لقد أصبحت المآسي الإنسانية والطبيعية مرادفة لاسم الريف، ولصيقة بهذا العضو من الجسد الأمازيغي البالغ الأهمية تاريخيا وسياسيا جنوب المتوسط، وأصبح اسم هذا الوطن مرتبطا إعلاميا بالمآسي أكثر من غيرها من الأمور، إن لم نقل بالمآسي إطلاقا، ولا شيء غير ذلك. فكلما تصفحت جريدة الكترونية تهتم بأخبار الريف إلا وشاهدت مأساة وراء مأساة، منه ما هو بشري / آدمي وما هو طبيعي، والأول يبقى مهيمن على أغلب، إن لم نقل كل المآسي التي يعيشها الريف مؤخرا. هكذا، تتبعنا من بعيد إحدى أكبر المآسي ذات السبب البشري / الآدمي منذ ما يزيد عن أربع سنوات، والمتعلقة باحتراق خمسة شبان في مقتبل العمر داخل إحدى الوكالات البنكية. الحادث الذي هز الساحة، وعشنا تفاصيله الأليمة من بعيد. اعتقالات تعسفية أحيانا وانتقائية أحيانا أخرى تتبعها محاكمات صورية ومجانية، عنف مادي ورمزي تسبب في وفاة أقارب المعتقلين السياسيين، ومرض السرطان الخبيث يستمر في حصد الكثير من أرواح المغلوبين على أمرهم من أبناء الطبقة الشعبية، وكانت المرحومة "فاطمة أزهريو" من آيث بوعياش آخر ضحاياه.... تلك هي العناوين الرئيسية التي أطرت المرحلة في الآونة الأخيرة، والتي تندرج كلها تحت عنوان واحد وعريض "المأساة المرادفة للريف"، بالإضافة إلى المآسي المرتبطة بهذا المرض الخبيث وغيره في جبال لم تصلها بعد تكنولوجيات السلكي واللاسلكي في الريف المنسي، والتي لم يتمكن من الإعلام من رصدها وتتبعها، وهي حالات متعددة بلا شك بسبب طابع وخصوصية المنطقة التي كانت مسرحا لتجريب كل أنواع الأسلحة الكيميائية القذرة. هذه الحالات الأخيرة، لا نسمع عنها إلا إذا أخبرنا به فلان في السوق الأسبوعي. أما ظاهرة الانتحار قد أخذت منحى تصاعدي بشكل أصبح مخيفا للغاية، إذ نسمع تقريبا كل أسبوع عن حالة موت غير طبيعية. شباب في مقتبل العمر ينتحرون لهذا السبب أو ذاك، ودون الدخول في تفاصيل الأسباب المباشرة ذات الطابع المادي، لا بد أن نبحث عن الأسباب النفسية السيكولوجية التي تدفع الفرد إلى التفكير في الانتحار، والذي يعتبره المنتحرون "حلا استئصاليا لمحنة سيكولوجية دائمة"، وهي –الأسباب النفسية- لا يمكن فصلها عن سياقها العام المتميز بالقمع والإضطهاد والعنف بشتى تلاوينه ضد الريفيين، وعلى مر التاريخ، وهو ما أنتج أرضية خصبة لنمو شعور نفسي سلبي لدى أبناء الريف. ولا بد أن نؤكد في هذا السياق بأن الأسباب الاجتماعية المتداخلة هي التي تشكل الأزمة النفسية المؤدية للانتحار، وهذه ظاهرة تُدرس في علم النفس الاجتماعي. في اليومين الأخيرين اهتزت مدينة الحسيمة ومعها الرأي العام الريفي في الداخل والخارج على إيقاع حدثين لا يخرجان عن نطاق "ثلاثية المأساة" المذكورة أعلاه، الأول اعتقال الناشط الأمازيغي والنقابي "سمير المرابط" اعتقالا أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه انتقامي، تعسفي، ويدخل في إطار مسلسل انتقام الدولة المستمر من الريف. والحدث الثاني كان "تعذيب حسيمي حتى الموت" في مخافر الشرطة، وهو انتقامي اغتيال انتقامي أيضا، ليس من الشهيد "كريم لشقر" فقط، باعتباره ناشطا نقابيا طالما ناضل ضد كل أشكال الاستغلال بميناء الحسيمة، وسليل عائلة مكافحة وذاقت ويلات العذاب في مخافر الشرطة السرية منها والعلنية (بمن فيهم شقيقه الذي توفي في ظروف مشابهة سنة 1995)، بل هو انتقام من الريف بأسره. إلا أن المثير في كل هذا، هو اتجاهنا الدائم إلى الاستنجاد ببعض الجمعيات والمجالس المركزية من أجل الوقوف على "معاناتنا"، ومحنتنا و لتقصي الحقائق الكاملة، رغم كوننا نعرف جيدا طبيعة هذه المنظمات التي لم تنجز قط ولو تقرير سنوي واحد حول وضعية حقوق الإنسان مثلا، وملف الريف لا يهمها لا من قريب ولا من بعيد، إن لم نقل يُزعجها بسبب طبيعة ارتباطاتها المفرطة في المركزية، فما بالكم أن تهتم بمراسلة التنظيمات الأخرى على المستوى الدولي ومتابعة ملفاتنا دوليا، لتقصي الحقائق ومحاكمة الجناة. إن المركز بوسائل إعلامه، بمنظماته المدنية والسياسية، لم يعر تاريخيا أي اهتمام يُذكر، بل نلاحظ مجموعة من تمظهرات إقصائه المتعمد، ومحاولاته الحثيثة لتشويه الحقائق، وما يقوم به موقع هسبريس المخزني خير دليل، فكيف يعقل أن يقوم هذا المنبر بتنوير الرأي العام حول "مأساة تعذيب شاب حسيمي حتى الموت في مخافر الشرطة" علما أن طريقة تحريفه للحقائق واضحة وضوح الشمس وسط النهار؟ وعليه، أؤكد بأنه إن لم نشمر على ذراعنا إعلاميا، سياسيا، حقوقيا، نقابيا.... الخ، كريفيين في الداخل والخارج من أجل قضايانا المصيرية التي يتلاعب بها الآخرون الذي لا علاقة لهم بالريف، فسنظل دائما نتخبط في نفس المآسي أو أكثر بكثير. المركز لا يُعول عليه في شيء، فلنهتم بقضايانا ونقف عليها بأنفسنا ما دُمنا لسنا في حاجة إلى أي إملاءات مركزية سيئة الذكر