كلمة تكريمية وتابينية بمناسبة اربعينية المناضل الحقوقي والمفكر الاجتماعي الراحل الحسين الادريسي رحمه الله تم القائها بالمناسبة. إخواني أخواتي عائلة المرحوم الحسين الإدريسي الصغيرة والكبيرة الفعاليات المنظمة لهذا اللقاء الهام ممثلي المجتمع المدني السيد حكيم بلمداحي رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية الغراء السيد الدكتور المرابط،الدكتور علي وادفال رفاق الراحل وعلى رأسهم أخي رشيد اليحياوي ، أيها الأخوة والأخوات أيها الحضور الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله. لماذا نجتمع، فنقيم تأبينا يضم رجالاً ونساءً، مناضلين ومناضلات، يضم مثقفين وحقوقيين وإعلاميين ورجال الفكر المتنور، لماذا نجتمع فنكرم هذه الشخصية الفذة ؟ ما لنا وللدكتور الحسين الإدريسي؟ وماله ومالنا؟ في الواقع، أن إنساننا الطامح، عندما ينظر في الأفق، فيرى أن وضعه وحياته ومجتمعه، لا يرضى طموحه، يتطلع إلى الأفق ويعزم على التغيير. هذا الإنسان الذي يقول عنه الحديث الشريف:"أكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل". تعبيراً عن معاناة الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم ويدافعوا بكل ما أتوا من قوة وشجاعة عن وطنهم وعن ثقافة وتاريخ وهوية وطنهم، ولا يستكينون إلى واقع مجتمعهم فيسعون إلى تغييره بدل تفسيره كما يقول كارل ماركس فيواجهون العقبات والتحديات مع ذلك يواصلون نضالهم اليومي بكل تضحية ونكران للذات. نحن ننظر إلى الأفق لكي نرى وضعنا اليوم، في بلدنا والمنطقة، وفي العالم، فلا نجد في هذا اليوم، كما لم نجد أمس، ما يرضينا، ما يرضي طموحنا، ما يقنعنا. وهنا يختلف الناس فئات: فئة تستسلم للوضع الحاضر، تذوب فيه، تسايره، تجامله، تفلسفه، تتعاون معه. هؤلاء الضعاف لسنا منهم، ولا يشرفنا أن نلتقي معهم. فئة أخرى، تفوق الفئة الأولى، لا تقبل بما يجري في المجتمع. ولكنها تتهرب من المواجهة، تهاجر، تسافر، تختار مجتمعاً آخراً، تختار أميركا، أوروبا، آسيا، هنا وهناك. تفتش هذه الفئة عن الملجأ، عن المهجر. هؤلاء أقوى من الفئة الأولى ولكننا لا نقبل سيرتهم، ولا نكتفي بموقفهم. أما الفئة الثالثة هم أقوى من الفئة الأولى المستسلمة... لأنهم يقتبسون ويستوردون ويجترون حلول وتجارب الآخرين. أما نحن لم نكن لنقبل أن نكون من الفئة التي تستسلم للوضع الحاضر. ولا من الفئة التي تهرب ولا تواجه. والدليل على ذلك ما أنتم فيه، فقد وجدتم أنفسكم في مأساة فقد مفكر كبير، غريب، يعتصركم الحزن والألم، فإذا بكم يتحول الحزن والألم إلى استشعار المسؤولية، فإذا بكم يتحول لقاؤكم إلى أمل في مستقبل مشرق للوطن .وإلا لما حضر معنا هنا نخبة فكر الشعلة المتقدة الأخ الدكتور المرابط والأستاذ الأخ حكيم بلمداحي والدكتور الأخ علي وادفال واخرون... نحن هنا نفتش في الأفق، لكي نجد فكر من طبيعة أرضنا وسمائنا المغربية، فكر يرتبط بقلوبنا، وتراثنا وإيماننا بكل ما هو وطني أصيل. فإذا جمعتنا أربعينية الفقيد الكبير الحسين الإدريسي، فلأنه يفلسف، ويبرر، ويشرح، ويلقي أضواء على السلاح الفكري الذي امتشقته الأمة المغربية في تاريخها المجيد، بقوة وحزم، وتمكنت أن تغير به ظلامها بالنور، وجهلها بالمعرفة، وتشتتها بالوحدة، وذلها بالقوة، وشقاءها بالرحمة، وتخلفها بالسعي لتقدم الآخرين. هذه التجربة الناجحة، التي تبرز من خلال كلمات الحسين الإدريسي الذي صدع بالحق وصدح ونادى ألا أن المغرب حضارة ومدرسة كبيرة لقنت العالم دروس لا تنسى في القيم الإنسانية والحضارية... التي تحاول اليوم قوى الرجعية والتخلف والظلام أن تصادرها و تعدمها وتنسفها من الداخل عبر استيراد وتهريب أنماط من الاديولوجيات الصحراوية القاحلة والقاتلة الغريبة كل الغرابة عن هوية وثقافة المغاربة المتسمة بالاعتدال والتسامح في تدينهم والانفتاح في ثقافتهم وحضارتهم لقد أسس الإدريسي حقا لثورة فكرية كبرى أعادة الاعتبار للهوية المغربية في كل أبعادها الدينية والفكرية والثقافية ونبهت أفكاره الكبيرة كثير من القوى الحية بالبلاد إلى الخطر الداهم الذي تشكله قوى التهريب الديني -وهو المفهوم الذي أبدعه الراحل في إطار تحليله وفهمه للظاهرة الأصولية الناخرة والمخترقة للمجال الديني المغرب- على المجتمع والدولة والشخصية المغربية وأعاد تعريف الدين انطلاقا من الاجتماع الديني والسياسي المغربي. ويتلخص مشروع الإدريسي في سعيه لتجديد منهج فهم الإسلام على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي، وهو سعي يحتم البدء بمراجعة الهوية الدينية المغربية وتنقيتها من الفكر الديني الدخيل المتسم بالتطرف والعنف، والدعوة الى حقل ديني خال من المذاهب الخارجية ومن ثمة الوقوف في صلب معركة المواجهة ضد الاختراق الديني الذي تقوم به القوى الأصولية المضادة للهوية والشخصية المغربية. وأبرز أسلحة هذه المواجهة تكمن في الاستظهار الجاد والجيد لمتطلبات الواقع المغربي والخصوصية الدينية والحضارية المغربية من جهة والفهم العميق للمشروع الأصولي واليات اشتغاله وتقديم الإسلام المغربي كبديل عقائدي وفكري وحضاري قادر على التكيف والانسجام مع متطلبات الحداثة من جهة أخرى. ولذلك نقف، ونعتز ونحترم هذه المناسبة التأبينية والتكريمية، التي يكرم فيها الحسين الإدريسي ومن خلال الحسين الإدريسي يكرم الفكر الأصيل المتنور، و الذي يتمكن من استقطاب كل المتنورين، ومن تحريك الطاقات المجمدة، الموجودة في المجتمع المغربي. تلك الطاقات الهائلة، المكدسة، المهملة، التي يمكن أن تعمل فعلها في تغيير مجتمعنا، عندما تتحول إلى حركة واعية، مناضلة للتغيير. نحن نعتز، ونعترف بمجهود وتضحيات راحلنا الكبير. وها نحن نجتمع لنكرم هذا الفكر الأصيل. لنكرم الفئة الرابعة غير المستسلمة، ولا المهاجرة، ولا المقتبسة، بل أصحاب الفكر الأصيل، الذين يسعون الى التغيير في مجتمعهم. وإذا كنا قد أخذنا من الإدريسي في حياته، وها نحن نأخذ من الإدريسي الحي في فكره ونضاله ووطنيته وان كانت وفاته هي التي تجمعنا. ان القيمة المضافة لهذا اللقاء الأربعيني،هو اجتماع هذه الأقلام والأصوات المتنورة والمتحررة الحاضرة معنا هنا اليوم، فشعرنا بقوتنا في عصر الغربة. وشعرنا بقوتنا في وقت الضعف. وها نحن نلتف حول بعض، كرموز تمثل عالماً واسعاً، مرتبطاً بالجغرافية، وبالتاريخ الناجح. والفكر المغربي المتنور، بقلب ملتق مع وطننا المغرب، الذي هو ينبوع الفكر وينبوع الحضارة، وينبوع النضال. نشعر بقوة بعد جرح، وبعد محنة، وبعد ضعف وبعد يتم. نشعر بقوة وأصالة عندما نلتقي في هذا اللقاء المبارك. إذن! للحسين فضله، فضله في حياته وله فضله في وفاته أيضاً. أيها الأخوة الأعزاء لا شك أننا، في هذا المكان، عندما نلتقي بالشعلة المتقدة لنخبة من المثقفين الذين يحملون هم هذا الوطن، كما قلنا، نشعر أن في هذا عزاءً لأهله، وعزاءً للشبيبة المتنورة التقدمية التي شعرت بالحرقة الكبرى في وفاة فقيدنا الراحل.. فلنلتق! أيها الذين يرفضون الوضع الحاضر المتصف بالجهالة الجهلاء والضلالة العمياء ، والذين لا يقتبسون دينهم وثقافتهم من الصحاري القاحلة والمدارس المظلمة والأصوليات القاتلة. فلنقف، ونلتقي، ونغير حاضرنا ، فلنقف، ونلتقي، ونغير حاضرنا المغربي ، بالحكمة والوعي، وعدم السماح للأيادي الخبيثة أن تلعب في أمعائنا،. ولنضع كأخوة مناضلين، أصحاب قضية واحدة، الدفاع عن ثوابت البلاد، أيدي بعضنا مع بعض. ولنضع كمغاربة، يدنا في أيدي بعضنا، حتى نجابه الفكر الالغائي والعدمي الذي نعانيه والذي نحس به، والذي نقرف منه، ونشعر بأنه لا يتناسب مع هويتنا، وحضارتنا و تاريخنا. فيداً بيد! ووجها إلى جانب وجه! وعقلاً إلى جانب عقل! وقلباً إلى جانب قلب، متصلاً بواسطة الإيمان بقيمنا إلى ينبوع العقل والفكر والعلم، إلى الله، الوطن، الملك. والسلام عليكم