تحت شعار: " حقيقة الوسطية والاعتدال في الإسلام " تنظم مؤسسة / مسجد السنة بلاهاي هذه الأيام ( من 24 إلى 28 ديسمبر 2004 ) عدة ندوات دينية استدعيت لها مجموعة من المشايخ السلفيين. وبعيدا عن الإشكالات والأسئلة التي قد يطرحها الشعار السالف، سنعمل في هذه المقالة المتواضعة على طرح الموضوع من زاوية أخرى؛ وهي زاوية العلاقة بين الخطاب النظري والفعل التطبيقي في مواقف وأنشطة المؤسسة الراعية للندوات السالفة الذكر، وذلك من خلال استعراض بعض مواقف وأنشطة هذه المؤسسة المعروفة بالتشدد والتطرف حتى يتسن لنا معرفة مدى احترامها للوسطية والاعتدال ، وبالتالي معرفة مدى انسجامها بين ما تدعيه بشأن الوسطية والاعتدال وما تمارسه على أرض الواقع. وإذا شئت الدقة أكثر قلنا : ما علاقة الوسطية والاعتدال في برامج وأنشطة هذه المؤسسة (= مسجد السنة) التي لها باع طويل في الغلو والتطرف على مستوى هولندا ؟ وهل تمثل بالفعل الإسلام الوسطي والمعتدل أذا كان هناك بالفعل إسلام وسطي ومعتدل؟ وعندما نطرح هذه الأسئلة فإننا نعرف جيدا مساهمة هذه المؤسسة في نشر التطرف والكراهية بين أوساط الجالية المسلمة عامة والمغربية خاصة، فيكفي على سبيل المثال العودة إلى ماضي هذه المؤسسة وتاريخها السيئ في وسائل الإعلام، وكذلك التقارير الاستخباراتية والدراسات العلمية حول التطرف والكراهية بهولندا، حيث كان آخرها الدراسة التي أنجزتها السيدة Annemeik Schaltmanمن جامعة اوتريخت، ، وكذلك الدراسة التي أنجزها السيد Jan Jaap Ruiter من جامعة تلبورخ، الذي أكد أن مسجد السنة والفطرة بمدينة اوتريخت يمارسن التطرف والكراهية ضد الشيعة مثلا، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تنامي التوتر الطائفي في البلد ( انظر التحقيق الذي نشرته جريدة NRC في عددها الصادر يوم 24 يناير 2014 تحت عنوان: من المؤسف أن تكون شيعي / Jammer dat je een shi'iet bent ). وللأمانة، وبدون أية مزايدة إطلاقا، نقول: نعم الشيخ رشيد نافع - إمام مسجد السنة - يمارس التحريض والترهيب ضد الفرق المخالفة لتوجهاته وقناعاته المذهبية والسياسية، وضد الشيعة بشكل خاص، وعلى كل من يريد التأكد من كلامنا هذا العودة إلى خطب ومحاضرات الشيخ بهذا الخصوص أو بخصوص مواقفه المعادية للملحدين والعلمانيين بالجملة، بل والمعادية للنصارى أيضا، حيث عادة ما يصفهم بالكفار والأوباش والحثالة وغيرها من الأوصاف التي لا تليق اطلاقا بمن يدعى الوسطية والاعتدال، علما أن الله سبحانه وتعالى منعنا ( أي : لا يجوز) من سب وشتم المشركين حتى لا يتخذونه ذريعة للنيل من الإسلام والمسلمين ، كما هو واضح من الآية التالية { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } سورة الأنعام / الآية 108 ، فما موقع مؤسسة السنة من هذا الكلام ؛ أي : من كلام الله المذكور في الآية السابقة؟ ولماذا يحتج المسلمين بهولندا، وخاصة الشيخ رشيد نافع على خيرات فليدرس إذا كان هو يصف النصارى بالأوباش والكفار والحثالة؟ علما أن فليدرس لا يعادي المسلمين والإسلام بالمطلق كما يعتقد البعض، وإنما يعادي الإسلام السياسي بالدرجة الأولى والمغاربة بالدرجة الثانية ( راجع كتاب: Geert Wilders Tovenaarsleerling للكاتب Meindert Fennema ) هذه الأمور كلها هي التي أدت بنا إلى طرح السؤالين السابقين، وهو الأمر الذي يجعلنا أيضا نعتقد أن مؤسسة السنة تعاني من انفصام حاد في مواقفها المعلنة وممارساتها العملية. فمن جهة تحاول أن تظهر بمظهر " الإسلام الوسطي والمعتدل "، ومن جهة أخرى تقدم خطاب متشدد ومتطرف بكل المقاييس. فالشيخ رشيد نافع غالبا ما يقدم آراء ومواقف في غاية التشدد والتطرف دون أن يراعي بذلك جوهر الإسلام وطبيعته الإنسانية والعالمية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى دون أن يراعي كذلك العامل الزمني الفاصل بين العهد الأول للإسلام والزمن الذي نعيشه الآن. وهو الأمر الذي يجعل خطبه ومحاضراته لا تخلو من الشتم والسب، بل والتكفير أيضا ( راجع مثلا موقفه من إدريس لشكر، عدنان إبراهيم، مصطفي راشد وغيرهم ) ، كما أنه عادة ما يصف الآراء المخالفة لتوجهاته وقناعاته المذهبية والسياسية بالضالة والمبتدعة، سواء تعلق الأمر بالفرق الإسلامية المخالفة لتوجهاته وقناعاته ( انظر موقفه من حزب النور والشيعة مثلا )، أو تعلق الأمر بالملحدين والعلمانيين، بل وأهل الكتاب الذين لهم وضع خاص في القرآن. ومن المثير في خطب ومحاضرات الشيخ هداه الله إلى طريق العقل والتواضع هو عدم تفريقه بين الملحدين والعلمانيين، علما انه يعيش في دولة علمانية بامتياز وينتفع من انجازاتها العلمية والمادية والقانونية ، وعلما أيضا أن الملحدين شيء والعلمانيين شيء آخر. كما لا يفرق أيضا بين المشركين وأهل الكتاب( انظر موقفه من الكريسمس مثلا وغيره من الأعياد المسيحية، وكذلك الهدايا، والدعاء لهم وتعزيتهم ..) وهو بذالك يضرب كلام الله عرض الحائط ويلغي صفة الإنسانية عن الإسلام رغم ادعائه المستمر بأن الإسلام دين الرحمة والتسامح، فهل هذا الموقف يندرج ضمن الإسلام الوسطي أم ضمن الإسلام المتطرف؟ وفي هذا الصدد نشير أن الموضوع الذي نحن بصدده يعتبر من المواضع الخلافية بين أئمة وفقهاء الإسلام، فالإمام أحمد البغدادي الذي اشتغل سنوات طويلة كإمام في مسجد المحسنين التي لا تبتعد كثيرا عن مسجد السنة يقول " أما تهنئتهم بعيدهم ك (الكريسمس ) مثلا أو غيره من أعيادهم الدينية، فقد قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة 1/ 162 اختلفت الروايات في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة، ومنعها أخرى، قال: والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة، ولا فرق بينهما ..." ( انظر كتابه " واجبات مسلمي أوريا نحو قضاياهم الكبرى " الطبعة الأولى – من ص 219 إلى 236 ) وعندما نقول أن الشيخ ضرب كلام الله عرض الحائط ويلغي صفة الإنسانية عن الإسلام، فأننا نعلم جيدا – تماما كما يعلم ذلك غيرنا - أن الله سبحانه وتعالى جعل التعارف والتعايش بين القبائل و الشعوب احد ابرز نعمه وآياته لقوله تعالى في سورة الحجرات / الآية 13 { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .. الخ}، كما أن سبحانه وتعالى فرق بين المشركين وأهل الكتاب ( وهم اليهود والنصارى/ المسيحيون). ففي القرآن الحكيم نقرأ مثلا { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم } وفي سورة أخرى يقول سبحانه وتعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة }، كما يقول سبحانه تعالى{ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم } وهناك آيات أخرى كثيرة بهذا الشأن، لكن المهم والغاية من ذكر الآيات السابقة هو أن الكفر مطلق بالنسبة للمشركين ومقصور على بعض أهل الكتاب ؛ أي جزء منهم وليس كلهم. لكن للأسف ، شيخنا الفاضل لا يرى هذا الفارق المهم والجوهري بين المشركين وأهل الكتاب الذين لهم أجرهم عند الله كما هو واضح من الآية التالية { ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من امن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }. وهذه الآية توضح أن الإيمان والاعتراف بالنبي محمد صلوات الله عليه ليس شرط من شروط دخول الجنة بالنسبة للذين لم يؤمنون بالنبي محمد(ص) ، حيث سيحاسبهم الله على أفعالهم وأعمالهم وليس على عدم الإيمان والاعتراف بالنبي محمد كما يعتقد معظم المسلمين للأسف. لهذا يقول المفكر الإسلامي محمد شحرور كل من شهد لا الله إلا الله فهو مسلم، وكل من أضاف إليها أن محمد رسول الله فهو مؤمن ، وبالتالي فشهادة أن محمد رسول الله هي تذكرة الدخول في دين النبي محمد صلوات الله عليه حسب الباحث والمفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور. على أية حال هذه مجرد ملاحظات سريعة من التناقضات التي تتخبط فيها مؤسسة ابن تيمية ( = مسجد السنة) التي تنظم خلال هذه الأيام مؤتمرا حول الوسطية والاعتدال في الإسلام كما اشرنا أعلاه. وعلى ضوء ما تقدم نتساءل مع المتسائلين: هل مؤسسة السنة بالفعل مؤسسة وسطية أم أنها تمارس التقية؟ وقبل الاختتام نقول أن التطرف هو " مجاوزة حد الاعتدال، بالغلو والتشدد والتنطع، في أي شيء أو أي فكرة أو رأي أو اعتقاد، وهو – من ثم – كما يكون في الأمور العادية والشئون الجارية – يكون في التدين، خاصة إذا سقط التدين من محيط العقل ليدور في فلك العاطفة، أو إذا نقصه العلم أو شابه الجهل، أو إذا اختلط بالتحزب أو اقترب من السياسة أو اقترب بها، أو إذا حركته الأوهام، أو إذا ساقته المطامع، أو إذا تخلله ما إلى ذالك من أمور تخرج التدين من نطاقه الطبيعي ومجاله الفطري لتقذف به في لعيب الشطط أو أتون الجموح ودياجير الهوى وظلمات التطرف .." ( للأمانة هذا التعريف مأخوذ من كتاب " معالم الإسلام" للمفكر الإسلامي محمد سعيد العشماوي ، ص 53 - الطبعة الأولى)
وخاتمة هذه المقالة التنبيهية هي أن الوسطية والاعتدال أكذوبة من الأكاذيب الكثيرة التي أوجدها فقهاء الإسلام مثلها مثل أكذوبة الإجماع على سبيل المثال، لكن رغم ذلك نقول للإخوة الساهرين على تسيير وتدبير مؤسسة السنة إذا كنتم جادين في طرحكم الوسطي للإسلام ، فعليكم بعدم الانجرار وراء الصراخ والافتراءات الزائفة التي يقدمها الشيخ رشيد نافع السلفي الوهابي الخارجي. وإذا كنتم صادقين وجادين في مسعاكم الوسطي فما عليكم إلا بالقطع مع التطرف والعودة إلى الإسلام المغربي أن جاز التعبير الذي هو بالفعل إسلام وسطي بامتياز ( انظر كتاب " الإسلام المغربي " للمرحوم الحسين الإدريسي رحمه الله) ، ومن ثم تطهير وتنقية بيتكم الداخلي. فالخطاب الذي يقدمه الشيخ نافع ، ناهيكم عن طريقته في الخطاب، مكانه الطبيعي هو قندهار وليس لاهاي، فهل نحن في قندهار أم في لاهاي ؟ ملحوظة: سنعود للمغالطات والافتراءات التي يشيعها الشيخ رشيد نافع في مقال خاص ومستقل.