تتسارع وتيرة الأحداث السياسية على الساحة المغربية، قبيل أيام من إحياء الذكرى الأولى لفعاليات حراك الريف في 28 من الشهر الجاري، فالحكومة المغربية التي اتبعت سياسة تشجيع الهجرة من الريف باعتبارها متنفسًا لتخفيف الضغط السياسي والاجتماعي في تلك المناطق، في مواجهة حامية الوطيس الآن مع نتائج هذا الحراك الذي انطلق منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2016، لتبدو تحركاته الأخيرة نوعية ومزلزلة سياسيًا كما وصفت ولا تقف عند حد إقالة أربعة وزراء من الحكومة قبل أيام. ويبقى السؤال؛ هل يستطيع الملك المغربي إرضاء المحتجين على قتل بائع السمك «محسن فكري»، المطالبين بإنهاء الفساد المستشري في مناطق الريف من وجهة نظرهم، وإحداث إصلاحات سياسية؟ قرارات «الغضبة الملكية» «الموت ولا المذلة»، و«اليد في اليد يا شباب الكرامة»، و«عاش الشعب»، بينما كان قائد حراك الريف «ناصر الزفزافي» ورفاقه، يصرخون بصوت مدو بتلك الشعارات داخل قاعة المحكمة بالدار البيضاء الثلاثاء الماضي، يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، كان العاهل المغربي الملك «محمد السادس» يتخذ قرارات حاسمة داخل الحكومة المغربية. لم يتأخر الرد الملكي أو ما عرف ب«الغضبة الملكية» على نتائج تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بنتائج تحقيقات حول تعثر مشاريع التنمية المطلقة منذ سنوات في منطقة الحسيمة معقل حراك الريف، وهي مشاريع بقيت حبرًا على ورق، فقد أعفى الملك أربعة وزراء في حكومة «سعد الدين العثماني» لتقصيرهم في تنفيذ مشاريع التنمية بالريف المغربي، التي عرفت باسم «الحسيمة منارة المتوسط»، وخصصت لها الحكومة المغربية ميزانية بلغت 6.5 مليارات درهم (نحو 667 مليون دولار)، وكانت تقضي بتنفيذ مؤسسات اجتماعية وترفيهية عديدة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بمدينة تطوان (شمال المغرب). وبالعودة إلى خطاب الملك خلال افتتاحه للدورة الأولى من السنة التشريعية العاشرة بمقر البرلمان وسط العاصمة الرباط، يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وصف هذا الخطاب بأنه شديدة اللهجة، ففيه توعد الملك مسؤولي الدولة وهدد بالمحاسبة عن كل تقصير، كما تعهد بمعالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء، ولم يكن هذا الفعل الأول للملك بل نجم عن اجتماع وزاري في 26 يونيو (حزيران) الماضي، قرار بفتح تحقيق في تأخر البرنامج التنموي الخاص بالحسيمة، وكذلك منع عدة وزراء معنيين بالبرنامج من العطلة السنوية، وفي يوليو (تموز) الماضي، انتقد الملك المغربي، ما سماه «اعتماد مقاربة أمنية في إدارة البلاد والتعامل مع الاحتجاحات في المغرب، ومن بينها حراك الريف». وأعلن الملك في بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، عن استقبال رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ورئيس الحكومة، ووزيري الداخلية والمالية، للتحقيق في أسباب تأخر إنجاز مشاريع الحسيمة، ليؤكد بعدها الناطق باسم الحكومة «مصطفى الخلفي» أن: «الحكومة جادة في تطبيق مشاريع التنمية سواء تلك المتعلقة بمشروع (الحسيمة منارة المتوسط)، أو المشاريع التنموية التي تهدف لتجاوز الفوارق بين مناطق البلاد أو تطوير الطرق». الزفزافي يصرخ «عذبونا واغتصبونا» «تحسنت حالة أخي نسبيًا بعد إيقاف الإضراب عن شرب الماء والسكر؛ قبل ذلك كانت حالته خطيرة جدًا، أغمي عليه عند زيارتنا له ونقص وزنه عشرة كيلوجرامات في ظرف 22 يومًا، وإدارة السجن لا تحرك ساكنًا»، كانت هذه واحدة من مجموع شهادات سجلت في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على لسان أخت المعتقل بدر الدين بولحجل «حياة». لقد أنهكت ما يقارب من 23 يومًا من الإضراب عن الطعام أجساد المعتقلين على خلفية حرك الريف، وتدهورت حالتهم الصحية، فيقول محامي هيئة الدفاع عن المعتقلين، محمد أغناج : «إن نحو 35 شخصًا من المعتقلين على خلفية الحراك حالتهم جد متدهورة»، وفيما يتعلق بناصر الزفزافي قائد حراك الريف، أكد محاميه «إسحاق شريعة» أن: «موكله لا يتحدث مع أحد منذ خمسة أشهر تقريبًا، ولا يرى أحدًا، ويكون وحيدًا حتى في فسحته اليومية، ولا يحق له الحديث حتى مع حراسه، وهذا ما أثر كثيرًا على نفسيته»، وفي أول ظهور لزفزافي أمام المحكمة، أكد أنه تعرض ومعتقلو ملف الريف للتعذيب، واستمر «الزفزافي» يتحدث بالرغم من رفض القاضي لحديثه، فقال: «إن تواجدنا في هذه المحكمة هو نتيجة المقاربة الأمنية الفاشلة للدولة في منطقة للريف»، واستمر يخاطب المحكمة: «يجب عليكم التجرؤ على من عذبونا واغتصبونا هناك، فإرادة الشعب من إرادة الله وإرادة الله لا تقهر، إرادة الشعب من إرادة الله وإرادة الله لا تقهر، وأنتم تمنعون كلمة الحق وترفضون المحاكمة العادلة». لماذا يحتاج الملك إصدار العفو عن معتقلي حراك الريف؟ تعددت القراءات حول التطورات الأخيرة في المغرب، تارة هي حملة تطهير تستهدف الفساد بتغير يمس النخب والمؤسسات الحكومية، وتارة هي إلقاء بالمسؤولية على أشخاص لعجز الدولة عن التحكم في الدور السياسي للشباب، وأخيرًا أنها جاءت للاحتواء النهائي للحراك الريف. ما يؤكده الكثير من المحللين في الشأن المغربي أن هذه التحركات لن تكتمل أركانها دون إطلاق سراح جميع معتقلي حراك الريف، فيقول الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، مصطفى البراهمة، إن: «خطوة الإعفاءات جاءت بفضل حراك الريف وحجم التضامن المعبر عنه في جميع جهات وأقاليم البلاد؛ وهو ما يتطلب الإفراج فورًا عن قادة الحراك القابعين في السجون، بل وتقديم اعتذار رسمي لهم». ويضيف البراهمة: «محاسبة الدولة للوزراء وكبار المسؤولين تأكيد على مشروعية المظاهرات والمسيرات التي قادها أبناء الريف؛ لكن الإعفاءات ليست حلاً، والمنطق يتطلب حلولًا وتغييرات جذرية على مستوى التدبير السياسي، وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بإقرار ديمقراطية حقيقية تجعل المواطن في صلب المشاركة في اتخاذ القرارات». ومنذ إصدار الملك المغربي عفوًا لعدد من معتقلي الحراك في 30 يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة ذكرى عيد العرش تتعالى الأصوات التي تطالب بالعفو عن جميع المعتقلين، فمطلب المقاربة الاقتصادية الاجتماعية الذي أطلقه الملك يقتضي من وجهة نظر بعض المحللين إطلاق سراح المعتقلين، خاصة مع إعلان «اللجنة الوطنية لدعم حراك الريف ومطالبه العادلة»، تخليدها لما وصفته ب«الذكرى الأولى لانطلاق الحراك الشعبي بالريف»، وذلك بالدعوة إلى وقفات احتجاجية سلمية في المدن المغربية يوم السبت 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. ولذلك يقرأ الباحث المغربي في العلوم السياسية «بلال التليدي» عدة سيناريوهات يتقدمها سيناريو أهم متمثل في التدخل الملكي الذي تسبب في تأخيره «الخوف من إحراج المؤسسة الملكية ووضعها في دائرة الاحتكاك والاشتباك المباشر مع الحراك، ومنها قضية هيبة الدولة والخوف من أن يكون خضوعها لمطالب الحراك مقدمة لاندلاع حراك في عدد من المناطق التي تعاني نفس وضعية الإقصاء والتهميش التي تعاني منها الحسيمة ولا تحظى بأي مشاريع ملكية مُهَيْكَلَة كما تحظى بها الحسيمة» حسب الباحث، الذي يضيف في مقاله على «الجزيرة نت»: أن هذا السيناريو تبدو مؤشراته قوية، ف«التدخل الملكي يمكن أن تكون صورته في شكل تتويج لنجاح مسار إحدى المقاربات السالفة أو مجموعها، وذلك بإطلاق عفو شامل عن معتقلي الحراك بشرط توفير جو التهدئة وإيقاف المظاهرات». هل تخرج القرارات الملكية بالمغرب بحل لمشكلة الريف؟ «حراك الريف شمال البلاد ما هو إلا أول رد شعبي على عطب الديمقراطية»، هذا ما توصل إليه تقرير حديث أعدّه المركز المغربي للدارسات والأبحاث والمعاصرة، ليؤكد التقرير المعنون ب«تقرير رصدي حول حراك الريف، الوقائع والمآلات» على مسؤولية السياسات المتبعة بالمنطقة في تفجّر الأوضاع، بسبب تبخيس العمل السياسي، والتحكم في الأحزاب، والريع الاقتصادي. لذلك يرى ابن عم ملك المغرب، الأمير هشام أن: «الريف في المغرب كشكل جديد من الاحتجاج، يجعله من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة المغربية، بل يرقى به إلى لعب دور حاسم في الصيغ التي ستتخذها الاحتجاجات المستقبلية في هذا البلد المغاربي»، ويضيف في محاضرة عنونتها جامعة هارفارد الأمريكية ب«ماذا يعني أن تكون عربيًا في زمن ثورات الربيع العربي»: «التهميش التاريخي الذي يعاني منه الريف والعنف الممارس من طرف السلطة المركزية ضد المنطقة خلق غبنًا تاريخيًا، فالجيل الحالي من الشباب هو نتاج التنمية الفاشلة ونتاج التعهدات التي قطعتها الدولة على نفسها في الربيع العربي وبقيت محدودة»، مشيرًا حسب «القدس العربي» إلى أن: «الدولة المغربية استثمرت ميزانيات مهمة وحاولت إثبات حسن النية في الريف لتجاوز التهميش لكن لم تعط ثمارًا لسكان المنطقة، لأنها لم تكن استثمارات خاضعة لمخطط تنموي واضح تشرف عليه مؤسسات ذات كفاءة». هل تنجح قرارات الملك "الغاضبة" في حل أزمة حراك الريف؟ وفيما يتعلق بجدوى هذه القرارات، يؤكد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان «عبد الإله الخضري»، أنه بالرغم من أن: «بلاغ الديوان الملكي يشكّل هزة سياسية عنيفة ومنعطفًا تاريخيًا، إلّا أننا نتساءل لماذا لم يتم اتخاذ قرار بحق من يشرف على قطاع الصيد البحري الذي يعرف اختلالات كبيرة والأمر ذاته بخصوص من يشرف على تدبير جهة الحسيمةطنجةتطوان؟» . ويواصل «الخضري»، في تصريحات ل«DW»عربية، القول أن: «هناك جيوب مقاومة إصلاح في وزارة الداخلية، وهناك مسؤولون سامون يشتغلون بعقيدة التعليمات وليس لديهم تكوين تُجاه خدمة التنمية بالمعنى الديمقراطي، لذلك فإن قرارات الإعفاء قد يكون لها تأثير في خفض الاحتقان، لكن فقط على المدى القصير، لأن المعضلة تتعلق ب(عدم امتلاك الحكومة لمفاتيح تدبير السياسات العمومية)، ولأن حلّ الأزمة رهين بإرادة حقيقة للدولة مع استعداد الفعاليات السياسية والمدنية للعمل المتكامل وللمصالحة، عبر البدء أولا بإلغاء المتابعات في حق المحتجين».