عندما أصدر الكاتب اللبناني فوزي المعلوف كتابه القيم " الهويات القاتلة " منذ ما يقرب من عشرين سنة خلت، كانت الفرصة جد سانحة لإثارة الكثير من الجدل الثقافي والفكري الذي كان يطبعه في الأعم الغالب من الأحيان لغط وسجال سياسي حاد تولت قيادته حركات سياسية تسدل على نفسها لبوسا ثقافيا، وتكمن الأهمية الكبرى للكتاب في كون المؤلف يعرض إلى الهوية من وجهة نظر كونية تؤطرها مفاهيم حقوقية ذات منحى حداثي، سيما وأن الكتاب قد صدر بعد سنوات قليلة من انهيار جدار برلين وتفتت المكونات السابقة للاتحاد السوفياتي وانتهاء ما يسمى ب " الحرب الباردة "، هذه الكونية التي جعلها الكاتب نبراسا يستلهم من حياضه تفاصيل المؤلف الشاملة، والتي ما فتئ العديد من مثقفي أوروبا الشرقية يجهزون بمعاول النقد الجارح على مكنون جوهرها الإيجابي، ناعتين المشتغلين على ضوء مفاهيمها وملفاتها الراهنة باليسار الليبرالي الذين تغيروا الآن حسب تصورهم، غير أن السبب ليس هو انسحابهم من الواقع، بل لأنهم كانوا بحاجة إلى أن يتغيروا كي يتمكنوا من تغيير العالم بالفعل، فالليبرالية الكونية ذات البعد الإنساني الشامل لا تقصي الثقافات الخاصة، وإنما تعمل على ترتيب أولوياتها التي تبدأ عندها بتيمات من قبيل (العنف ضد النساء، وضد الزنوج، وضد المشردين، وضد المثليين ... إلخ )، فثمة امرأة تتعرض للاغتصاب كل ست ثوان في بعض الدول الكبرى، ووجود آلاف من الأطفال في العالم يعانون في صمت تحت جحيم الجوع . حول الهوية والدستور المغربي والحريات الأساسية في الغرب : خصوصا وأن عناصر الهوية تنسحب على كل من العرق واللغة والدين، وهي عماد المكونات التي لا يمكن أن نجدها في الخطاب الذي يؤسس لمفهوم الأمة القائم بالأساس على مرتكزات : الأرض، والثقافة واللغة، لذلك أجدني أبسط بعضا من محتويات هذا الموضوع في ندوة فكرية نظمت من قبل ثلاث جمعيات مدنية في منطقة بني جميل المندرجة كما هو معروف ضمن التقطيع الترابي لإقليم الحسيمة، وذلك يوم 13 يناير 2019 بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة، وقد دعيت للمشاركة فيها وتأطيرها، وكانت فرصة مناسبة اهتبلتها لمناقشة بعض الوقائع التاريخية التي تحمل بعدا هوياتيا واضحا، يتعلق الأمر بشخصية شيشنغ القائد العسكري الأمازيغي الذي حقق بناء على بعض الروايات التاريخية انتصارا كبيرا على رمسيس الثالث أحد كبار فراعنة مصر، توج على إثرها حاكما على مصر، وهو الحدث الذي تدحضه في المقابل روايات تاريخية أخرى، مؤكدة أن فرعون مصر مات بنحو 2000 سنة قبل هذا الحدث الذي جرت وقائعه سنة 950 قبل الميلاد، وهو الأمر الذي ربما جعل الفراعنة لا يتطرقون لذكر هذا الحدث في رسومهم ونقوشهم وبقية مخلفاتهم المادية والثقافية، وهم الذين دأبوا على ذكر تفاصيل جميع ما يهم تاريخهم مؤلما كان أم مفرحا، إذ ليس من الضرورة أن يصل القائد العسكري الأمازيغي إلى تسلم زمام الأمور بطريقة عنيفة أهرقت فيها الدماء، ولماذ لا يكون ذلك بواسطة منهجة ديمقراطية تطبعها السلمية والحق في التداول على تدبير الشأن العام،ونحن نعلم مدى أواصر القرب والجوار الأخوي، بل حتى التلاحم والتعايش الذي خيم على مكونات وشعوب شمال إفريقيا خلال التاريخ القديم في العديد من حلقاته المشرقة . إن أهمية الأسطوغرافيا التاريخية بتعدد تآليفها ومصادرها المعتمدة ومنهجها القويم ترفض أن يكون التاريخ كعلم مجالا للمزايدات الفارغة، مثل القول أن انهيار دولة المرابطين حصل على إثر لعنة الإمام أبو حامد الغزالي لقادة هذه الدولة ودعائه عليهم بالزوال، كما أن الخطاب الهوياتي تأسس حديثا منذ ما ينوف عن عقدين من الزمن فقط وهو خطاب يعتوره نوع من الالتباس يجعل من الصعب أن تضفي عليه ملامح الخطاب العلمي المتماسك على حد تعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبير، ونظرا لمخاطره في الظرف الراهن خاصة أمام احتداد المعضلات الاجتماعية واهتزاز المرجعيات الثقافية والسياسية على الصعيد الدولي، فقد برز في المجتمعات الأوروبية المتقدمة خطاب ثقافي يروغ نحو الكشف الصريح عن تداعيات التمزيق والخراب التي يمكن أن يحيقها الخطاب الهوياتي بالمجتمعات، ويحذر من مغبة الوقوع في إسار هذا التفكير الذي يروم إحداث شروخ مستديمة في بنية ووحدة المجتمعات المعاصرة، وذلك نظير المقالات التي نشرها الفيلسوف الفرنسي كي سورمان تحت عنوان " هل أنتم منتهون من البشاعة الهوياتية ؟ " لدى استشعاره بخطورة الأوضاع الطائفية التي تتهدد لحمة المجتمع الفرنسي تحت إصر الأصولية الدينية والنزعات العرقية بعد حادث الانفجار الإرهابي الذي حدث بمبنى مجلة شارلي إبدو الأسبوعية سنة 2015، وكأني به وهو يحتذي بمسار المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في كتابه : " خيانة المثقفين " الذي توجه فيه إلى المثقفين بنداء يحثهم من خلاله على القيام بأدوارهم المنوطة بهم في الأوقات الحرجة والحاسمة، وتحمل مسؤوليتهم التاريخية بخصوص المساهمة في التنشئة الاجتماعية السليمة، والقيام بأدوار التوعية ودق ناقوس الخطر عندما تصير المصالح المجتمعية والحيوية للبلاد مهددة، بعيدا عن كل الحساسيات المصلحية والأنانيات السياسية والذاتية الضيقة . وندرج كشواهد تاريخية في هذا السياق، أمثلة من حالات نموذجية محددة استطال خطر شرها العصيب، ابتداء من تسعينيات القرن الماضي حيث تواصل الوضع دراكا من مجرد فكرة وأقوال إلى أفعال تلظت بنيرانها يوغسلافيا والصرب والكرواتيين، والبوسنة والهرسك إضافة إلى السلوفنيين والجماعات المسيحية والإسلامية، ليفضي مسلسل الحوادث الدرامية المتلاحقة إلى تنظيم محاكمات على مستوى القانون الدولي الجنائي، قدم فيها العديد من المسؤولين عن الجرائم البشعة التي جرت بهذه المناطق أمام مؤسسات قضائية دولية مختصة أحدثت لهذا الغرض . وقد ارتأت بعض الدول الأوروبية العريقة مثل بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، أن تتبنى في منظومتها الحقوقية المرتكزة على مبدأ الحريات الأساسية ما يسمى بالتنوع أو التعدد الثقافي واللغوي، وذلك مراعاة للمجموعات المختلفة التي تعيش داخلها ومن ناحية أخرى انسجاما مع قيمتي الحق في الاختلاف والتسامح، وهو الأمر الذي تسير على منهاجه في المغرب العديد من الإطارات المدنية والجمعيات الحقوقية الأصيلة والمؤسسات الوطنية، وفي مقدمتها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي نظم يومي 12 و13 يناير 2013 ندوة دولية بمدينة الراشدية، في موضوع التعدد الثافي واللغوي بالمغرب، وكان من بين المحاور الرئيسة المثارة في برامج الندوة التفكير في إرساء اللبنات القانونية والعملية للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي تم الإلماع إليه في أحد فصول الدستور المغربي . لذلك إذا كان الأهم لدى البشرية قاطبة هو السعي نحو تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية، المتأسسة بالدرجة الأولى على إرساء هيكل المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذا الوضع لا يعفينا من أخذ الحذر الكامل إزاء المسألة الثقافية والسياسية المتعلقة بمبدأ الاعتراف المقرون لدى شرائح واسعة من المجتمع المغربي بالكرامة، وهو الأمر الذي حسم فيه دستور المملكة المغربية الجديد لسنة 2011 ، فقد أكد بشكل لا يدع مجالا لأي ريبة على أهمية التعدد، ومدرجا إياه ضمن مقومات هويتنا الوطنية المتكونة من " العربية، الإسلامية، الأمازيغية، الصحراوية، الحسانية، العبرية، المتوسطية .. " وهي الأبعاد التي لا نجد لها أي حضور في الدستورين الفرنسي والأمريكي، وهذه الملحوظة الدقيقة لا يمكن أن تتجاهلها أو تخطئها عين المهتم الحصيف أو المتتبع اللبيب، وقد أشفع الدستور المغربي من خلال محتوياته وتصديره اعترافه هذا بالإحالة على قيم العيش المشترك والمساواة والتضامن، وكذلك الحق في الاختلاف والتسامح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مبدأ التسامح يساوي بين كل الأديان ويحترم بقية المذاهب الفكرية والشخصية، وإن كان التسامح لا يعني القبول بكل الآراء بما فيها تلك الداعية إلى العنصرية والكراهية والعنف، أما الحق في الاختلاف فهو من إنتاجات ظروف وشروط العيش الجديدة في حاضرنا المعاصر، وبالتالي فهو لا يكتسي مفهوما أخلاقيا كالتسامح، وإنما تتحكم في تطبيقاته ضمانات القانون المدني المنظم لسير المجتمع وإكراهاته المعيشية، هذه الفروقات الدقيقة بين المفهومين المومأ إليهما أعلاه، نصدرها عن تنويه جدير بالاحترام، ويتم اعتمادها من طرفنا بناء على تحليلات الكاتب المغربي سعيد بنكراد في مقدمة الكتاب المترجم من لدنه " فولتير- قول في التسامح " . تساؤلات حول مفهوم ومكونات الشخصية المغربية، على ضوء مقارنتها ببعض التجارب الأممية الأخرى : هكذا أجدني منكبا على الاستطراد في التنقيب ومحاولة الوقوف عند بعض المفاهيم، فمن القبيلة إلى الوطن، ومن الوطن إلى الأمة، ومن الهوية الوطنية إلى الشخصية المغربية، وإن كان مربط الفرس في هذا السرد المتواصل هو العمل على التأصيل لمفهوم الشخصية بالرجوع إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، عندما أصدر المفكر والأديب المصري الشهير طه حسين كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " الذي عرض فيه إلى المكونات الإنسانية والحضارية العميقة التي ساهمت في تشكل الشخصية المصرية، وسار على منواله في المغرب بعض المؤرخين الوطنيين والمفكرين اللامعين، وحسب بعض الدارسين والباحثين في تاريخ المغرب فإن الوعي بخصوصية التاريخ المغربي يعتبر بحق من إنجازات العهد المريني وربما كان العامل الأساس في تكريس الشخصية المغربية . من هنا يمكننا المراهنة على دور الإثنوغرافيا كأحد المداخل للولوج نحو الشخصية المغربية، لكون كتاب العهد الاستعماري أمعنوا كثيرا في تمجيد المركزية الأوروبية والإطراء على بطولاتهم الحاصلة خارج بلدانهم، ومع تلاحق وتطور الأحداث التاريخية المفاجئة، تولد لديهم نوع من الاهتمام بالتاريخ الاجتماعي للبلدان التي كانت ترزح تحت وطأة جحافلهم الغازية، وما رافق ذلك من محاولة إبرازهم للجوانب الأنتروبولوجية في حياة هذه الشعوب المستعمرة عندما أوشك عهد الاستعمار على الأفول، فلا مندوحة أمامنا إذا من اعتماد الدراسات المستندة إلى مقومات المجتمع المغربي التي تزكي أطروحة الأصول الاجتماعية والثقافية المشكلة للشخصية المغربية، والمقومات والأصول يدخل في خانتها بالأساس المجال والإنسان، سواء تعلق الأمر بالمأكل والملبس أو باللغة واللباس، فعلى مستوى المأكل والملبس يمكن القول أنه من الصعب التدوال بشكل علمي مستفيض ودقيق في هذا الموضوع، نظرا للاختلافات البينة بين الجهات والمناطق المغربية، وحتى الكتابات الوطنية والأجنبية فإنها تتسم بالندرة والقلة في هذا المجال، وكتابات الأكاديمي الفرنسي أوجست مولييرس التي سلط فيها أضواء دراساته المعروفة على ما أسماه ب " المغرب المجهول : اكتشاف الريف، واكتشاف جبالة "، فإن ما يميزها هو الإسفاف والسطحية خاصة في الجزء الأول منها، ولا يمكن أن تسعف الباحث في اعتمادها كمرجع أساس في دراساته المنجزة . والواقع ذاته ينسحب على اللباس، كل ما هنالك ظهور بعض الدراسات الوطنية والأجنبية التي تذهب نحو القول بوجود مؤشرات تدل على استمرارية مظاهر من اللباس المغربي منذ عهود ما قبل الفتح الإسلامي، خاصة لباس الفئات الشعبية التي تستقر وتعيش في البوادي، في مقابل تلك الألبسة التي تسجل حضورها في دوائر المخزن العليا، فقد تأثر السعديون بشكل كبير بثقافة تركيا، وبحلول زمن العلويين الأوائل حيث نجد أن اللباس المغربي اكتسى لديهم تجليات رمزية متميزة لحرصهم على الالتزام باللباس المتوسطي، وبعد النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي وفي عهد السلطان مولاي سليمان، فقد فرضت قواعد سعت نحو إحياء التقاليد العربية الأصيلة على حد قول المؤرخ المغربي عبد الله العروي، أما بالنسبة لتنظيم المجال، فقد خاض فيه الأنتروبولوجيون الذين أشرنا إليهم في السابق وذلك انطلاقا من مدرستين أساسيتين : أولاهما فرانكوفونية وثانيهما أنجوساكسونية، ولكل منهما مميزاتها العلمية والمنهجية الخاصة . يبقى العامل اللغوي الذي يشكل حسب نظري البعد التاريخي العميق للشخصية المغربية المتماسكة، انطلاقا من مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي في تاريخ المغرب القديم والدول التي تعاقبت على حكم أقطار المغرب من الفينيقيين والرومان والوندال والبيزنطيين ..، إلى عهد الفتوحات الإسلامية وقيام الدولة الإدريسية التي عملت على تمركزها بالخصوص في شمال المغرب ووسطه، وبعدها عصر الدول الكبرى والإيالات الإمبراطورية لكل من المرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين والعلويين، فخلال هذه المراحل التاريخية الطويلة تشكلت الشخصية المغربية ببعديها التاريخي واللغوي، العربي والأمازيغي الأصيلين والعميقين، إضافة إلى بقية الروافد والمكونات الممتزجة والمرافقة لهذه المسيرة التاريخية الحافلة، حتى أن دولة المرابطين أصبحت مكونة من قسمين مختلفين : أولهما مغربي إفريقي عاصمته مراكش، وثانيهما أوروبي عاصمته إشبيلية في الأندلس، كما قرر أبو بكر اللمتوني المرابطي العودة للاستقرار بالصحراء جنوب المغرب، أما يوسف بن تاشفين المرابطي فقد استقر رفقة زوجته زينب بالشمال المغربي، وقد عمق الموحدون من إرث وطبيعة هذه الشخصية المغربية بعد انقراض دولة المرابطين، فحسب المؤرخين : لولا الموحدون لما ذكر المغرب في سجل الأمجاد كقوة مستقلة وفاعلة . ويتجسد الزمن الثاني للأمة المغربية حسب بعض المفكرين انطلاقا من المسيرة الخضراء سنة 1975 ، إنها من ناحية أخرى المعلمة التاريخية الثانية للإحياء والانبعاث، وهو الزمن والمعلمة اللذين عمقت عقدهما طبيعة الإجماع الوطني وتقوية الجبهة الداخلية التي تم نسجها مع أحزاب الحركة الوطنية المغربية، وفي هذا الإطار تأتي فكرة الاحتفال بالأعياد، والتي هي في الحقيقة تجسيد لنوعين من المناسبات، فهناك الأعياد الوطنية، وهناك الأعياد الشعبية، بالنسبة للأعياد الوطنية ذات البعد الجماهيري، فقد نشأت في أحضان أحزاب الحركة الوطنية خلال الثلاثينيات من القرن الماضي بالمنطقتين السلطانية والخليفية وذلك إبان احتدام الصراع المرير لأقطاب هذه الحركة وقواعدها مع الاستعمار والمعمرين الأجانب من المستوطنين الذين كانت لهم مصالح سياسية واقتصادية كبرى بالمغرب . وجاءت هذه الأعياد في خضم هذا التدافع الشديد من أجل حمل المستعمر على الرحيل وإنهاء عهد حجره على الوطن، وفي نفس الوقت من أجل تذكيره برمزية وشرعية الأسرة الملكية المغربية في الحكم، وكتتويج للسيادة المغربية على أراضيه دون غيره من القوى الأجنبية المحتلة، وفي مقابلها توجد الأعياد الدينية التي تكرس العمق الديني للمغاربة، والأعياد الشعبية التي هي كثيرة ومتنوعة لدى المغاربة وهي تختلف بحسب المناطق، وتعبر عن شخصية وثقافة المغرب الأصيلة، وتحتاج في الآن ذاته إلى تطويرها وتكييفها مع مستجدات وأولويات المغرب المعاصرة، وضمنها تأتي احتفالات السنة الأمازيغية ذات المنحى الزراعي، وإن كانت لا تسلم لدى بعض الحركات الاجتماعية والهيآت الحزبية من محاولة استثمارها من أجل إضفاء صبغة مطالب سياسية على جوهرها، تختمه بتسطيرها لمطالب سياسية توجهها للدوائر الحكومية المسؤولة بالمغرب . على سبيل الختم : ومهما يكن الأمر، فإن قوام الشخصية للأمم والشعوب لا يمكن أن يطاله التحريف أوالتغيير، مهما كانت الأنواء وعمق الرجات والتحولات الزمنية الفاعلة، فإيطاليا لم تعدم شخصيتها الرومانية الأثيلة ذات الغور العميق في جذور القدم، على الرغم من التغيرات والتبدلات التي عرفتها دياناتها ولغتها اللاتينية، والأمة المصرية بدورها كان موقعها في شمال إفريقيا واندراجها في عمق الحضارة المتوسطية بروافدها الأوروبية وعقلياتها الإغريقية واليونانية، إضافة إلى تفاعلها المكين مع حضارة الشرق بمواقعه المختلفة ومساهمة البرابرة في جزء من تاريخها القديم منذ عصر الفراعنة، كل ذلك كانت عوامل أدت أن تعرف مصر ويتعاقب على شعوبها العديد من اللغات والأديان، لكن ذلك لم ينل قيد أنملة من شخصيتها وقوامها الوطني المتلاحم وهلم جرا على هذا المنوال من الأمثلة، ونفس الوضع ينطبق على الأمة المغربية فهناك شيء ثابت في جوهر بنياتها وقوام شخصيتها الصامدة لا يمكن أن ينال منه تعاقب الملوان، ولا الأحوال العمرانية والتاريخية منذ فترة ما قبل الفتح الإسلامي حتى زمن فتوحاتها، لنمضي اطرادا وبشكل استرسالي متصاعد، بدءا من مختلف الدول والإمبراطوريات الكبرى التي تعاقبت على استلام أزمة الأمور فيها . ختاما وكخلاصة ارتأيتها لهذا المقال البسيط، الذي جاء كمساهمة مني في هذا الموضوع الذي تفرغت للاهتمام به منذ مطلع هذه الألفية الجديدة، أن أشير إلى الإصدار الأخير والجديد للمفكر المغربي عبد الله العروي حول " نقد المفاهيم "، إذ طرح في أحد فصول كتابه سؤالا على الصيغة التالية : " ما نعني بعلوم الاجتماع ليخلص أنه من غير السهل الإجابة على هذا السؤال، ففي كثير من الأحيان نستعمل كلمات وفي ذهننا مضامين أخرى، من قبيل معنى الأمة، أو الجنس أو الجيل أو الثقافة، مع أن لكل واحدة من هذه المفردات مجالا اصطلاحيا خاصا "، وبذلك يصح أن يكون أن ما يجمع أمة ما أكبر من مجرد العرق أو اللغة، وأن ما يجمع الأمم والشعوب بشكل فعلي وحقيقي هو منظومة القيم الإيجابية، لذلك فقد كان صاحب كتاب " الهويات القاتلة " على صواب كبير لدى قوله : أعرف شبابا أوروبيين يتصرفون منذ الآن كما لو أن القارة الأوروبية بأكملها موطنهم، وكل سكانها أبناء بلدهم .