دليل الريف: تامسينت تلك القرية الصغيرة الواقعة بإقليمالحسيمة شمال المغرب ، و التي لم يكبر حجمها و لم يزداد عدد سكانها القاطنين بها لعقود طويلة ، كأنها تأبى التطور أو التغيير ، إلا أنها في الواقع تحاصر داخل حدود ضيقة ينتقص منها شيئا فشيئا ، و يفرض عليها كل الأشكال التي تؤدي إلى اندثارها و محوها من الجغرافيا و من التاريخ . فرغم كل التهميش و التضييق الذين يمارسان عليها لعقود طويلة فإنها لا زالت صامدة . أكيد أن لإسمها أو تاريخها أو سكانها ذنب ما حتى تعامل بمثل هذه الطريقة .. أكيد أن التاريخ كتب و سجل أن تامسينت و سكانها لعبوا دورا ما يضايق و يزعج البعض .. و أكيد أن هذا التاريخ حفظ و سجل أن تامسينت و أبناءها لعبوا دورا مهما في انتفاضة 58/59 ، تلك الإنتفاضة الشعبية التي قامت في وجه الطغيان والفساد و التهميش . تلك الإنتفاضة التي ساهمت بكثير في المسيرة التي بدأها ثوار المنطقة منذ بداية القرن العشرين و أبرزهم طبعا محمد بن عبد الكريم الخطابي في توعية المواطنين بمعنى الإستعمار و معنى التهميش و معنى سرقة و نهب الثروات ... كانت انتفاضة شعبية سلمية و مشروعة ، لكن ووجهت بوحشية ، بالنار و الحديد ، بل أكثر من ذلك قوبلت بحصار و تهميش ممنهجين للمنطقة لعقود طويلة ، ليس لذنب غير المطابة بالحق. كما أنه أكيد أيضا أن التاريخ سجل أن تامسينت و أبناءها لعبوا دورا كبيرا في انتفاضة 84 التي أتت نتيجة لإستمرار الحصار و التهميش و النهب .. فكثير من شباب هذه القرية قادوا حركات احتجاجية في مختلف ثانويات و شوارع إقليمالحسيمة و لاسيما بالمدينة القريبة إمزورن. إلا أن الحديد و النار و الإعتقال وقفوا في وجه المواطنين ، في وجه الإنتفاضة . و استمر الحصار و التهميش للمنطقة مع قليل من المساحيق التجميلية لتزيين وجوه أصحاب الحديد و انار وتزيين الآثار التي مر منها حديدهم و نارهم ، إلا أن الشمس سرعان ما أكلت تلك المساحيق و عرت عن الوجوه البشعة . تمر السنين تلو السنين و القرية لم تختفي و لم تنهار عزيمة سكانها .. أبناءها تعلموا الصمود و المقاومة أبا عن أب ، بل يتوارثونها في جيناتهم . تأتي سنة 2004 بكارثة طبيعية بقوة تدميرية كبيرة على تامسينت و ما جاورها و على السكان المحليين ، كأنها مساعدة لأصحاب النار و الحديد في سبيل تدمير هذه القرية و محوها من الجغرافيا و التاريخ ، إلا أن قوة و صمود أبناء القرية كانا أقوى من قوة الكارثة الطبيعية . حاول مجددا المسؤولين أو أصحاب الحديد و النار تهميش و تدمير هذه القرية العنيدة و إتمام ما بدأوه منذ عقود ، هذه المرة باستغلال الكارثة الطبيعية و نتائجها الكارثية ، و ذلك في التضييق على معيشة و سكن أبناء القرية . إلا أن السكان تكتلوا و توحدوا ضد كل محاولات تهميشهم و نهب حقوقهم . هذه المرة استيقظت روح الإنتفاضة في نفوسهم ، و استرجعوا ذكريات الإنتفاضات السابقة . نظموا تظاهرات و تحركات شعبية سلمية مشروعة للمطالبة بالحقوق المشروعة و الكف عن الحصار و التهميش . إلا أن رد فعل أصحاب النار و الحديد كان هو لعب نفس الدور الذي طالما لعبوه لعقود ، استعملوا نارهم و حديدهم في قمع الإنتفاضة و إيقاف أي تحرك شعبي مشروع ، كما نهجوا حصار و ملاحقة أبناء القرية . أرهبوا المسالمين الآمنين ، اعتقلوا الشيوخ و الأطفال ، حاصروا القرية مجددا .. لكن يأبى أبناء تامسينت أن يستسلموا للأمر الواقع ، تأبى عزيمتهم الذوبان و الإندثار ، يستمرون في كل مناسبة و في كل فرصة في التظاهر و الإحتجاج و المطالبة بالحق و لو أن أصحاب و مسؤولي النار و الحديد مستمرون بالمقابل في القمع و التضييق و التهميش .. فرغم كل تلك المساحيق الظاهرية التي تزين بها المنطقة من مشاريع تافهة أقل ما يقال عنها أنها لا تسمن و لا تغني من جوع ، فإن الإنتفاضة مستمرة لإستمرار أسبابها و شروطها . محمد ريفلاند [email protected] /p