أشعلت حادثة مقتل بائع السمك ، محسن فكري، طحنًا بواسطة شاحنة فرم القمامة، مظاهرات حاشدة في المغرب، شارك فيها الشباب و النساء والكبار والأطفال، رافعين شعارات ساخطة أمام مؤسسات السلطات رفضًا ل«الحكرة» في البلاد. وفي الوقت الذي تتسع فيه دائرة التضامن مع «شهيد الحسيمة»، تحذر بعض الأصوات من مظاهر النزعات المناطقية العرقية التي تخللت بعض مظاهرات مدن الريف. انطلقت المسيرات الاحتجاجية السلمية المنددة بحادثة «طحن مو» في مختلف ربوع المملكة المغربية، من الشمال إلى الجنوب، تضامنًا مع تاجر السمك الذي مات بطريقة مروعة، بعد أن حاول استرداد سمكه المصادَر من قبل السلطات الأمنية. ويحذر البعض من بروز نزاعات مناطقية وعرقية، خصوصا بعد ان عرفت بعض المظاهرات، رفع شعارات قيل انها انفصالية، وعلم جمهورية الريف وصور عبد الكريم الخطابي. وفيما اعتبر البعض هذه «المظاهر الانفصالية» مجرد تصرفات انفرادية من الناشطين لا تؤثر على الأجواء العامة المتسمة بالسلمية، والشوق لمغرب أفضل يخدم الجميع، رأى آخرون فيها علامة على انحراف هذه الاحتجاجات و«فتنة» تهدد استقرار الوطن، والاتجاه الأخير هو الذي سار فيه قيادي في حزب العدالة والتنمية، بقوله في تدوينة له على «فيسبوك» إن «الاستغلال السياسي ورفع شعارات وأعلام انفصالية وشعارات إسقاط النظام في بعض الوقفات.. لا ثم لا.. هي إساءات لقضية محسن». تعود أصول النزعات الانفصالية في الغالب إلى ظروف تاريخية معينة، لم يتم طيها بشكل سليم، غير أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة تؤدي إلى إذكاء هذه النعرات، خاصة عندما تشعر فئة سكانية معينة أنها مستهدفة بالإقصاء والتهميش والحيف. ويلجأ الناس عادة إلى التعصب المناطقي أو العرقي أو الطائفي، عندما تواجه الدولة أزمات اقتصادية سياسية، كالشأن مع الدول التي تعرف في العلوم السياسية بالدولة الهشة، التي تعاني من هشاشة هياكلها البنيوية، ومن ثمة تعجز عن تمثيل مصالح كل الفئات السكانية باختلاف نوعهم أو دينهم أو مرتبهم الاجتماعية. ويعرف تقرير الاتحاد الأوروبي حول التنمية »الدولة الهشة« بأنها التي تفشل في بسط السلطة وفي توفير الخدمات وفي الحفاظ على الشرعية، وهو أمر يحدث على التوالي عندما "تعجز الدولة عن حماية مواطنيها من العنف، وعن توفير الخدمات الأساسية لكل المواطنين، وعن الحصول على اعتراف بشرعيتها من مواطنيها". وحينما ينتشر الفساد ويشيع الاستبداد وتتسع الهوة بين الطبقات الاجتماعية وتتدهور خدمات الدولة الأساسية، تسقط الدولة في مستنقع الهشاشة، ومن ثمّة تفقد بنية العقد الاجتماعي القادرة على تمثيل مصالح السكان بجميع فئاتهم، وتفشل في إدارة الاضطرابات والصراعات الاجتماعية والسياسية بدون استخدام العنف، مما يوفر بيئة خصبة لبروز الحركات المتطرفة. لذا، ليس غريبًا أن العديد من المراقبين ينظرون إلى قضية النعرات المناطقية والطائفية والعرقية في معظم البلدان على أنها تمثل لإشكالية التنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان بالأساس، التي تعانيها الدولة.