يعرف القانون الفرنسي مفهوم الضريبة على أساس انه ما تأخذه أو ما تقتطعه السلطة إجباريا مقابل تقديم خدمة ما. وتتجسد هذه الضريبة على شكل دفع نقدي مباشر أو غير مباشر. وقد تصبح الضريبة عبارة عن دفع مستحقات في إطار عمليات تجارية أو مالية ولكن ليست مقابل خدمة معلومة ولكن مقابل خدمة ضمنية كالدفاع عن سلامة البلد مثلا. في بلد مثل المغرب، وهو متشبع بالترسانة القانونية من الصنف الفرنسي حتى لكأننا لن نجد غضاضة في القول أن الذي حدث هو القوانين المغربية إنما هي ترجمة حرفية لقوانين فرنسية. وكما يعلم الكثير فأن لكل قانون نص وروح، وفي حالة المغرب سيكون من البراءة أن نتساءل هل استورد المغرب القوانين الفرنسية نصوصا ونسي روحها ام ان فقهاء القانون المغاربة لم يجدوا داع لهذه الأرواح اليت لن تعمر بالضرورة مع " الخصوصية المغربية"..! والذي يطلع على كم الضرائب المفروضة بالمغرب ونوعيتها والمجالات التي لا تخلو منها، فانه سيعتقد للوهلة الأولى أن البلد يعيش في بحبوحة. صحيح أن كل هذه النوعيات من الضرائب توجد في كثير من دول العالم وأكثرها ببلاد غنية لكن كيف والحالة هذه في بلد مثل المغرب حيث المغربي العادي يستطيع توفير لقمة العيش بالكاد وبشق الأنفس! فمجموع الضرائب التي يتعرض لها المواطن المغربي العادي تكاد تفلت من الحساب، حتى كأن الضريبة الوحيدة الباقية هي " ضريبة الرأس "Poll Tax التي اشتهرت بها مارغريت تاتشر وانتهت بسقوطها. لكن وتذكيرا بالحقيقة والتاريخ من باب إعطاء لكل ذي حق حقه، فهذه الضريبة ليست إلا تقليدا فيما يبدو لضريبة مغربية "أصيلة" عرفت عند القبائل بضريبة "ثامزوغت". ولا أعتقد أن الكثيرين سيتفاجؤون يوما ما لو استيقضوا ذات صباح ووجدوا أن ضريبة "تامزوغت" عادت للمغرب من جديد حتى ولو لبست حلة جديدة او خرجت بإسم غير اسمها الحقيقي. لابد وأن هذه الضريبة المفترضة ستنضم إلى سلة من الضرائب التي يعجز المرء عن الإلمام بها. فالضريبة المهنية والضرائب الحضرية والضريبة العامة على الدخل والضرائب على الشركات والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على العربات وضريبة التضامن الوطني (ضريبة الصحراء) كلها ضرائب تدفع من جيوب المواطنين بشكل مباشر عبر الاقتطاع من أجورهم كموظفين او تدفع في حسابات الدولة كمهنيين او يدفعها عموم الناس عبر شراء حاجياتهم اليومية. بل ربما القلة من هؤلاء الذين يتلقون كشف أجورهم ويمعنون النظر لحظة للوقوف على حجم الإقتطاعات التي يرمز لها غالبا برموز من الحروف الأولى لنوعية الضريبة المفروضة. بل انه لسنوات ظل الموظفون المغاربة ( وأعتقد أنهم ما زالوا) يدفعون ضريبة تسمى "ضريبة التضامن مع الشعب الفلسطيني" دون أن يعلموا حتى أن بوجودها. كل هذه الضرائب تبقى مشروعة نظريا لو أجيب على السؤال الأهم: مقابل ماذا تدفع مل هذه الأنواع من الضرائب؟ في الدول التي تحترم شعوبها فمثل هذه الضرائب موجودة وربما أكثر منها، لكن في هذه الدول هناك مقابل واضح لها. فالسكن والتغطية الصحية والتعليم والنقل والأمن هي خدمات متوفرة وكل مواطن يحق له الاستفادة من هذه الخدمات. كما أن البنيات الأساسية من طرق سليمة ومطارات وقطارات متوفرة بمقاييس عالمية. بالإضافة إلى الخدمات المجانية كالملاعب والمنتزهات تتوفر بمقاييس مقبولة بشكل كبير حتى في المناطق التي يمكن اعتبارها قليلة الحظوة اقتصاديا. والأهم أن مفهوم الأمن الاجتماعي قاعدة عامة تستهدف توفير الظروف المعيشية الملائمة لذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل أو غير القادرين عليه عبر أنظمة "الإعانة الاجتماعية". الخلاصة أن المواطنين في هذه البلدان يتوفرون على الحد الأدنى من الخدمات التي تتوفر لغالبية السكان في مجموع البلد المعني وهذه الخدمات ليست سوى مقابل للضرائب التي يدفعونها. فلماذا يدفع المغاربة ضرائبهم؟ حينما يكون المغربي بحاجة للشرطة لحمايته ويتصل بهم فان الغالب الأعم سيسمع السؤال التالي: "واش كاين شي دم؟". حينما يمرض المغربي ويذهب للمستشفى قصد تلقي العلاج فإن عليه أن يدفع إما رشاوي أو مقابل مادي ( هذا إذا لم يكن له واسطة ما!) لعلاج في الغالب الأعم من النوع الرديء. وإذا حدث أن تحامل على كرامته فما عليه سوى اللجوء للعيادات الخاصة حتى يحلب الطريقة المناسبة..! حينما يضحك الزمن للمغربي العادي مرة ما في حياته ويقدره الله على شراء سيارة كيف ما كتب لها أن تكون فان عليه يواجه كوابيس الضريبة من كل الأصناف وأقساط التأمين وغلاء الوقود- بسب الضريبة دائما- وفي الأخير سيجد طرقا تصلح لمرور الجرارات والماشية وليس السيارات.. فأغلب الطرق بالمغرب غير النافع هي نظريا طرق، لكن مجموع ما فيها من الحفر أكبر بكثير من الطريق نفسها.. وإذا قدر ووقعت له حادثة سير وكان الحق بجانبه طبعا، فإن عليه أن يرى إبليس في الجنة قبل أن يرى التعويض الذي يستحقه.. حينما يود نفس المغربي المسكين بناء منزل أو يشتريه بالتقسيط عله يقيه شر الكراء أو السكن في شكل قبيلة مع إخوته أو أخواته، فأنه سيجد نفسه في مواجهة غريبة مع الضرائب ومفهوم "جيب من تما"! فيدفع ضريبة على شراء الأرض وتسجيلها وتنبرها وحينما يبدأ في البناء يدفع لتصميمها وضريبة لرخصتها. وإذا كتب وبنى منزله بعد كد وعناء سيطالب بدفع ضريبة سنوية للبلدية من أنواع وأحجام مختلفة، وبدفع ضريبة العقار للدولة.! وإذا ما قدر أن تحركت الأرض مثلا بزلزال لا قدر الله أو فيضان ما وجرف ما بناه وكتبت له النجاة والتجأ يطلب مساعدة فإن الجواب موجود "الله غالب.. القدر أخويا.. القدر ما عندنا ما نديرو معاه!" وسكان "تماسينت" والنواحي في الريف لديهم الدليل وما زالوا يشهدون على الأمر.. يدفع المغاربة ضريبة الاشتراك في خدمة الماء والكهرباء والهاتف..وفي كثير من المناطق فالخدمات من السوء بمكان بحيث لو كتب أن انقطعت الكهرباء بسبب بضع قطرات من المطر ثم عاد التيار فجأة و"أحرق" معه التلفاز الوحيد والبراد الوحيد وحتى أي شيء يعمل بالكهرباء.. فلا داعي للشكوى.. فما عليك سوى أن تحسبهم "شهداء" عند الله وتوكل على الله وابدأ مباشرة من الغد في تدبر أمرهم.. وإذا ما قدر للماء وتلوث بقدرة قادر طبعا، وأصبت بمرض معد مثلا- لاقدر الله- فلا تعتقد انك ستنال حقا بتقديم شكوى ضد شركات توزيع الماء، فالقاعدة تقول الشكوى لغير الله مذلة! أشياء كثير من هذه تحدث لكثير من المغاربة.. لكن الذي لم افهمه أبدا هو وهو محير بالطبع .. لماذا على المغاربة أن يدفعوا الضرائب إذن؟ [email protected]