منذ انتخابات يونيو الماضي ببلجيكا خاضت الاحزاب البلجيكية مفاوضات شاقة دامت اكثر من اربعة اشهر لتسفر اخيرا عن حكومة فدرالية يمينية 100 في المائة، ب 18 وزيرا و اتلاف حكومي مكون من ثلاثة احزاب فلامانية و الحزب الليبرالي الفرونكفوني المسمى ب "الحركة الاصلاحية". ان اول ضحية لهذا التحالف الحكومي طبعا هم المهاجرون و بعدها كل الكادحين و الفقراء من عمال و صناع و موظفين و الطبقة المتوسطة البلجيكية. فالحكومة الحالية لم تقم بتكريس القوانين المتشددة تجاه المهاجرين فحسب، بل عززتها بتنصيب وزراء اكثر عداوة للمهاجرين على رأسهم وزيري الداخلية و وزير الهجرة و اللجوء "تيو فرانكن" . و هذان الوزيران سبقا لهما ان عبرا صراحة عن عدائهم للهجرة و المهاجرين و خاصة تجاه المهاجرين المغاربة و الجزائريين منهم حيث سبق ان وصفهم وزير الهجرة و اللجوء الحالي في تصريح سابق له قائلا بان "هذا لا يمت بصلة بنا.... بل بارتفاع عدد الاسلاميين في بلجيكا و سلبيات هؤلاء المغاربة الصغار". و في تصريح اخر له ايضا قال: " اشك في القيمة المضافة التي اضافها المغاربة و الكنغوليين و الجزائريين ...(لبلجيكا)". و يضاف الى ذلك لقاء سابق لوزير الداخلية الحالي بأحد المحاربين النازيين، ناهيك على تجميد اجور العمال و الموظفين و رفع سن التقاعد الى 67 سنة لأول مرة في بلجيكا بعدما كان 60 و من ثم 65 و اليوم الى 67 سنة. التحالف الفلاماني الجديد (اين-بي-يا) لأول مرة في الحكومة اين-بي-يا" حزب حديث العهد و لم يشارك في الانتخابات إلا مرتين لكنه حصل على الاغلبية في الانتخابات الاخيرة في بلجيكا و بذلك تحول الى اكبر حزب في بلجيكا بعد الحزب الاشتراكي الفرونكوفوني. ترجع قوته في خطابه القوي و الصارم ليس ضد المهاجرين فحسب بل ايضا ضد الفرونكوفونيين، اذ لا يخبئ نواياه الهادفة عن الدفاع عن مصالح الفلامنيين اولا و اخيرا كما لا ينكر اختلافه مع الملكية بل القول بعدم جدواها. من خلال هذا الخطاب العنيف تمكن من سحب البساط حتى من تحت اقدام الحزب العنصري المتطرف "بلامس بلانغ" و استقطابه لقاعدته الانتخابية. ردود الفعل منذ تشكيل الحكومة تعالت الاصوات داخل المعارضة تدعو الى استقالة وزيري الداخلية و الكاتب الدولة للهجرة و اللجوء نضرا لسوابقهما و تصريحاتهما العنصرية و المعادية للمهاجرين. هكذا عرف اول اجتماع للبرلمان البلجيكي مواجهة بين اليمين الحاكم و المعارضة المشكلة من الحزب الاشتراكي الفلاماني و الخضر (غرون) الفلامانيين و احزاب الاشتراكي الفرونكوفوني و الخضر و حزب العمل البلجيكي الماركسي حيث ركزوا ليس على التراجعات الخطيرة التي تستهدف المكتسبات الاجتماعية فحسب، بل طالبوا باستقالة وزيري الداخلية و الهجرة و اللجوء كما اعتبر الناطق الرسمي لحزب العمل البلجيكي راوول هيدبوو من داخل قبة البرلمان، ان الحكومة الحالية غير شرعية لان برنامجها لم يصوت عليه الشعب بحيث لم يسبق لأي حزب ان تجرا و اقترح للناخبين رفع سن التقاعد الى 67 سنة. هذا الرفض تصاحبه عدة احتجاجات ابرزها المظاهرة الضخمة الذي قادها حزب العمل البلجيكي اليساري يوم الاحد 19 اكتوبر الجاري و التي شارك فيها حوالي 7000 متظاهر. كما دعت النقابتان العماليتان الاكثر تمثيلية ببلجيكا "المركزية العامة الاشتراكية" و "المركزية النقابية المسيحية" الى خوض اضراب انذري عام . و في اطار التسخينات للإضراب العام، هاجم ما يقارب 200 عضو منتمين الى النقابة الاشتراكية "ف. جي. تي.بي) مقر الحزب اليميني (الحركة الاصلاحية) بمدينة نامير الوالونية، و لطخوا جدران المقر بالبيض و الصباغة، كما هاجم نقابيو السكك الحديدة محطة القطار في مدينة لييج و ذلك يوم الثلاثاء 21 اكتوبر 2014. و تنبئ هذه المظاهرات العنيفة بمواجهات عنيفة و قاسية بين المعارضة اليسارية و الحكومة اليمينية. كما تظاهر هذا اليوم الخميس 23 اكتوبر عشرات المناضلين امام مقر الحكومة رافعين لا فتات كتب عليها "لا للفاشية في الحكومة". الشرطة هي ايضا خرجت للشارع رفضا منها لاصطلاحات نظام التقاعد و القاضي الى رفع سن التقاعد الى 76 سنة و بدعوة من نقابة الشرطة، تظاهر اليوم الخميس 23 اكتوبر ما يقارب 500 عنصر امن و سيتواصل اضرابهم غدا الجمعة في مطار بروكسيل الوطني المعروف ب " زابنطام". دعوة قضائية اعتمادا على قانون المسمى "مورو" (نسبة الى السيناتور البلجيكي السابق (مورو) الذي وضع قانونا يدين التحريض على الكراهية و العنصرية على اساس عرقي)، اقدمت المستشارة من اصل مغربي السيدة زبيدة جلاب عن حزب الخضر على رفع دعوة قضائية ضد كاتب الدولة للهجرة و اللجوء "تيو فرانك". و في نفس الاتجاه ذهب المخرج السينمائي من اصل مغربي مراد الزكندي الى رفع بدوره دعوة قضائية ضد نفس الوزير. و امام هذا الضغط المتواصل قدم كاتب الدولة في شؤون الهجرة و اللجوء "تيو فرانك". اعتذارا رسميا في مجلس النواب و سحبه "لأقواله الجارحة التي ادلى بها في الماضي" على حد تعبيره. و رغم هذا الاعتذار فان عدة مداخلات من برلمانيين من اصل مغربي و خاصة مداخلتي البرلماني احمد لعوج عن الحزب الاشتراكي و زكية الخطابي عن حزب الخضر كانتا صارمة و عنيفة دون نسيان المداخلة التاريخية لحزب العمل اليساري البلجيكي "راوول هيدبوو" الذي ربط في مداخلته بين "هذه الحكومة اليمينية الهجينة و الازمة الاقتصادية العميقة التي يتخبط فيها العالم الرأسمالي اليوم..."..