في بعض المناسبات الدينية أو الدنيوية، بل دائما، هناك لحظات يجتاحنا فيها الإحساس بالحنين، أكثر من أي وقت مضى، تجاه أشخاص كانوا بالأمس يتقاسمون معنا مثل هذه اللحظات واليوم عندما نلتفت نجد أن كل ما عشنا معهم لم يعد سوى ذكرى في حياتنا. البارحة؛ صباحا. اتصلت بي الإعلامية أحلام الدرقاوي للمشاركة في برنامج "ديما فالبال" الذي سيبث طيلة شهر رمضان على أثير الإذاعة الوطنية بالرباط لأتحدث عن تجربة فقدان والدتي وكيف صارت حياتي بعد رحيلها، فوافقت. في المساء؛ أثناء تسجيلي للتصريح المفترض ألاّ يتجاوز خمسة دقائق، كانت شفتاي تتلاصقان كلمّا حاولت نطق لفظة: أمّي. فأتلعثم وتمتلئ عيناي بالدموع. عاودت التسجيل وفي كلّ مرة كنت أفشل. فكرت في التوقف ولم تكن ثمة طريقة ممكنة لأعاود الاتصال بالأستاذة أحلام الدرقاوي كي أعبر لها عن عجزي وبالتالي إلغاء مشاركتي؛ لأن الوقت تأخر. لملمت قواي وعاودت التسجيل فقلت: أريد أن أغتنم الفرصة لأقول لكل من سيسمعني وله أمّ فليسرق ما استطاع إليه من الوقت ليقترب منها أكثر مما مضى لئلا يصبح يوماً ولا يجد إلا مكانها. يقال عادة أن مكانة الذين نحبهم لا نعرفها حتى نفقدهم. والفقدان لا يوصف. ولا يعرفه سوى من ذاق مرارته. وما أشعر به اليوم حين أعود إلى البيت فتقابلني الجدران عوض الصوت الحنون الذي ألفت سماعه لمدة ستة وعشرين عاما؛ لا يمكن أن يوصف. أرسلت التسجيل للإعلامية أحلام واعتذرت لها في رسالة نصية لكوني لم أتمكن من المواصلة. من منكم يستطيع الحديث بطلاقة عن شخص قريب جدا فقده فأصبح الآن جرحا في القلب وذكرى "ديما فالبال". أنا لا أستطيع..