توضيح لابد منه: موضوع هذه الورقة وهو محاولة متواضعة للإجابة عن السؤال التالي: كيف تنظر القوى الرجعية والظلامية إلى من يخالفها الرأي والقناعة في أمور الدين والسياسة ؟ أو بعبارة أخرى ماذا يعنى أن يكون المرء ماركسيا أو أمازيغيا في تفكيره وقناعاته؛ أي أنه يفكر بطريقة مختلفة ومغايرة عن الطريقة التي يفكر بها المخزن وأزلامه من الإسلاميين في أمور الدين والسياسة ؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أولا معرفة معالم هذه النظرة، ولو في خطوطها العريضة، وان نعرض، ثانيا، أسباب هذه النظرة، ومن الطبيعي أن يكون لهذا المقال الطابع النقدي – أو بالأحرى الطابع النقضي( من النقض) للخطاب المخزني وأزلامه تجاه المركسية باعتبارها نظرية علمية، وتجاه الأمازيغية باعتبارها قضية شعب يتعرض مند قرون طويلة للاستلاب الفكري واللغوي والهوياتي بأشكال وأساليب مختلفة، وتحديدا مند الغزو العربي الإسلامي مع بداية القرن السابع الميلادي، وبشكل ممنهج مع بداية القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا ؛ أي بعد أن صارت القومية العربية هي الخيار الإيديولوجي للدولة وللأطراف السياسية في بلادنا، وبالتالي في وضع وتحديد خياراتها وسياساتها في مجالات اللغة والثقافة والتعليم والدين والإعلام وفق هذا التوجه الشوفيني ، حيث أصبح شعار " العروبة والإسلام" رسميا يمثل هوية الدولة المغربية بعد الاستقلال الشكلي سنة 1956.ومن الأمور التي ترتبت عن هذا التوجه الشوفيني للدولة المغربية هو إلغاء كل مظاهر الثقافة الأمازيغية من التعليم والإعلام والقانون..الخ، حيث سيتم كما هو معروف إلغاء تعليم الأمازيغية من المدارس التي كانت تدرس بها خلال فترة الاستعمار كمادة اختيارية، وإغلاق " المعهد العالي للدراسات البربرية"، وإقرار "التعريب" كأحد مبادئ التعليم الأربعة، وإلحاق المغرب كذلك بالشرق حيث سيتم اعتباره (=المغرب) جزء مما يسمى بالوطن العربي. نستطيع أن نتحدث طويلا في هذا الموضوع؛ أي في موضوع الأمازيغية ما بعد الاستقلال، لكن ليس هذا هو موضوعنا الرئيسي في هذا المقام المتواضع. لهذا سنكتفي بهذا القدر من أثارت ومناقشة الخلفيات الموضوعية التي أدت إلى ظهور وانبعاث ما يعرف الآن بالحركة الأمازيغية، وبالتالي، سوف نعود مباشرة إلى موضوعنا الرئيسي ونقول: إذا كنت لا تتوفر - أيها القارئ الكريم - على الإجابة للسؤال المطروح أعلاه ، فلا تتعب نفسك في البحث عن الإجابة التي قد تتعبك كثيرا، فما عليك إلا بقراءة هذا المقال المتواضع حتى تعرف ماذا يعني لك أن تكون مركسيا، حيث انك تسعى إلى أقامة المجتمع الاشتراكي/ الشيوعي، وبالتالي، فانك تناضل ضد استغلال واضطهاد العمال والفلاحين من ناحية، وتناهض من ناحية أخرى الإقطاع والطبقة البرجوازية الرأسمالية، وتناهض كافة أشكال العبودية والبيروقراطية المنتشرة بكثافة في بلدك ؟ وهو الأمر الذي يعنى في نهاية المطاف انك تناضل ضد الاستعمار والتبعية الرأسمالية للغرب الامبريالي، الذي نهب خيرات بلدك، وبالتالي، فإنه سلب منك عمليا كل المقومات الضرورية للتقدم والتطور من جهة، والاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي من جهة أخرى، حيث أن عملية النهب هذه ستؤهله إلى تحقيق مسألة في غاية الأهمية؛ وهي المسألة التي سنلخصها لك (= القارئ) فيما يلي: إن عملية النهب والاستحواذ، المباشر والغير المباشر، على الخيرات والثروات الطبيعية والمعدنية( الفوسفات ، السمك ..)، وبالتالي على المقومات والإمكانيات الضرورية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي من طرف الاستعمار الغربي الامبريالي، تودي بنا إلى التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية واللغوية لهذا المستعمر، سواء عن طريق أبرام عقود واتفاقيات ثنائية رسمية خاصة( معاهدة الحماية واتفاقية اكس ليبان مثلا)، أو عن طريق تقديم قروض مالية من أجل إغراق البلد في الديون الخارجية(1). فإذا كنت على هذا النحو؛ أي انك ماركسيا في تفكيرك وقناعتك، فأنت كافر وملحد في نظر المخزن وأزلامه من قوى الظلام، بالرغم أن الانتماء إلى فكر معين – مهما كان هذا الفكر – لا يعتبر تهمة لدى الأمم المتحضرة. هذا إذا كنت ماركسيا، أما إذا اخترت أن تكون أمازيغيا تسعى إلى الحفاظ على هويتك وثقافتك وتراثك الأصلي، وبالتالي فانك تقول للعالم سجل أنا لست عربيا، وجغرافية وطني تمتد من سيو إلى جزر الكناري(2). سجل في دفاترك الصفراء والحمراء معا أن تامازغا( = شمال إفريقيا) هي وطني وهويتي، سجل أنني لا اعرف الغناء إلا بلغة أمي، ولا أجيد العشق إلا بلغة أمي، سجل كل هذا، وبلغ العالم أنني أريد أن أعيش كما ولدتني أمي. باختصار، إذا كنت أمازيغيا تعتز بهويتك الأصلية، وتفتخر بتاريخك الحضاري والنضالي فأنت انفصالي وخائن في نظر المخزن وأزلامه. خاصة، بعد أن تحول عدد هائل من الماركسيين المغاربة إلى الدفاع عن القضية الأمازيغية باعتبارها جزء من هويتهم وكيانهم الحضاري والتاريخي فيما يشبه المصالحة مع الذات ، بعد اختفاء شبه نهائي للفكر الماركسي على المستوى السياسي والاجتماعي، نتيجة التغيرات والتحولات الجذرية التي عرفها العالم مع انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن الماضي، وتفكك بعد ذلك البلدان الاشتراكية بعد انهيار جدار برلين، صار هؤلاء المركسيون انفصاليون في نظر المخزن وإتباعه من الرجعيين والظلاميين، بعدما أن كانوا ملحدون في نظرهم. هذه هي، بشكل مختصر، الصورة النمطية التي يحاول النظام الرجعي في بلادنا، وكل من يمشي في موكبه من المحافظين والرجعيين والانتهازيين أن يقدمها، ويروجها، عن الأمازيغيين والماركسيين المغاربة الذين يخالفونهم الرأي والتصور في أمور الدين والحكم( السياسة)، والغاية من هذا كله هو محاولة تشويه خطابهم اليساري التقدمي (= خطاب الماركسيين والأمازيغيين) أمام الرأي العام الوطني، وبالتالي تقويض مصداقيتهم ومشروعيتهم النضالية أمام الجماهير الشعبية. ففي العقود الماضية - أي في زمن الاتحاد السوفياتي سابقا، كانت القوى الماركسية في بلادنا تتهم بالكفر والإلحاد، لكن، ليس لكونها لا تؤمن بالله كما يعتقد البعض(4). وإنما لكونها كانت تعتمد المنهج الماركسي في تحليلها للواقع الاجتماعي القائم، باعتباره (= المنهج الماركسي) منهج علمي في تحليل التاريخ والواقع ، وذلك من أجل فهم ومعرفة القوانين المتحكمة فيه (أي في الواقع)، وبالتالي فإن الإنسان الماركسي يسعى إلى تأسيس مجتمع العدل والتضامن الاجتماعي عن طريق بناء النظام الاشتراكي ( الشيوعي) ولا يسعى إلى محاربة الله والأديان كما يقول المناهضين للمركسية (5). المجتمع الاشتراكي( الشيوعي) الذي يعتبر فيه الإنسان هو الغاية وليس الوسيلة كما هو الأمر في النظام الإقطاعي والرأسمالي ، حيث تحول فيه الإنسان إلى آلة للإنتاج، وبالتالي توفير اكبر عدد ممكن من الأرباح على حساب إنسانية الإنسان. ومن المفيد التذكير في هذا السياق أن نظام الرعاية الاجتماعية على سبيل المثال، الموجود حاليا في بعض الدول الرأسمالية ( هولندا، فرنسا، ألمانيا، النرويج، الدنمارك، بريطانيا وغيرها من الدول الغربية) كالتامين الصحي، والمساعدات الاجتماعية/ التعويض عن البطالة والسكن، ومجانية التعليم وغيرها من الأمور التي تتعلق بالمساعدات الاجتماعية هي في الأصل من صميم النظام الاشتراكي ( الشيوعي) الذي تدعوا إليه الماركسية وليس من صميم النظام الرأسمالي كما يتوهم البعض(6). ففي أعقاب الصراع الإيديولوجي أو ما كان يعرف سابقا بالحرب الباردة، الذي كان سائدا خلال القرن الماضي بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي من جهة، والمعسكر الرأسمالي بقيادة أمريكا من جهة أخرى، نهجت دول أوربا الغربية نظام الرعاية الاجتماعية الذي كان سائدا آنذاك في الاتحاد السوفياتي وبعض البلدان الاشتراكية الأخرى(7)، وذلك من أجل إفراغ المشروع الماركسي؛ وهو المشروع الاشتراكي الديمقراطي، من مضمونه ومحتواه الاجتماعي والإنساني في نظر الإنسان والمواطن الغربي البسيط والعادي، خاصة في نظر الكادحين من العمال والفلاحين، وبالتالي محاولة منع تطور وانتشار الفكر الماركسي الثوري داخل المجتمعات الغربية، وبالخصوص في أوساط العمال والفلاحين الذين يشكلون النواة الأولى للتغيير وقيادة الثورة في أفق بناء الدولة الاشتراكية/ الشيوعية، التي تكون فيها الريادة والزعامة لطبقة البروليتاريا حسب ماركس (8). علاوة على هذا ساندت الدول الرأسمالية ، وبقوة، الأنظمة الاستبدادية في ما يسمى بالوطن العربي من أجل المجابهة والتصدي للحركات الاشتراكية التحررية في هذه المنطقة من العالم ، خاصة بعد ظهور منظمة التحرير الفلسطينية والاشتراكية الناصرية في مصر والبعث العربي الاشتراكي في كل من سورية والعراق(9)، وبالتالي محاولة تحجيم وتقليص أنصار المعسكر الاشتراكي في الدول "العربية" والإسلامية، بل وأكثر من ذلك ساهمت بشكل كبير جدا في تأسيس حركات ومنظمات دينية جهادية لمحاربة الشيوعية في العالم الإسلامي ( الشبيبة الإسلامية بالمغرب وحركة طالبان مثلا )، لكونها كانت ( = الماركسية/ الشيوعية) تشكل خطرا حقيقيا على مصالحها ونفوذها في هذا الجزء من العالم (= العالم الإسلامي). أما بخصوص الأنظمة الاستبدادية في العالم الإسلامي، ومنها الأنظمة التيوقراطية الملكية بالخليج العربي، بالإضافة إلى المغرب والأردن، فصارعت إلى ربط علاقات وطيدة بالامبريالية والصهيونية ( في هذا الإطار سيستقبل الحسن الثاني رسميا سنة 1986 رئيس وزراء إسرائيل) في أفق ضرب الحركات الماركسية(10). لقد عملت هذه الأنظمة الاستبدادية على دعم الحركات الظلامية الرجعية لمواجهة الحركات اليسارية المركسية، ومن جانب آخر عملت على استغلال الجامعة العربية والمنظمة الإسلامية لمواجهة نمو وتجدر المقاومة الفلسطينية المسلحة (11)، وذلك عبر التحكم في توجهاتها الثورية مقابل دعم ومساندة الخط ألتصالحي مع الصهاينة، وفي هذا الصدد دعى الحسن الثاني في بداية السبعينيات القرن الماضي( 1973) إلى فتح حوار مباشر مع إسرائيل. ولكونها ( =الأنظمة العربية) كانت، ومازالت، تعتبر الماركسية مذهب فكري واجتماعي إلحادي يناهض الدين، فإنها سعت إلى تأسيس العديد من التيارات الإسلامية لضرب الحركة الماركسية اللينينية. ومن أجل ذلك وضعت خطط وميزانيات ضخمة من أجل تحقيق هذه الغاية، حيث سخرت مثقفيها ومنابرها الإعلامية ورجالات الدين لتشويه الخطاب الماركسي، وخاصة في ما يتعلق بموقفها من الدين. وبعد تحول عدد هائل من الماركسيين المغاربة إلى الدفاع عن القضية الأمازيغية باعتبارها جزء من هويتهم وكيانهم الحضاري والتاريخي فيما يشبه المصالحة مع الذات ، بعد اختفاء شبه نهائي للفكر الماركسي على المستوى السياسي والاجتماعي، نتيجة التغيرات والتحولات الجذرية التي عرفها العالم مع انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن الماضي، وتفكك البلدان الاشتراكية مباشرة بعد انهيار جدار برلين، صار هؤلاء المركسيون انفصاليون في نظر المخزن وإتباعه من الرجعيين والظلامين، بعدما أن كانوا ملحدون في نظرهم. الماركسية والدين: يكتسي استحضار هذه المعطيات التاريخية أهمية بالغة في فهم واستيعاب موقف الماركسية من الدين أولا. وثانيا في فهم واستيعاب موقف النظام الرجعي في بلادنا من الماركسية كنظرية ومنهج علمي عقلاني تسعى إلى تحرير الإنسان من العبودية والاستغلال المادي والمعنوي. وعندما نقول أن الماركسية تسعى إلى تحرير الإنسان من العبودية والاستغلال المادي والمعنوي فإننا نعني بذلك تحرير العمال والفلاحين من الاستغلال الإقطاعي والرأسمالي إبان ظهور الفكر الماركسي خلال نهاية القرن الثامن عشر، حيث كانت الإقطاعية والرأسمالية آنذاك متحالفة مع رجالات الدين، سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي. ونشير في هذا الصدد إلى نقطتين أساسيتين فيما نحن بصدد الحديث عنهما في هذا المحور: النقطة الأولى: وهي أن الماركسية ما هي إلا نظرية علمية عقلانية تروم إلى تأسيس وإنشاء مجتمع خال من العبودية والطبقات، مجتمع مبنى على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج (التعاونيات مثلا من صميم الاشتراكية وليس الرأسمالية)، ومن هذا المنظور فإن الماركسية ليست عقيدة تسعى إلى مناهضة الأديان ومحاربة الله كما يروج لها الرجعيون والظلاميون، ولكونها كذلك(= الماركسية) فإن العدو الرئيسي للماركسية هي الأنظمة الإقطاعية والرأسمالية وليس الدين. ولكونها أيضا (= الماركسية) ظهرت في المجتمع الرأسمالي المتعدد الديانات والقائم - أساسا- على استغلال الإنسان من جهة، واستغلال الدين من جهة ثانية، وذلك من أجل توطيد هيمنة الطبقة الارستقراطية آنذاك، فكان عليها (= الماركسية) من الضروري تحديد موقفها من الدين عموما، ومن الإيديولوجية الدينية تحديدا. وبصفة عامة، يمكن القول أن موقف الماركسية من الدين يتوفر على شقين؛ بمعنى أنه يتكون من موقفين أساسيين، الأول يتميز بالتسامح والاحترام، والثاني يتميز بالرفض والمناهضة المطلقة (خاصة لدى الماركسيين الملحدين)، وبعبارة أخرى نقول أن الماركسية تحترم الدين عندما يظل في مستواه الروحي والشخصي، كمعتقد إيماني خاص بالفرد ولا يتجاوزه إلى مستويات أخرى، كالمستوى السياسي والإيديولوجي مثلا، حيث يتحول آنذاك في نظر الماركسية إلى أداة لقهر الإنسان واستعباده في نهاية المطاف، بحيث أنه يمارس (= الدين) في هذه الحالة نوع من التضليل والتمويه الايدبولوجي دون اخفاء طابعه الطبقي الرجعي عندما يتحول إلى إيديولوجية سياسية. وهذا الانتقال يحول الدين إلى عقبة في وجه تقدم وتحرر الإنسان من كل أشكال التبعية والاستعباد من وجهة نظر المركسية. وما ينطبق هنا عن المسيحية ينطبق تماما عن الإسلام حيث تحول هو أيضا إلى أداة إيديولوجية قوية وفعالة في يد رجال السلطة( = رجال الدين) لبسط إرادتهم وتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية، وذلك مند تأسيس الدولة العربية الإسلامية مع بداية القرن الأول الهجري، وامتدادها بعد ذلك في التاريخ الإسلامي إلى حدود يومنا هذا ، حيث عملت الدولة العربية الإسلامية، وبصفة إجمالية، على نشر الخرافة والشعوذة وتكريس التخلف والاضطهاد بكل أنواعه، ومنها على سبيل المثال فقط نشر ودعم الزوايا من جهة و نشر ثقافة الشرفاء والشعوذة/ السحر من جهة ثانية، بالإضافة إلى نشرها لثقافة الاستبداد والخضوع عبر قولها بمسألة القضاء والقدر. وفي هذا المستوى من النقاش والتحليل تكون الماركسية ترفض الدين فقط عندما يتحول إلى إيديولوجية سياسية حيث جرى استخدام الدين لإحكام السيطرة وإسباغ الشرعية على الأنظمة السياسية الرأسمالية، ومنها الأنظمة العربية، ولا تناهض الدين باعتباره شأنا خاصا بالفرد على النحو الذي اشرنا إليه سابقا. ومن هذا المنطلق فإن الماركسية - مبدئيا - لا تلغي الحق في تبنى أي معتقد ديني. وما تجدر الإشارة إليه في هذا المضمار هي أن مقولة " الدين أفيون الشعوب " التي تنتسب إلى كارل ماركس، والتي عادة ما يتم استعمالها من قبل خصوم الحركة الماركسية لتشويه خطابها ومرتكزاتها العلمية والفلسفية، وخاصة فيما يتعلق بموقفها من الدين كما قلنا سابقا، يتم استعمالها – أي مقولة " الدين أفيون الشعوب " – خارج إطارها وسياقها أولا، وثانيا هي أن هذه المقولة لا تختزل موقف الماركسية من الدين، خاصة في جانبه الروحي والشخصي. والنقطة الثانية هي أن الأمازيغية ليست حركة قومية عنصرية تسعى إلى الانفصال وتأسيس وطن خاص بالشعب الأمازيغي، وإنما هي حركة وطنية سياسية ديمقراطية تسعى إلى أعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية في أبعادها المتعددة، ومنها البعد التاريخي، واللغوي، والثقافي، والجغرافي، والتراثي و..الخ، وباعتبارها كذلك؛ أي أنها حركة وطنية سياسية ديمقراطية ، فإنها تساهم إلى جانب كل القوى الوطنية الأخرى، التي تشاركها نفس القيم والأهداف في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي يتسع لجميع المغاربة بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية واللغوية والجنسية بصرف النظر عن انحداراتهم الجغرافية والعرقية كذلك. مجتمعا قائما على مبدأ الحرية والمواطنة والمساواة بين الجميع وليس مجتمع التبعية/ العبودية والتقديس والاضطهاد، ومن هذا المنظور فان الأمازيغية لا تناهض الدين( = الإسلام) أو العرب كما يتوهم المناهضين لها ؛ أي المناهضين للحركة الأمازيغية. الأمازيغ الماركسيين وتهمة الانفصال: إذا كان المركسيون المغاربة، بشكل عام، يتهمون بالكفر والإلحاد لكونهم يتبنون الفكر الماركسي في صراعهم السياسي والاجتماعي ضد النظام الملكي الرجعي في بلادنا، ويرفعون صور ماركس ولينين وغيرهم من المفكرين المركسيين، بل ويرفعون أيضا علم الاتحاد السوفياتي سابقا كتعبير رمزي عن انتماءهم الفكري والإيديولوجي، فإنهم اليوم يتهمون بالطائفية والانفصال لكونهم يرفعون الآن صور ماسينيسا، ويويا، وداهية وعبد الكريم الخطابي وغيرهم من أبطال وزعماء تامازعا. ولكونهم أيضا يرفعون علم جمهورية الريف ، حيث عادة ما يتهم الأمازيغ بالانفصال والمؤامرة على وحدة الدين والوطن. خاصة عندما يكون ذلك الأمازيغي ماركسيا في تفكيره وقناعاته وتوجهاته الإيديولوجية وقادم من قلب الريف المغربي حيث تقوم الدنيا ولا تقعد. وهذا ما لاحظناه على هامش انتفاضة ايث بوعياش، عندما رفع شباب هذه البلدة المنسية (= ايث بوعياش) العلم الأمازيغي عموما، وعلم جمهورية الريف خصوصا، حيث تحول الحديث (إعلاميا واجتماعيا) مباشرة عن الانفصال والمؤامرة في الوقت الذي كان يجب أن يتمحور الحديث حول قضايا وأمور أخرى أكثر أهمية في تصورنا من الحديث عن الانفصال والمؤامرة التي لا تؤكدها أية حجة مادية ، وهو حديث يهدف في العمق إلى تحقيق أمرين أساسيين في تقديرنا المتواضع. الأول هو محاولة تشويه نضالات ساكنة ايث بوعياش حيث سيتبرأ منهم باقي المواطنين، ومنهم المواطنين الريفيين أنفسهم، وثانيهما هو محاولة تبرير التدخل الهمجي للقوات المخزنية في حق ساكنة ايث بوعياش. بعض المراجع المعتمدة في انجاز هذه المقالة: 1: انظر بهذا الخصوص كتاب " عبد الكريم الخطابي :التاريخ المحاصر " تأليف الدكتور علي الإدريسي – منشورات تيفراز – الطبعة الأولى 2007 – ص 32 -33 . 2: انظر أحمد الدغرني " المؤتمر العالمي للأمازيغيين: آراء ووثائق" 3: هناك العديد من الكتب والمقالات التي تتهم الأمازيغ بالانفصال والمؤامرة على وحدة الدين والوطن انظر على سبيل كتاب السيد عبد الحميد العوني " تسييس الأمازيغية والمؤامرة الصامتة حول العرش المغربي " منشورات عربية 4: نشير هنا أننا نتحدث عن الحركات والتنظيمات الماركسية ولا نتحدث عن الأشخاص، ومنها منظمة إلى الأمام التي تأسست يوم 20 غشت 1970 ومنظمة 23 مارس التي تأسست في سنة 1970 أيضا، وحركة لنخدم الشعب والحزب النهج الديمقراطي وغيرها من التنظيمات الماركسية المغربية . 5: انظر كتاب " الماركسية والدين من لاهوت التحرير المسيحي إلى لاهوت التحرير الإسلامي" إعداد وتقديم حسن الصعيب - منشورات الأفق الديمقراطي – الطبعة 2007 6: انظر كتب " لماذا انهارت الشيوعية" للكاتب المغربي عبد الكريم غلاب – منشورات دار الأفاق الجديدة المغرب- الطبعة الأولى 1991 . 7: نشير في هذا الصدد أن كوبا الاشتراكية مثلا استطاعت رغم فقرها وإمكانيات البسيطة أن تحقق نوع من العدالة الاجتماعية على المستوى الصحي والتعليمي وغيرها مقارنة مع العديد من الدول الرأسمالية ومنها المغرب. 8: نظر كتاب " ماركس ونقده للسياسة " ترجمة جوزيف عبد الله – منشورات دار الفارابي للتنوير – الطبعة 2008. 9: نشير هنا أننا نتحدث هنا في هذه المقالة عن الماركسية كنظرية علمية وليس عن الماركسية كعقيدة ومذهب سياسي وهذا التمييز مهم جدا لفهم عن ماذا نتحدث وماذا نريد من هذه المقالة. ومن جهة أخرى نحن لا ندافع هنا عن الماركسية كنظام سياسي الذي لنا فيه كلام آخر. 10: انظر على سبيل المثال حول هذا الموضوع كتاب محمد الطوسي " الملكية والإسلام السياسي في المغرب" أو كتاب " الإسلام السياسي في المغرب " للدكتور محمد ضريف، وكتاب " في الهوية الأمازيغية للمغرب" لصاحبه محمد بودهان – منشورات تاويزا – الطبعة الأولى 2011 . 11: انظر كتاب " منظمة "إلى الأمام" النشأة.. التطور .. الامتداد " إعداد وتقديم حسن الصعيب وعبد المومن شباري – الطبعة الثانية 2003 – ص 35