وذاتية، ودرأ المفاسد عنه وعن مصالحه وتسييجها بأسوار عاتية، لا سبيل إلى أن تطالها القوانين، وإلا ما سر تنصيب نفسه محاميا على خروقات المنعشين العقاريين والدفاع عنهم أمام الجهات المسؤولة عن مراقبة سياسة التعمير بطنجة والتي جعلوا منها مدينة بدون أفق في التهيئة العمرانية التي عرفت أيضا تشوها سرطانيا غير قابل للعلاج.. أتراه له مشاريع عقارية بالوكالة أم هي فقط مصالح متبادلة... في البدئ والمنتهى يبقى عمدة، ليس ككل العمد، بيده سوط السلطة يجلد به من يشاء ومتى يشاء وكيف ما يشاء، يحشر أنفه في كل شيئ، مثل عجوز شنعاء، في التعليم العالي، في الإعلام الجهوي والمحلي، في التكوين المهني، في الرياضة... وحتى في الزبالة، له بطاقة مرور مكتوب عليها.. " دعه يمر إنه في مهمة"، له الضوء الأخضر لمخزنة القضية الأمازيغية والنخب المحلية والجهوية وحقنهم بمحلول الخنوع والخضوع للتعليمات الفوقية والسفلية.. لا فرق في ذلك.. ما دامت الغاية واحدة. عمدة طنجة، منصب لم يخطر له حتى في مخيلته الواسعة في بلدته النائية التي ترشح فيها أكثر من مرة دون أن يحصل على أي صوت وهو دليل ينهض على أي نخب تستقطب مدينة "طنجة العالية".