سنحاول من خلال هذه المقالة المتواضعة أن نقف في شقها الأول إلى السنة الأمازيغية التي نحن على أبواب استقبالها يوم 13 يناير 2014 وذلك من خلال تبيان ما تحمله هذه المحطة التاريخية من دلالات رمزية وأنتروبولوجية بنسبة للإنسان الأمازيغي، ولماذا تم اختيار هذا يوم بضبط حتى يؤرخ للسنة الأمازيغية؟ وكيف يتم الاحتفال وتخليد هذه المحطة في كل ربع شمال إفريقيا حسب اختلاف كل منطقة على حدة؟ كما سنقف في الشق الثاني من هذه المقالة إلى أسطورة التاريخ الرسمي الذي يحاصر تاريخ المغرب في 12 قرنا مع العلم أن هذه المحطة التي تطرقنا لها في الشق الأول وحقائق تاريخية أخرى سنقوم بسردها فيما بعد ستكون كدلائل تاريخية تدحض فكرة تقزيم تاريخ المغرب في 12 قرنا. 1- السنة الأمازيغية حدث ودلالات إن وقوفنا إلى هذه المحطة يعود بالأساس إلى ما تحمله من قيم ودلالات رمزية في تاريخ وثقافة الإنسان الأمازيغي، وكما يعرف الجميع أن الأفراد والمجموعات البشرية نجد دائما في صيرورتها التاريخية حدثا معينا منه تستقي تأريخها وتقويمها الوجودي نظرا لما تحمل هذه الأحداث من دلالات سلبية أو إيجابية، فمثلا إلى عهد قريب يذكر أن المجتمع الريفي كان يؤرخ لأحداثه اليومية نسبة إلى ما يعرف ب "عام الجوع" نظرا لما شكلت هذه السنة من أحداث مأساوية لا تنسى لدى الريفيين، وهكذا تسمع أن فلان ولد أو توفي قبل أو بعد ثلاث سنوات من "عام الجوع"، وفيما بعد سنجد كذلك يؤرخون لأنفسهم بما يسمى ب "ثرزيث أورومي" التي يقصد بها "معركة أنوال" فتسمع أن فلان تزوج بعد سنتان من "ترزيث أورومي"، وهكذا دواليك في كل المجموعات البشرية الأخرى حسب طبيعة الأحداث التي مرت بها في صيرورتها التاريخية. أما عندما نتحدث عن الشعوب سنجد أنها تؤرخ لنفسها كذلك من خلال أبرز حدث تاريخي عرفته في تاريخها وهكذا من خلال هذا الحدث البارز يستمد كل شعب تقويمه التاريخي، فالتقويم العربي –السنة الهجرية- مثلا يعود إلى حدث مفصلي ذو دلالة دينية ألا وهو هجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة، نفس الشيء بالنسبة لتقويم المسيحي -السنة الميلادية- الذي يؤرخ لحدث ديني كذلك والذي يعود إلى يوم ميلاد المسيح عليه السلام، وهكذا سنجد نفس الشيء لتقويم اليهودي –السنة العبرية- الذي يعود إلى ظهور الأول للتوراث، لكن ماذا عن السنة الأمازيغية التي لا تقل أهمية عن هذه السنوات التي نعرف دلالتها التاريخية والدينية، هذه السنة التي يحتفل بها ويخلدها غالبية سكان شمال إفريقيا دون أن يدركوا حقيقتها ودلالاتها الرمزية؟ إذ في يوم 13 من شهر يناير من كل سنة ميلادية تحتفل العديد من الأسر في ربع شمال إفريقيا بحلول هذه السنة الكل حسب طقوسه وتقاليده التي ورثوها عن أجدادهم وآبائهم حتى وإن كان كثير من الناس يجهلون قيمة هذه المحطة التاريخية الموشومة في ذاكرة الإنسان الأمازيغي. قد تكون تسمية هذه المحطة التاريخية محط اختلاف بين سكان شمال إفريقيا نتيجة زيف وتكالب التاريخ الرسمي عن تاريخ شمال إفريقيا عامة، فهناك من يطلق على هذا الحدث اسم "أمغار" في حين نجد من يعتبره "رأس السنة الفلاحية"، حيث يدعي أصحاب هذا الرأي ومن بينهم الرواية الرسمية للدولة أن هذا اليوم يوافق اختلاف نمطين شمسيين هما الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي، وهي الفترات التي توافق بداية أو انطلاق جملة من الأعمال الفلاحية والزراعية بمنطقة "تامزغا" إذن لو افترضنا أن هذه التسمية صحيحة فلماذا سيقتصر هذا الاحتفال على سكان شمال إفريقيا وفقط؟ وبالخصوص إذا علمنا أن المناخ السائد في شمال إفريقيا هو نفس المناخ الذي يسود في دول جنوب أوروبا، ولماذا يعود تأريخ هذه سنة إلى 950 قبل الميلاد بالضبط؟ حتى وإن سلمنا أن في هذه السنة حدث تحول مناخي ما فأكيد أنه لا كان حدث في العالم وفي القارة الإفريقية كلها ولم يكون سيقتصر على شمال إفريقيا وحدها، إذن هذا الإدعاء لا أساس له من الصحة. إلى جانب هذا نجد آخرون يطلقون علي هذا اليوم ليلة "الناير" أو يناير، وهناك من يطلق عليه "إض – سكاس" أو رأس السنة دون أي إشارة إلى السنة المقصودة ونجد البعض الآخر يسميه "حكوزة"، وهناك من يسمي هذا اليوم ب "ينير" وهي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين وهما "يان" التي تعني الأول ، و"أيور" التي تعني الشهر، بمعنى أن العبارة تعني "الشهر الأول"، ويطلق البعض على هذه المناسبة "تاكورت أوسوكاس" وتعني "باب السنة"، لذلك يعتبر"ينير" الشهر الأول في اللغة الأمازيغية أي أول الشهور في التقويم الأمازيغي، ونجد أمازيغ ليبيا يطلقون على هذه المحطة "ئخف ؤسوكاس" التي تعني بالعربية رأس السنة ونجد كذلط أن الليلة التي تسبق 13 يناير -12 يناير- تسمى "ئض ؤفرعون" التي تعني بالعربية "ليلة الفرعون" التي اعتلى فيها الملك الأمازيغي "شيشنق" عرش الفراعنة وغيرها من التسميات التي تختلف من مكان إلى آخر في شمال إفريقيا، لكن رغم هذا الاختلاف في التسمية نجد أن سكان شمال إفريقيا لديهم شبه اتفاق على طبيعة الاحتفال وتشابه بين وفي الطقوس والوصفات المعدة لهذا الحدث. وحتى نزيل أي لبس على هذه المحطة التي يحاول التاريخ والروايات الرسمية تلاعب بها، حيث تأكد كل الكتب التاريخية التي ذكرت هذا الحدث أن تاريخ هذه المحطة التاريخية يعود إلى 950 سنة قبل الميلاد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التقويم الأمازيغي يعتبر من بين أقدم التقويمات التي استعملها الإنسان على مر العصور، والتي تؤرخ بالضبط لحدث تاريخي وسياسي حينما استطاع الأمازيغ دخول مصر الفرعونية بعد الانتصار عليهم في حروب عمرت طويلا وبالتحديد في عهد الأسرة الواحد والعشرون التي كان يقودها الملك الفرعوني " رمسيس الثالث" وهكذا استطاع الأمازيغ تأسيس الأسرة الثانية والعشرون بعدما تمكنوا من الانتصار على الفراعنة بقيادة الزعيم الأمازيغي "شيشنق" أو "شاشنق" في معركة دارت رحابها في منطقة "بني سنوس" قرب تلمسانالجزائر، حيث يقام سنويا وإلى حد الآن "كرنفال إيرار" والذي يعني الأسد، وذلك تكريما واستحضارا لأمجاد ولقوة ملك "شيشنق" وسلطانه، كما توثق إلى حد الآن النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الأعمدة في معبد "الكرنك" في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث تلك الآثار بالتفصيل عن الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين الأمازيغية التي حكمت مصر، ومن هذا الحدث اعتبر هذا الانتصار تدشينا لتقويم الأمازيغي الذي تناقلته الأجيال عن طريق الاحتفال والتخليد لهذه المحطة التاريخية مع مرور كل سنة، وما السنة الأمازيغية التي نحن مقبلون بالوقوف عندها ليلة 13 يناير 2013 والتي سنستقبل من خلالها بداية السنة الأمازيغية الجديدة 01/01/2964 ما هي إلا استمرارية الاحتفال والتخليد لهذه المحطة التاريخية الموشومة في ذاكرة إماريغن. قبل الحديث عن طبيعة الوصفات والمأكولات التي يقومن سكان شمال إفريقيا تحضيرها خصيصا لهذا اليوم من كل سنة، لا بد منا الوقوف إلى مسألتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالأسباب التي جعلت الأمازيغ يدخلون في هذه الحروب مع الفراعنة، حتى لا يفهم من البعض أن الأمازيغ غزاة قاموا بالهجوم على مصر الفرعونية من أجل استعمارها بدون سبب، والمسألة الثانية لديها العلاقة مع المسألة الأولى والتي تتجلى في أسباب التي جعلت إمازيغن يختارون طبيعة هذه الوصفات للاحتفال بها في هذا اليوم وما الدلالات التاريخية والرمزية التي تحملها بالنسبة الإنسان الأمازيغي. تذكرنا مجموعة من الكتب التاريخية التي تتحدث عن هذا الحدث أن الأسباب التي جعلت الأمازيغ يدخلون في صراع مع الفراعنة كان وراءها الهجمات والتمردات التي كان يمارسها الجبروت الفرعوني على إمازيغن وذلك باجتياح أراضيهم التي كان يمارسون عليها أعمالهم الفلاحية وأنشطتهم الزراعية من الحرث الغرس وتربية المواشي وغيرها، وهكذا يقوم الفراعنة بإتلاف هذه المحاصيل والأخذ ما يحتاجون منها إلى بلادهم وبالتالي يترك الأمازيغ بدون هذه الغلة التي ينتزعها منهم الفراعنة بقوة جيوشهم الضخمة، وأكثر من ذلك لم يكن الفراعنة يأخذون الغلة التي تنتجها هذه الأرض من الحبوب والقطاني والخضر والفواكه والمواشي وفقط بل كانوا يأخذون معهم حتى البشر لكي يستخدموهم كعبيد لديهم وخير دليل على ذلك ما وصل إليه البحث الأركيولوجي من خلال وجود حروف الأمازيغية "تفيناغ" في النقوش الموجودة في الأهرامات، مما يؤكد هذا أن هؤلاء الأمازيغ الذين كانت تستعبدهم الفراعنة ساهموا في بناء هذه الأهرامات، وهذا ما جعل الأمازيغ يوحدوا صفوفهم بقيادة الزعيم الأمازيغي "شيشنق" من أجل إعادة الاعتبار لأنفسهم وكرامتهم ولأرضهم وهويتهم. وبالفعل تمكنوا من الانتصار على الفراعنة بعد حروب دامت لسنين، وبالتالي بقي هذا الحدث موشوم في ذاكرة الإنسان الأمازيغي، ونظرا لما يحمله هذا الحدث التاريخي البارز في تاريخ إمازيغن سيتخذ هذا اليوم كبداية للتقويم الأمازيغي وذلك احتفالا باسترجاع كرامتهم أولا ثم احتفالا باسترجاع أرضهم وكل ما كانت تنتجه من المحاصيل والتي من خلالها تستمد هذه الوصفات والمأكولات التي تقوم الأسر بتحضيرها في هذا اليوم من كل سنة، وتخليدا كذلك لدماء الشهداء الذين سقطوا في أرض المعركة دفاعا عن كرامتهم أرضهم التي تعتبر لدى إمازيغن رمزا للهوية والعطاء والخصوبة. إن احتفال الأمازيغ بالسنة الأمازيغية تعبير عن تشبثهم بالأرض وخيراتها، ويتم ذلك بطرق مختلفة ومتنوعة من حيث المأكولات والوجبات التي تحضرها الأسر من داخل بيوتهم أو عن طريق الاحتفالات الجماعية، حيث نجد في منطقة الريف يقمن العائلات في هذا اليوم بتحضير ما يسمى ب "ثغواوين" أو "ثيموياز" وهي عبارة عن مأكولات جافة تحضر من الحبوب والقطاني، ونفس الشيء بالنسبة للسكان الجهة الشرقية ففي مدينة وجدة نجد في أسواقهم قبل أسبوع عن هذا الحدث وجبات مختلفة من المأكولات الجافة تحضر خصيصا لهذا اليوم، أما في الأطلسين الصغير والكبير فيتبادل السكان خلال هذا اليوم التهاني والتحيات وغالبا ما يكون الاحتفال مشترك بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل جماعي فقرات من الرقص والغناء، وتطبخ النساء أطباق من القمح والفول الجاف المطبوخين على شكل حساء وتعرف هذه الوجبة ب "إركمن" أو "أركمين" وهناك من يحضر طبقا من "المحمصة" مع السمن، أما في الجنوب الشرقي نجد أن الأسر يقمن بالإعداد طبق خاص للمناسبة عبارة "كسكس" بعديد من الخضر والقطاني مما يفسر التسمية التي نسمعها (سبع خضار) في الإشارة إلى تنوع الخضر في طبق هذه المناسبة ، وتوضع نواة التمرة "إغس" في الطعام ومن يجد هذه النواة يعتبر شخصا "مباركا" طيلة تلك السنة، كما أن مؤخرا بدأت الأسر يعدن خلال هذه المحطة أطباق من اللحوم والدجاج وغيرها، فهذا الاحتفال يخلده حتى المعربون بالمغرب -الناطقون بالدارجة- وهو ما يدل على أنهم سكان أمازيغ أصليون. 2- أكذوبة 12 قرنا من تأسيس الدولة في المغرب ليكن في علم القارئ أن الأمازيغ عند اعتلائهم عرش الفراعنة سنة 950 قبل البلاد وذلك بتأسيس الأسرة 22 بقيادة الملك الأمازيغي "شيشنق" من أصول ليبية "قبيلة المشواش" وواصلوا حكمها لأزيد من قرنين من الزمن، ونقلوا عاصمة البلاد اٍلى ( تانيس) لم يكونوا أبدا كمستعمرين لمصر بل انصهروا في الدولة الفرعونية وحكموها باسمها وليس باسم الدولة الأمازيغية في مصر، وهكذا فالإنجازات التي حققوها تحسب للفراعنة المصريين بقيادة الأسرة الحاكمة الأمازيغية، وتعتبر انجازات الملك الأمازيغي العسكرية ذات أهمية كبيرة لفائدة مصر أنذاك، إذ تمكن من توحيد البلاد وكسب ود الشعب المصري بالحفاظ على موروثهم الحضاري ومعتقدهم الديني، وتمكن من تغيير الكثير من مناحي الحياة أيام حكمه، حيث استطاع أن يتصدى ويقهر التمردات التي كانت تأتي في أيام الأسرة 21 من فلسطين ومن الحبشة واليمن، ومن هنا أتت تلك الأسطورة التي تقول أن أصل الأمازيغ من اليمن لأن أصحاب هذا الإدعاء وجدوا في اليمن موروث ثقافي يتشابه والموروث الثقافي الأمازيغي (من البناء واللباس...) وقالوا بهذه الأسطورة أن أصل أمازيغ شمال إفريقيا قدموا من اليمن، هي مسألة فيها الحقيقة لكن الروايات العربية قلبوها حتى ينسب الأمازيغ إلى موطن غير شمال إفريقيا، مع العلم أن حقيقة وجود الأمازيغ في اليمن تعود إلى الحملات التأديبية الأمازيغية الفرعونية التي قادها الملك "شيشنق" أيم حكمه لمصر فعندما قهر هؤلاء المتمردين بقي هناك الجنود الأمازيغ وشيدوا البناء الأمازيغي وشيعوا ثقافته وبالتالي قالوا العروبيون بما أن الهجرات كانت دائما تذهب من الشرق إلى الغرب فأصل الأمازيغي من الشرق –اليمن- وذلك اعتمادا على مرويات تضمنتها كتب التراث تشير إلى وجدود هجرة سامية قديمة باتجاه بلاد الأمازيغ تعرف بهجرة (افريقش بن صيفي )، وتدَاوُلُ هذه الأسطورة من لدن المؤرخين الذين حولها إلى حقيقة مطلقة ولكن هذا يكذبه ابن خلدون وابن الحزم واعتبرها من نفاق مؤرخي اليمن.(1) وللإشارة فالسنة الفلاحية التي دأب الناس على سماعها وترددها لا تعدو أن تكون نتيجة طبيعية لزيف وتكالب الذي مارستها وما زالت السلطة السياسية الحاكمة اليوم في المغرب وشمال إفريقيا عامة التي تعمدت تفادي الإشارة إلى كون هذا التأريخ أمازيغيا بامتياز، وذلك نظرا أن هذا الحدث التاريخي يتعارض مع إيديولوجياتها السياسية ورواياتها الرسمية في كتابة التاريخ، وبالتالي يفضح هذه روايات التقليدية التي تريد محاصرة تاريخ المغرب في 12 قرنا وذلك منذ قدوم إدريس الأول إلى شمال إفريقيا وتأسيس حسب زعمهم –مع العلم أنه لم يؤسس شيء كما سنبين- لأول مرة الدولة بالمغرب، متناسين هؤلاء أو جاهلين لتلك المماليك الأمازيغية التي أقيمت على هذه الأرض منذ عصور قديمة، تلك المماليك التي ابتدعت حضارة أثرت في الفكر الإنساني، وفي الحضارة البشرية، كما أثرت في الحضارات العظمى في التاريخ كالفينيقيين والإغريق والرومان والفراعنة وغيرهم، مما جعل المؤرخين القدامى الكبار يتحدثون عنهم في كتبهم كهيرودوت (ق.5.ق.م) وهرميروس (ق.8.ق.م). لكن إيديولوجية السلطة السياسية الحاكمة اليوم في المغرب بما أنها تدعي الانتماء إلى أسرة علوية إذن يجب أن تبدأ كتابة التاريخ من أول علوي استقر على هذه الأرض، وبالتالي ما دام هذا العلوي الأول الذي جاء من الشرق هاربا إلى شمال إفريقيا هو إدريس الأول إذن قالوا فالنبدأ التاريخ من هذه الفترة، وكأن الأمازيغ ناموا وانتظروا حتى يأتي رجلا من المشرق لكي يبني لهم دولة –قمة الغباء والخرافية- وهكذا يقول الحسن الثاني في كتابه "التحدي" (بدأت الدولة في المغرب مع الأدارسة بمجيء جدنا الأكبر...) هذا ليس بتاريخ هذه إيديولوجية سياسية وتاريخ مؤدلج هدفه ربط الماضي بالحاضر ولصالح عائلة تمتلك السلطة وليس لصالح الشعب لأن التاريخ الحقيقي هو ما تقوله الوثائق والتاريخ الشعبي وليس تاريخ البلاطات والسلاطين. فالوثائق التاريخية تقول أن عندما فر إدريس الأول إلى شمال إفريقيا لم يجد هذه المنطقة بدون كيانات سياسية، ألم تستقبله إمارة إسحاق بن عبد الحميد الأوربية عاصمتها وليلي؟ ألم تكن هناك إمارة النكور قائمة في شمال المغرب؟ ألم تكن هناك إمارة برغواطة قائمة في سهل تامسنا على المحيط الأطلسي؟ ألم تكن هناك إمارة سيجلماسة؟ إذن عند قدوم إدريس هذا وجد ثلاث إمارات كبرى قوية في المغرب بإضافة إلى الإمارة التي احتضنته وبايعته لا باعتباره حاكما بل بكونه فقيها قال "أنه ينتمي إلى سلالة الأشراف" أما الحاكم فكان هو إسحاق بن عبد الحميد الأوربي، فبما أنهم بايعوه لا بد أن يزوجوه وهكذا زوجه الحاكم بابنته "كنزة الأوربية" التي أمضى معها 5 سنوات ثم توفي مسموما ولم يترك معها أبناء ولم يولد إدريس الثاني إلا بعد مضي 11 شهرا على وفات إدريس الأول وهذا الخير كان من العلويين الشيعة لأن من اضطهدوا في الشرق وقاتلهم العباسيين في معركة "فخ" هم العلويين الشيعة وإدريس بن عبد الله كان واحد منهم وفر من هذه التطاحنات إلى شمال إفريقيا، وهذه حقائق مذكورة في الوثائق ويتم التغاضي عنها وإخفائها من طرف الروايات الرسمية من أجل مصلحتها لأن من هنا تستمد الدولة اليوم شرعيتها السياسية وما زيارات التي تقوم بها الأسرة الحاكمة بما يعرف ب "ضريح مولاي دريس" لا خير دليل مع العلم أن هذا الضريح من صنع المرنيين ولم تذكر أي وثيقة تاريخية قبل الدول المرينية ضريح إدريس الأول وإدريس الثاني خلقت (بضم الخاء) هذه الأضرحة من طرف المرينيين كما خلقت ما يعرف ب "شجرات الأنساب" أو "الشرفاء" لحاجاته السياسية لأن الدولة المرينية لم تكن تمتلك شرعية دينية. وهكذا بني إدريس الثاني مدينة فاس واتخذها كعاصمة لإمارته أما قبل فكانت عاصمة الإمارة الأوربية هي مدينة وليلي وضل حاكما لها 23 سنة، لكنه لم يؤسس للدولة في المغرب بل أسس لإمارة الأدارسة وسط ثلاث إمارات كبرى التي سبق أن ذكرتها، وسبق له أن خاض معركتين مع البرغواطيين وانهزما فيهما ولم يستطع التقدم إلى جهة المحيط الأطلسي وهكذا ضلوا في رقعة جغرافية صغيرة بالمقارنة مع الإمارات الأخرى الأكثر شساعة منها. ويحكي أحد المؤرخين أن إدريس الثاني في عهد حكمه نظم مجزرة جماعية للنخبة الحاكمة التي عاشرت إسحاق بن عبد الحميد وإدريس الأول واستقدما 500 فارس من عرب الأندلس -المورسكيين- وقام بتعريب نخبة دولة الأدارسة وهذا ما لم يرضى القبائل الأمازيغية التي كانت في تحالف مع دولة أوربة فيما مضى وجعلها تنفصل عن تأييد دولة الأدارسة نتيجة المجزرة التي إرتكبها إدريس الثاني والطريق التي تم إقحام بها العنصر العربي في الدولة،(2) وبالتالي ضلت دولة الأدارسة منحصرة في عاصمة فاس ونواحيها وسط القبائل الأمازيغية الساخطة عليها. ومن أكبر أشكال تزوير التاريخ حينما يقال أن الأدارس أسسوا لاستقلال المغرب عن المشرق وهذه من أكب الأكاذيب، لأن من أسس لاستقلال المغرب على المشرق يجهله المغاربة ولا يذكر في التاريخ الرسمي، لا لشيء إلا أنه من الأمازيغ، بل يجب أن يذكر دائما ذلك العربي الذي يأتي من المشرق، يجب أن نعرف أن من أسس لاستقلال المغرب عن المشرق هو "ميسرة المدغري" حيث عندما وجد هذا الأخير أن الولاة الأمويين في المغرب أقاموا فسادا وظلاما في حق الأمازيغ بنهب ثرواتهم واغتصاب نساؤهم حتى يذهبوا بها إلى الخليفة الأموي في المشرق سافر في وفد من الأمازيغ إلى المشرق حتى يشتكي للخليفة بهذا الظلم الذي يمارس ضد الأمازيغ رغم إسلامهم، وبقي 15 يوما أمام باب الخليفة ولم يستقبله لأنه لا يهمه إسلام الأمازيغ، فعندما قيل له من طرف ولاته أننا لا يمكن لنا أن نأتيك بالسبايا والغنائم لأن الأمازيغ أسلموا، قال "أنا لا يهمني إسلام الأمازيغ أنا أريد الغنائم والسبايا" وهكذا عندما رفض استقبال ميسرة المدغري لأنه يعرف ما سيقول له، عاد ميسرة مع وفده ونظم ثورة الأمازيغ ضد الولاة الأمويين ونجحت الثورة ودمروا هذه الولايات الأموية في المغرب وأعلن استقلال المغرب عن السياسة الأموية في المشرق، وهذا كان لعقود من الزمن قبل أن يفر إدريس الأول إلى الشمال إفريقيا. إذن هو صراع إيديولوجي سياسي في التعامل مع التاريخ بدل التعامل الموضوعي والواقعي وما تقول به الوثائق التاريخية، فعندما تطالب الحركة الأمازيغية بإعادة كتابة التاريخ ليس بمنطق المزايدات السياسية، وإنما حقيقة التاريخ الرسمي لا يعكس بالبث والمطلق ما عاشه وما يعيشه الإنسان في هذه الرقعة الجغرافية التي نطلق عليها (تامزغا) أو شمال إفريقيا، فحسب المختصين يرجع تاريخ الدول في تامزغا إلى ما يفوق 4000 سنة، أي 2000 سنة قبل الميلاد عكس ما تذهب إليه الجهات الرسمية إلى تقزيم التاريخ المغربي واختزاله في 1000 سنة أو أقل،(3) وهذه المحطة التاريخية التي ترجع إلى 950 سنة قبل الميلاد تؤكد بالفعل أن الأمازيغ كانوا منظمين في إطار كيانات سياسية، وإلا لما كانوا سينتصرون على أكبر الحضارات قوة ألا وهي الحضارة الفرعونية،(4) إذن هذه حقائق تدحض فكرة تقزيم وحصر تاريخ البلاد في 12 قرنا، إن إعادة كتابة التاريخ هي ضرورة حتمية ليس من أجل التقاط العبر وفقط بل من أجل معرفة حقيقة انتماءنا كشعب مستقل يختلف عن باقي الشعوب وله خصوصياته اللغوية والتاريخية والثقافية والحضارية والهوياتية، لأن الشعوب العالم اليوم تبحث عن بصيص ضوء من حضاراتها القديمة، لكي تقوم بإحيائها وبناء وطنيتها وتقديمها للعالم، كما يحدث مع الحضارة الفرعونية في مصر، أو في العراق مع الحضارة البابلية، أو في أوربا مع الحضارة الإغريقية والرومانية، ومن خلال هذا ندعو وبإلحاح كل "الحكومات" في شمال إفريقيا إلى اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة مدفوعة الأجر وذلك من أجل المصالحة مع ذواتنا وتاريخنا وثقافتنا وهويتنا، واعترافا منا بالجميل لأجدادنا وبمجدهم، وحفاظا على الذاكرة الجماعية من الاندثار والطمس الذي تعرضت له لسنين طويلة، بدل الاحتفال والتبجيل بأعياد متجاوزة والتي تسيء إلى كل ما هو وطني حقيقي وتحمل في طياتها حمولات إيديولوجية ضيقة ومحتقرة للإنسان والتاريخ والثقافة والأرض. وفي ختامي لهذا المقالة المتواضع أتمنى لكم سنة أمازيغية سعيدة مباركة مليئة بكل المسرات والأفراح، وبالأمازيغية نقول لكم asaggwas dhamaynu dhaghudan 2964 المراجع: (1) في كتاب "الجمهرة" لابن حزم الأندلسي، ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير، وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس، وهذا كله باطل لا شك فيه، وما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا إسمه بر أصلا، وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن. ويقول ابن خلدون في "عبره ج6 ص 135": إذ مثل هذه الأمة ( الأمازيغية ) المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض، لا تكون منتقلة، من جانب آخر وقطر محصور، البربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم، متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام، فما الذي يحوجنا إلى التعليق بهذه الترهات في شأن أوليتهم ؟، ويحتاج إلى مثله في كل جيل وأمة من العجم والعرب، وافريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنهم وجدهم بها، وأنه تعجب من كثرتهم وعجمتهم، وقال: ما أكثر بربرتكم، فكيف يكون هو الذي نقلهم؟ (2) كتاب "المسالك والممالك" أبو عبيد البكري (3) كتاب "شمال إفريقيا دراسة في التاريخ والثقافة" محمد حنداين (4) كتاب "لمحة عن 33 قرنا من تاريخ الأمازيغ" محمد شفيق بقلم: وكيم الزياني لتواصل معنا: [email protected]