مع وصول 16 ماي تحل على الشعب المغربي ذكرى أول أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر، هي ذكرى أسطورة "الظهير البربري" الذي خلقته وصنعته "النخب البورجوازية الفاسية والأندلسية" المحمية من فرنسا ومشكلة لما عرف ب"الحركة الوطنية" في تاريخ المغرب، وذلك من أجل بسط نفوذها ودعائمها راكبة ومستغلة ظهير 16 ماي 1930 "المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية" بتضخيم هذا الأخير وتهويله وتغويله وإعطائه حجما عملاقا مخيفا، واعتباره لعنة شيطانية يستعاذ منها بقراءة اللطائف الدينية في المساجد كما سماه وعلق عليه الأستاذ محمد منيب، ويضيف في نفس الصدد "جيل لافوينت" في كتابه "السياسة البربرية لفرنسا والوطنية المغربية" معلقا عن متزعمي حركة اللطيف، (إن متزعمي الحركة ضد الظهير، رغم الجدل المفتعل حول المسألة، لم يعيروا أي اهتمام لمصير إخوانهم "البرابرة" الذين هم في نظرهم أناس أميون خشنون وغير متمدنين)، بشكل مختصر هذه هي وطنية "الحركة الوطنية" لمن لم يقرأ عنها بعد. في البداية يجب التأكيد على مسألة مهمة جدا، تتعلق بكيفية صدور الظهائر الإستعمارية في شخص "إدارة الحماية" بالمغرب، يجب أن نعلم بكون جميع الظهائر التي كانت تصدر، لا تفعل ولا تعمم وتنشر بشكل رسمي إلا بعد المصادقة عليها من قبل السلطان المخرني، وهذا ما عرفته بالفعل جميع الظهائر التي صدرت من "إدارة الحماية الفرنسية" بالمغرب إبتداءا من يوم إحداثها سنة 1913 حيث كلها صدرت ممضات بخاتم السلطان الشريفي المخزني، وبعد نشرها كان السلطان غالبا ما يوجه إلى المغاربة خطابا رسميا أو رسائل إلى أعيانه وشيوخ وأئمة الزوايا والمساجد يوضح من خلالها دواعي وأهداف صدور أي ظهير ظهير حتى يطمأن رعاياه منها ب"بلاد المخزن" وبالتالي عدم معارضتها وهذا ما أكده مولاي يوسف في ديباجة الظهير الصادر في 11 شتنبر 1914، المتعلق بادارة القبائل، حيث دعا (إلى حرص القبائل الأمازيغية على الاحتفاظ بقوانينها وأعرافها العريقة في القدم، وأن مصلحة الرعايا وطمأنينة المملكة تقتضيان الإحتفاظ بالتنظيم العرفي لهذه القبائل). وهذا ما حدث مع ظهير 16 ماي 1930، حيث بعد صدوره وجه السلطان المخزني رسالة إلى أئمة المساجد يوم العيد النبوي الذي احتفل به في 11 غشت 1930 يتعهد فيه "رعاياه" ببلاد المخزن والقبائل الموالية له (بكون هذا الظهير الصادر لا يشكل أي خطر عليها وعلى دينهم، وأنه سيعين قاضيا في كل قبيلة عرفية تعبر عن رغبتها في ذلك، ويكفي لمن يرفض العرف أن يعلن أمام الملأ "أنا بالله وبالشرع" ليحال على من يبث في قضيته وفق الشريعة الإسلامية)، هذه هي الحقيقة التي لم يذكرها المناوؤون للظهير كأنها لم تكن. أما الحقيقة التاريخية فتقول بعدم صدور أي ظهير باسم "الظهير البربري" بل صدر باسم "ظهير 16 ماي 1930" لكنه ليس بربريا، أولا هو "ظهير إستعماري" لأنه صدر من الإدارة الإستعمارية، وثانيا هو "ظهير سلطاني" أصدر بموافق السلطان المخزني وبصمه بخاتمه الشريف، فإذا كان هذا الظهير -16 ماي- "المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية" حسب مناوئيه جاء (ليفرق ببن العرب والأمازيغ وتنصير الأمازيغ وإخراجهم من الإسلام...) لماذا بصم عليه السلطان المخزني بكونه "حامي الملة والدين"؟ وهل سيقبل هو بمثل هكذا ظهير يشكل خطر على سلطته ورعاياه؟ فإذا كان الأمر كما إدعوا لماذا سمو هذا الظهير بتسمية "البربري" ولا يسمونه ب "الظهير السلطاني" لأنه صدر ممضات بخاتم السلطان، وأكثر من ذلك، لماذ لا يسمونه ب "ظهير إستعماري" لأن صدر من طرف الدولة الإستعمارية؟ ولماذ لا يسمونه ب "الظهير العربي" أو "ظهير العربي البربري" ما دام أن الظهير يستهدف العرب والأمازيغ في نفس الآن ويريد أن يفرق بينها كما كانوا يروجون؟ يتبين من هذا أن تسمية الظهير 16 ماي 1930 ب "الظهير البربري" كان الغرض منه الوحيد هو إستهداف الأمازيغ والأمازيغية لا أكثر، وبالتالي مستقبل هاذين الأخيرين، فإذا كان ظهير 16 ماي 1930 ألغيا بعد الإستقلال الشكلي، فإن "الظهير البربري" وتداعياته ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وما زال هذا الظهير الأسطوري هو السيف المسلط على الأمازيغ والأمازيغية رغم إختلاف آليات "السياسة البربرية القديمة" و"السياسة البربرية الجديدة" في الزمان إلا أنها في مضمونها بقيت هي العقلية التي أطرت وتأطر السلطة والحكم والنخب السياسية والثقافية في كل نظرتهم للأمازيغ والأمازيغية، فعند أي حديث عن الحقوق اللغوية والسياسية والثقافية والهوياتية والتاريخية الأمازيغية تخرج هذه "النخب الأمازيغوفوبية" سليلة "الحركة الوطنية" في التفكير والايديولوجية السياسية تنهال على المدافعين عن حقوق الأمازيغية بسيف "الظهير البربري" متهمين إياهم بنفس أساليب الظهير المشؤوم من "التفرقة" و "زعزعة الوحدة الوطنية" و"الخيانة" و"العمالة" وغيرها من النعوت اللاوطنية الجاهزة. والطامة الكبرى أنه إلى حد الأن ما زال هناك من يفكر في الأمازيغية إنطلاق من أسطورة "الظهير البربري" فلم تزحزح عقولهم المتحجرة الأفكار التصحيحية والعلمية المعتمدة على النص والوثيقة التاريخيين التي نورنا بها مجموعة من الباحثين المتخصصين في الموضوع من محمد منيب، محمد بدهان، عبد المطلب الزيزاوي، رشيد الحاحي وغيرهم من من نتاول في أبحاثه ومقالاته العلمية هذا الموضوع، إلى درجة وصل الأمر ببعض المحسوبين على خالقي وصانعي هذا الظهير الأسطوري الذين كان يخلدونه مع وصول كل 16 ماي من السنة يتوقفون عن ذلك إبتداء من سنة 2001 حيث توقفت جريدة "العلم" الناطقة باسم "حرب الإستقلال" في هذا التاريخ عن تخليد الأكذوبة من خلال إصداراتها، لأن الأكذوبة والأسطورة في نظر "الحزب" ظاهريا قد تم الكشف عن حقيقتها، أما باطنيا والعقليات والتفكير ونظرتهم للأمازيغية بقيت هي هي عند ورثة فكر وسياسة "الحركة الوطنية". هكذا بقيا "الظهير البربري" هو الملهم المرجعي في التفكير الثقافي والسياسي والايديولوجي في كل ما يتعلق بالأمازيغية وايمازيغن عند كثير من "المثقفين" إن لم أقل النخبويين الأمازيغوفوبيين المغاربة، لم يستطيعوا بعد التخلص من تداعياته بسبب تكوينهم الثقافي والسياسي المتشبع بقيم ثقافة إحتقار الذات الوطنية الحقيقية ليحل محلها إعلاء راية القومية والعفلقية والأرسلانية بثنائييها الايديولوجي المتمثل في العروبة والاسلام ولا شيء غيرهما، ومن ذهب إلى عكس ذلك فهو من "الخاسرين وفي ظلال مبين" داعين "للتفرقة" و"العنصرية" و"ضد الوحدة الوطنية" كما تعودنا أن نسمع في خرجاتهم الاعلامية وكتاباتهم. ومع كل هذه الحقائق التي عريت بخصوص الظهير، ما زالت مدارسنا للأسف تدرس "الظهير البربري" كما هو، وبمضمونه الأسطوري، يحفظه ويمتحه فيه أبناءنا كأنه حقيقة تاريخية بالفعل وليس بأكذوبة طال إقبارها من مناهجنا التربوية.