أن تملك حقولا لزراعة الكيف ليس معناه أنك ثري. هنا كتامة، عشرات الآلاف من الأسر مصدر عيشها الوحيد هو زراعة القنب الهندي، لكن نصيبها منها هو شظف العيش ومدخول هزيل ومطاردات، فيما يكون نصيب “أشباح” مراكمة ثروات طائلة رغم أن أرجلهم قد لا تكون وطئت أرض كتامة. تجارة القنب الهندي في المغرب، وحسب ما تؤكده التقارير، هي تجارة متطورة، آخر تقارير مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة تشير إلى أن 65 في المائة من الكيف المصدر عبر العالم هو من المغرب، إذ تتوقع أن يصل إنتاجه خلال العام الحالي إلى حوالي 38 ألف طن، كما أن حجم المتاجرة بهذه المادة تتعدى ملياري درهم سنويا، لكن المفارقة الواضحة ما بين هذه الأرقام والوضعية الفقيرة التي يعيشها المزارعون، تدفعنا إلى طرح سؤال “من المستفيد من زراعة الكيف في المغرب؟” من يستفيد؟ يعيشون وسط جبال تكسوها الثلوج في فصل الشتاء، وتتقد حرا في الصيف، وتلصق بهم تهمة زراعة القنب الهندي، حيثما حلوا وارتحلوا، إنهم سكان منطقة كتامة ونواحيها. في دواوير المنطقة ومنازل المزارعين يجثم فقر مدقع باد على البيوت وعلى المزارعين، بل وحتى على الأطفال. السكان هناك يقرون دون تردد أن مصدر رزقهم هو القنب الهندي بدون منازع، لكنهم ينفون باليقين نفسه، أن يكون قد جعلهم يرقدون في نعيم العيش إلا أنهم فقط، “لا يجدون عنه بديلا”. فقراء الكيف ” اليوم24″ زارت كتامة، عاصمة الكيف، في وقت بيع محاصيل زراعة القنب الهندي لتقف على حقيقة الأرباح التي يجنيها المزارعون من زراعة حوّلت الآلاف منهم إلى مُطارَدين تتعقبهم العدالة. على علو يتجاوز 1200 متر، وبعد طريق جبلية بتعرجات وعرة ومخيفة تطل على دواوير كتامة، توجد أرض لا تعرف فلاحة غير زراعة القنب الهندي. من بين هذه الدواوير، دوار “بني أحمد إموكزان” التابع لدائرة تارجيست، وهو دوار صغير، تحيط به جبال شامخة، المنازل هناك متفرقة، دور لا يتجاوز علوها الطابق الأرضي فقط، لا يغطي السجاد أرضها، بل تلتحف العراء، معظم المنازل التي ولجنا إليها متشابهة، ليس بها أثاث كثير، بل يقتصر الأمر على الضروريات مثل بعض الأغطية ومائدة صغيرة، وأواني قديمة، فيما أغلب المساحات المتبقية تزينها أكياس وضع فيها ما تبقى من محصول السنة من القنب الهندي. أما مكان الترفيه الوحيد بهذا الدوار، فهو المقهى الذي يحج إليه شبان ورجال المدينة لتمضية الوقت وممارسة هوايتهم المفضلة “التدخين”. عمر السليماني، شيخ في السبعينات من عمره، وواحد من سكان الدوار يقول: “منذ ثمانينيات القرن الماضي والقبيلة بأكملها تعيش على زراعة الكيف، التي تعود إلى عادات آبائنا وبيعه في الأسواق”، لكنه ينفي استفادته من أي شيء على الإطلاق من هذه الزراعة. مردفا: “هذا هو وقت بيع الكيف، لكن حالما أبيع المنتوج، أحصل على مبلغ أؤدي به الديون التي راكمتها طيلة السنة”، مشيرا إلى أن ثمن القنطار الواحد لا يتجاوز 5000 درهم في أفضل الحالات، مبرزا أن ثمن الكيلوغرام الواحد يتراوح ما بين 40 و60 درهما في أفضل الظروف. حالة باقي سكان الدوار لا تختلف كثيرا عن حالة السليماني، فجلهم أكدوا أن ما يتم تحصيله من بيع الكيف، يسدد به الديون، لينطلق عام زراعي جديد تتراكم خلاله ديون أخرى. فقر مزارعي الكيف بدوار بني أحمد يرجعه سكان المنطقة إلى عوامل متعددة من بينها: قساوة الظروف الطبيعية، وغلاء المواد المستعملة في الزراعة، وفساد المحاصيل الزراعية، لأسباب أو أخرى، ناهيك عن المساحة الصغيرة المزروعة التي تتوفر عليها أغلب الأسر. وفي هذا الإطار يقول عمر السليماني: “نعاني من عدة مشكلات من بينها أن الفئران تقرض المحاصيل، كما أن البرد القارس يفسد المحاصيل في بعض الأحيان”. منطقة كتامة، وعلى الرغم من التهمة الملصقة بها يناديها البعض ب”دوزيام كولومبيا” أو “كولومبيا الثانية”، إلا أن الدخل السنوي لسكانها من القنب الهندي لا يتجاوز 40 ألف درهم، حسب ما أكده محمد بنيحي عن جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، مشيرا إلى أن الفلاح “لا يستفيد الشيء الكثير”، وبالأخص في منطقة صنهاجة، نظرا إلى المساحة الصغيرة المزروعة، بالإضافة إلى ضعف مردودية الإنتاج. أكبر المستفيدين المزارعون، وخلال حديثهم مع “اليوم24″، يشيرون بأصابع الاتهام إلى صنفين من المستفيدين: “البزناسة” ورجال الدرك. محمد واحد من سكان دوار “بني أحمد”، نكتفي بذكر اسمه الشخصي كي نجنبه التعرض للانتقام، التقيناه خلال رحلتنا صوب المنطقة، وهو رجل في السبعينات من العمر تبدو على وجهه علامات وقار يرتدي جلبابا بنيا وتزين وجهه لحية ناصعة البياض، يقول: “إن المستفيد الوحيد من زراعة الكيف في المغرب هم رجال الدرك والبزناسة”. محمد اتهم رجال الدرك في المنطقة بتلقي رشاوى من المزارعين و”البزناسة”، الذين يقتنون بضاعتهم من الدوار قائلا: “في كثير من الحالات يتم الإمساك ب”حرايفيّ” محمّل بالسلعة، وعوض أن يتابع، يتم ابتزازه بواسطة الرشوة”، مردفا: “وبدل أن يعتقل، يتم سؤاله عمن باعه الكيف، فيجلبهم إلى بيتي. وهكذا، إذا كنت قد بعت 20 كيلوغراما من المحصول، أكون مضطرا إلى أن أدفع للدرك مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم، فيذهبون إلى حال سبيلهم”. مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم ورد في شهادة محمد دون أن تُعرف المعايير التي تعتمد بخصوص قيمة الرشوة. لكن يبقى المستفيد الأكبر من زراعة الكيف بالمغرب، حسب سكان كتامة، أباطرة وتجار المخدرات. وفي هذا الإطار، يقول السليماني: “حرايفي واحد يكسب أفضل من 10 أسر من مزارعي الكيف”. وفي حديث مع ” اليوم24″، أشار السليماني إلى أن الفلاح بكتامة يشتغل في حقول الكيف رفقة عائلته بأكملها، بنسائها ورجالها، ليحصل في نهاية العام على محصول لا يتعدى قنطارين في أفضل الحالات، يبيعها ل “الحرايفي” بمبلغ يتراوح ما بين 40 و60 درهما للكيلوغرام الواحد، وهو “عشبة”، أي قبل تصنيعه ليتحول إلى “حشيش”، في حين يبيع “الحرايفي” “الطرف الواحد من الكيف” بحوالي 300 درهم، حيث يزن “الطرف” الواحد كيلوغراما. وفي هذا السياق، يقول بنيحيى: “المستفيد الوحيد من زراعة الكيف بالمغرب هم أباطرة المخدرات الكبار الذين يقومون بتهريب الحشيش من المغرب صوب أوروبا ويبيعونه أمام الإعداديات والثانويات”. بزناس لكل دوار وبارون لكل جماعة! عملية بيع الكيف أو الحشيش المستخرج منه، يصفها سكان كتامة ب”الحلقة”، إذ أن الأمر يتم عبر سلسلة مترابطة مع بعضها البعض. يلعب خلال هذه العملية السمسار أو “البزناس” دورا مهما، فهو صلة الوصل بين المزارعين والبارونات، لذلك تجد أن لكل دوار من دواوير مناطق زراعة الكيف “بزناسه”، مهمته البحث و”التنقيب”عن الحشيش في منازل المزارعين، ومن ثمة، تجميعه حتى يجمع الكمية المطلوبة من طرف البارون. معظم البارونات يتحدرون من مناطق الشمال والشرق، إذ في هذه الفترة بالذات من السنة يبدأ نشاطهم، فلا حديث بين أبناء صنهاجة المزارعين إلا عن هؤلاء، ينتظرونهم كمن ينتظر عزيزا قادما من الخارج بعد سنوات من الغياب “إن لم نبع محصول السنة لهؤلاء، لن نجد ما نسدد به ديوننا، وسنضطر إلى الاستدانة أكثر، وهكذا سيضيق عيشنا”، يقول أحد المزارعين قبل أن يضيف: “في الحقيقة الاعتقالات التي طالت بعض البارونات أثرت على تجارتنا. كما ترى، نحن بين نارين، نار متطلبات العيش، ونار الاستغلال، فغياب المنافسة بين البارونات الذين يقتنون المحصول يعني أننا سنبيع بالثمن الذي يُقدم إلينا”. سكان دواوير كتامة لا ينفكون يحكون قصصا عن أباطرة المخدرات الذين سرعان ما اغتنوا من بيع محصولهم الزراعي. “هل تدري أن موظفا بسيطا كان يشتغل بإحدى الجماعات بصنهاجة، بدأ عمله في مجال الكيف بزناسا قبل أن يتحول إلى بارون كبير”، يقول أحد المزارعين بجماعة بني بونصار، متحدثا عن بارون عُرف في الجماعة بثرائه الفاحش، إنه “اقتنى من شقائنا العديد من العقارات في مكناس وطنجة، لكنه سقط في النهاية في قبضة الأمن، وهو الآن محكوم بالسجن النافذ أكثر من 10 سنوات لارتباط تجارته بشبكة دولية لم تكن تكتفي بتهريب المخدرات”. على بعد 30 كلم من “بني بونصار”، وبالضبط بجماعة “بني أحمد إموكزن”، بارون آخر، هو حديث العامة والخاصة، إذ يتحدث الجميع عن ممتلكاته التي اقتناها بعرق جبين المزارعين “كان بزناسا ومزارعا عاديا، لكن اليوم يكاد يحتكر التجارة في المنطقة”، يقول أحد المزارعين من بني أحمد. في يوليوز الماضي قادت فرقة من الدرك الملكي، مكونة من أكثر من 20 دركيا، عملية لاعتقال البارون، لكن لم توفق في ذلك وتمكن من الفرار من قبضة الدركيين الذين حاصروا منزله فجرا، “لو اعتقل هذا البارون حينها لعاشت العديد من الأسر في بني أحمد ضائقة مالية خانقة”، يقول مزارع، يبدو أنه كان من الذين يتعاملون مع هذا البارون، قبل أن يضيف: “المزارعون في أفضل الأحوال لا يتعدى إنتاجهم من الحشيش المستخرج من القنب الهندي أربعة أو خمسة كيلوغرامات، وبالتالي لا يمكنهم تسويق هذه الكمية بشكل فردي، فالحاجة إلى البارون، الذي يجمع الإنتاج من الجميع، مسألة حيوية في هذه التجارة”. البارونات…. ثراء فاحش تتوالى قضايا البارونات الذين يتم إلقاء القبض عليهم قبل اكتشاف ثرواتهم الفاحشة، من بين هذه القضايا، قضية تاجر من وجدة ألقي القبض عليه قبل ثلاث سنوات من اليوم على خلفية محاولته تهريب 6 أطنان من الحشيش إلى الجارة الشرقية، قبل أن يعترف بامتلاكه لعدة عقارات قدرت قيمتها بأكثر من 50 مليار سنتيم. قائمة الممتلكات هذه ضمت 3 فيلات، الأولى تبلغ مساحتها 436 مترا مربعا، يتخذها مسكنا رفقة عائلته بشارع المنصور الذهبي بمدينة الألفية، والثانية بحي “المقسم”، مساحتها 330 مترا مربعا، فيما تبلغ مساحة الثالثة حوالي 240 مترا مربعا بحي “كاراكاس” بمدينة السعيدية، بالإضافة إلى 7 قطع أرضية داخل المدار الحضري بوجدة، وقطعتان بالجماعة المتاخمة “أهل أنكاد” مسقط رأسه. وتبلغ مساحة القطعة الأولى 400 متر مربع، والثانية 673 مترا مربعا، توجد بالقرب من محطة القطار (قلب المدينة). فيما تقع الثالثة بحي “بودير” وتبلغ مساحتها 265 مترا مربعا. أما الرابعة، فتبلغ مساحتها 250 مترا مربعا، وتقع بحي “الزيتون”، وتقع الخامسة بحي “الزغاميم” وتصل مساحتها إلى هكتار. أما البقعتان اللتان تقعان ب “أهل انكاد”، فتبلغ مساحتهما على التوالي هكتار و78 مترا، و3 هكتارات و310 مترا. ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، فالبارون اعترف بامتلاكه ل 8 ضيعات، واحدة بالقرب من الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر، استغلها في تربية الأبقار، وتبلغ مساحتها 3 هكتارات، والثانية توجد بمنطقة “بوشطاط” لتربية الدواجن، ومساحتها تقدر بهكتارين، والثالثة تقع بالمنطقة نفسها، وتستغل في المجال الفلاحي، فيما الضيعات الخمس المتبقية فتوجد بمنطقة “أهل أنكاد”، ومساحاتها على التوالي هكتار 830 مترا، 3 هكتارات و100 متر، 3 هكتارات و111 مترا، و12 هكتارا و790 مترا و13 هكتارا و300 متر. ثروة البارون لم تقف عند هذا الحد، بل اعترف أيضا بامتلاكه لعدة عمارات منها: عمارة من 6 طوابق بشارع الموحدين، وأخرى بمنطقة “الرحا الطبول” ومساحتها 460 مترا، وثالثة من عدة طوابق بمساحة 469 مترا، و3 منازل بالمنطقة الأولى مكونة من 3 طوابق، فيما تبلغ مساحة المنزلين الآخرين، المكونين من طابقين، على 415 مترا و664، بالإضافة إلى محل يستغله لغسل وتشحيم السيارات، وحمامين، الأول، بحي “بودير”، والثاني بشارع “رأس عصفور”. ممتلكات بارون وجدة هذه هي نموذج للثراء الفاحش الذي يراكمه البارونات بالشمال والشرق جراء ترويج ما ينتجه المزارعون البسطاء. غير بعيد عن مدينة وجدة، وبالضبط بمدينة الناظور، كشفت مصادر مطلعة أنه بعد الحملات المتتالية التي شنتها السلطات الأمنية المغربية على بعض البارونات، لجأ حوالي 20 بارونا إلى مدينة مليلية المحتلة للاحتماء فيها، هربا وخوفا من الاعتقال بالمغرب. المصادر نفسها، كشفت عن اسم بارون معروف هو ابن سياسي شهير بمنطقة الناظور لازال هاربا في المدينةالمحتلة، وراكم باحترافه للتهريب الدولي للمخدرات عقارات تُقدر قيمتها بملايين الدراهم. اسم آخر يتداوله المتابعون لملف التهريب الدولي للحشيش بالمغرب هو (بويضس)، الذي تمكّن هو الآخر من امتلاك عقارات بالمدينةالمحتلة وتقدر قيمتها بملايين الدراهم. دوار القذافي لا تقتصر تجارة وتهريب القنب الهندي على البارونات المغاربة، بل أكد مزارعو كتامة أن من بين زبنائهم أباطرة للمخدرات يتحدرون من بلدان أجنبية، خاصة من الجزائر. عند زيارتنا لدوار “تابارانت”، بجماعة “بني بوشيبت”، ترددت على مسامعنا الجملة التالية: “منذ أن مات القذافي تراجعت تجارتنا” بشكل كبير. يقول عمر، وهو واحد من أبناء المنطقة، شاب في العشرينيات من عمره، يرسم ابتسامة عريضة على وجهه: “هناك، كنت ألتقي بمجموعة ابن القذافي”، وهو يشير بأصابعه إلى مكان قرب لاقط هوائي، تابع لإحدى شركات الاتصالات في قمة الجبل. للوهلة الأولى بدا وكأنه يمزح، لكن تعابير وجهه بدأت أكثر جدية وهو يسترسل في الكلام، قائلا: “ابن الزعيم القذافي كان يتردد على المكان، رفقة البزناس سعيد الجزائري، وعملت معهم في الجبل لشهر كامل”، يقول الشاب الذي يناديه أقرانه بالقذافي، نسبة إلى العمل برفقة مجموعة ابن “الزعيم الراحل”. رغم أن الشاب يؤكد أنه لم يرى قط ابن الزعيم، إلا أن الواقعة معروفة لدى الجميع؛ حتى من يكبرونه سنا يعتقدون بأن ابن الزعيم كانت له علاقة مع بارونات مخدرات ينقلون الحشيش المغربي في اتجاه الشرق إلى أن يصل إلى ليبيا، ودليلهم على ذلك تراجع “صادرات” الحشيش إلى القطر الليبي، بعد انهيار نظام معمر القذافي. لكن رغم ذلك، وأمام غياب دليل مادي ملموس حول واقعة ابن القذافي، يؤكد مصدر مطلع أن الأمر لا يعدو أن يكون إشاعة. “لا أعتقد أن تحركات ابن زعيم عربي ستكون بمنأى عن أعين الأجهزة الأمنية”، يقول المصدر نفسه، الذي لم ينف توافد بارونات مخدرات على صلة بشبكات دولية، خاصة في الجزائر. فسعيد الجزائري الذي تردد اسمه بين الساكنة كواحد من البارونات كان يُشغّل عددا من السماسرة “بتبارانت”، وكان يجمع المحصول قبل توجيهه صوب الشرق. الاعتقالات التي قامت بها مصالح الأمن، خلال هذه السنة وما قبلها، تشير إلى أن بارونات الجزائر أصبح لهم حضور متزايد في المغرب، اتضح ذلك في حادث سقوط أحدهم في يوليوز من السنة الماضية على يد عناصر الشرطة القضائية بوجدة، وأيضا بعد سقوط الملقب ب”الصحراوي”، المواطن المغربي الذي ربط علاقات مع شركاء جزائريين، وكشفت الأبحاث عن حيازته لمليارين ونصف سنتيم في أحد حساباته البنكية. مزارعو الكيف ناهيك عن كونهم لا يجنون الشيء الكثير من زراعة القنب الهندي، فهم يعيشون حياتهم مطاردين أو مختبئين في دواويرهم. لعبة الكر والفر هذه ما بين رجال الدرك ومزارعي الكيف يؤكدها الكنوني الذي قال في تصريح ل “أخبار اليوم”: “يعيش المزارعون حالة حرجة، ليس لهم مدخول كبير من زراعة هذه العشبة، إلا أنهم دائما ما يعيشون حالة من الهلع بسبب المتابعات القضائية، وهم محرومون من السفر أو التحرك بحرية داخل المنطقة”. ب “تبارانت” أحد دواوير كتامة، وأثناء حديثنا مع شبان المنطقة أشار أحدهم إلا أن كل ما يتمناه خلال الوقت الحالي هو إزالة “كتامة” من بطاقته الوطنية، مبرزا أن محل إقامته هذا يشكل “عائقا كبيرا” أمامه. حوالي 40 ألف مزارع ل “الكيف” معرضون للملاحقات، وصدرت في حقهم مذكرات بحث، يوسف واحد من هؤلاء شاءت الظروف أن يعيش حياة “الهارب”، نظرا لتوالي الأحكام الصادرة في حقه بتهمة زراعة القنب الهندي. يوسف، المتحدر من دوار “بوندوز”، هرب من مسقط رأسه ليعيش وسط “عشة”. بين جبال الريف الوعرة، يقول إنه ذاق ذرعا من تردد رجال الدرك على بيته، بين الفينة والأخرى، الذين يقومون بنقله إلى السجن. وعند خروجه، يمضي بعض الوقت حتى تتكرر العملية من جديد، مردفا: “أغلب أوقات حياتي قضيتها في عذاب بين جدران السجن”. يقول يوسف إنه تم القبض عليه أكثر من ست مرات، في كل مرة يحكم عليه بالسجن لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر وسنة ونصف، لذلك فضل العيش وسط “براكة” من القصدير، لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، بها أغطية رثة، وقطعة خشب يتناول فوقها طعامه، إلى جانب أكياس من الكيف. بصوت مختنق، تحس عند سماعه برعشة تسري في جسد المتحدث، يقول يوسف: “ليس لي مكان آخر للسكن، أفضل العيش هنا، على أن انتحر أو أن تجرفني مياه الوادي”. صراعات دموية الهروب من رجال الدرك، وضيق العيش، والشكايات الكيدية..، ليست هي المشاكل الوحيدة التي يعانيها أفراد من ساكنة كتامة، بل إنهم يعيشون صراعات كثيرة فيما بينهم تتعدد أسبابها، ويبقى أبرزها الخلاف حول مياه السقي، والذي تزداد شدته بداية شهر يونيو حتى آواخر غشت، وهو موسم حصاد القنب الهندي. صراعات أهالي كتامة تتحول أحيانا إلى صراعات دامية تخلف ضحايا في الأرواح، ويستخدم خلالها الرصاص والسلاح الأبيض. هذا الكلام أكده محمد مجاو، أحد مزارعي الكيف ببني بونصار، نواحي تارجيست. مجاو بدت على وجهه علامات الارتباك، وكانت يداه ترتعشان ربما من شدة الخوف. تحدث عن وجود “عداوات كبيرة” بين سكان المنطقة، مشيرا إلى أنه وعلى الرغم من نشوب صراعات دموية إلا أن السكان لا يقوون على تقديم شكايات لدى رجال الدرك، قائلا: “لا يوجد قانون في هذه المنطقة”. وأردف مجاو: “إذا تقدمت بشكوى للشرطة، فإن أول سؤال سيوجه إليّ هو ما الذي تزرعه؟ وبالتالي عوض أن تكون مشتكيا ستصبح متهما، لذلك لا يتم اللجوء إلى الشرطة لتقديم الشكاية”. تقنين الكيف المفارقة الكبيرة هي أن مزارعي الكيف، وعلى الرغم من “سوء الأوضاع” التي يعيشونها، أغلبهم يرفضون تقنين هذه الزراعة لأغراض صناعية وطبية، حسب ما نادت به مجموعة من الأحزاب السياسية. محمد بنيحيى، الفاعل الجمعوي من جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، اعتبر أن مقترحات وضع قوانين مؤطرة لزراعة القنب الهندي، والعفو عن مزارعي الكيف، لا تعدو عن كونها مجرد “حملة انتخابية سابقة لأوانها”، مردفا: “إذا ما تم تقنين هذه الزراعة، فالفلاح البسيط لن يضمن دخلا يمكنه من عيش حياة كريمة، بل سيقل المدخول السنوي لهؤلاء”. بنيحيى قال إن الفلاح البسيط لا يملك مساحة مهمة من الأرض، تنتج كميات من القنب الهندي، صالحة للتصنيع. كما أوضح المتحدث أنه “لم يتم إشراك سكان المناطق المعروفة بزراعة القنب الهندي، ولم يتم أخذ آرائهم والتعرف على المشكلات التي يعيشونها قبل وضع مشاريع القوانين”. من جانبه، رفض عثمان الكنوني، فاعل جمعوي بجماعة بني بوشيبت، أن يكون تقنين القنب الهندي حلا لمشكلات سكان المنطقة، مطالبا بضرورة خلق فرص عمل ومشاريع تنموية ببلاد الكيف، مؤكدا على أن المكان يعيش تهميشا حقيقيا من جميع النواحي”. من القنب الهندي إلى الحشيش صادفت زيارة ” اليوم24″ لدواوير كتامة الوقت المخصص لبيع محاصيل الكيف “للحرايفية” أو “البزناسة”، الذي ينطلق منذ يونيو حتى نهاية الشهر الجاري، إذ يمر إنتاج الكيف من مراحل أساسية هي الحرث والزراعة، السقي والتنقية، الحصاد، والتحويل قبل أن يتم بيعه. فمن بين المزارعين من يفضل أن يبيع محصوله على شكل كيف مجفف، و”سبول” جاهز للاستهلاك، فيما يقوم البعض الآخر بتصنيعه ليستخرج منه الحشيش. عملية التحويل هذه يسميها البعض ب”الطبيسيلة”، نظرا إلى أنها تتم فوق “طبسيل”. فبعد تجفيف الكيف، يقوم المزارع بجلب إناء مُقعر، ويُحزّمه جيدا بثوب أسود، ثم يحكم تغطية الإناء جيدا بقطعة ثانية من الثوب نفسه أو “الكتان”، يضع فوقه كمية مهمة من نبات الكيف، ثم يغطيه بقطعة كبيرة من “بلاستيك” عالي الجودة. آنذاك، تبدأ عملية “النفيط”، أي الضرب فوق الإناء بواسطة عودين، الذي يشبه الضرب على الطبول، إذ قد يخيّل لمن يسمع هذا الضرب أن الأمر يتعلق بفرقة موسيقية تتدرب على عزف بعض الألحان. عملية “النفيط” أو “الضرب” هذه، لا يجب أن تتجاوز مدتها خمس دقائق، إذ كلما زادت مدة الضرب، قلّت جودة الحشيش الذي سيتم إنتاجه. بعد عملية الضرب، يتم “فسخ الطبسيل”، أي إزالة البلاستيك والكيف المتبقي فوق الكتان، فيما يكون “الحشيش” الذي تم إنتاجه في قعر الإناء عبارة عن بودرة. تختلف أنواع الحشيش، الذي يمكن إنتاجه من القنب الهندي حسب الجودة، والتي تتأثر بعاملين أساسيين، أولا جودة الكيف نفسه، ثم عدد المرات التي تتم فيها عملية تكرار “النفيط”. وقد يعطي القنطار الواحد تقريبا 800 غرام من الحشيش ذي الجودة العالية. وتتعدد أسماء الحشيش حسب جودته، إذ إن النوع العالي الجودة يسمى “الغبرة”، ويمكن أن يبيعه المزارع بمبلغ 7500 درهم للكيلوغرام، تليه “الترقيعة”، ثم “التكماش”، الذي قد يبلغ ثمنه في بعض الأحيان 2000 درهم للكيلوغرام، فيما قد يصل ثمن الأقل جودة إلى 50 درهما للغرام، وهذا النوع الأخير قد يستعمله البعض لصناعة بعض المواد المنشطة مثل “المعجون”. أمال كنين / عبد المجيد أمياي