بادر مجموعة من الشباب المنحدرين من الريف في الآونة الأخيرة إلى تأسيس "منتدى الكفاءات الريفية الشابة" بالعاصمة الرباط ، وذلك تحت تأطير جمعية الريف للتضامن والتنمية، المعروفة اختصارا ب "أريد"، التابعة طبعا لحزب الجرار الذي بدوره تقوده كفاءات ريفية شابة، ذات وزن مهم على صعيد الساحة السياسية الوطنية. فهذه المبادرة "الطموحة" شكلت حدثا نوعيا وبارزا في منطقة الريف، حيث تراوحت المواقف حولها، بين من يراها بداية طموحة ورافعة أساسية للتنمية بالريف، ومن يراها إطارا رجعيا قائم على خدمة أجندة سياسية، تسعى لأهداف فئوية معينة ورجعية، لا تمت بأية صلة بالمشروع التنموي للريف، في إشارة واضحة إلى الجرار ومن لَفَّ لفه من بعض أعضاء المنتدى، اللذين كانوا بالأمس القريب متمركسين ومتأمزغين، فارتدوا بين عشية وضحاها، وصاروا يمتطون صهوة الجرار، بمبادئ قديمة- جديدة، وظلوا يعيشون حالة انفصام قيم المبادئ والمواقف الشخصية، حسب وصف هذا التيار طبعا. فهذا التناقض القائم حول هذه المبادرة، جعلنا نهتم بالموضوع على نحو ذي أبعاد متعددة، وذلك حتى نتمكن من تأطيره في قالب بسيط ينم عن أهداف وغايات المنتدى حسب التصورين معا (المؤيد/المعارض). وذلك انطلاقا من الإشكالية الرئيسية: هل مشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة مبادرة تنموية طموحة أم أنها شيزوفرينية سياسية محضة قائمة على مصالح خاصة وضيقة ؟؟ تقتضي الإجابة عن هذه الإشكالية الأساسية تقسيم المقال إلى إشكاليات فرعية يمكن أن ندرجها في قالب من التساؤلات البسيطة، وهي كالتالي: ما هو السياق العام الذي يأتي فيه تأسيس هذا المنتدى؟ وما هي أهداف وغايات المنتدى؟ ومن هم الفاعلون الأساسيون الذين يشتغلون فيه ويشتغلون حوله ؟ وهل أعضاء المنتدى فعلا أكفاء أم أنهم مجرد أشخاص يخدمون أجندة معينة ؟؛ وإذا كان مشروع المنتدى هو تنمية الريف اقتصاديا واجتماعيا، فلماذا يدرجون المعتقلين السياسيين المحسوبين على بعض الجهات، ضمن مطالبهم الواردة في البلاغ الأخير للمنتدى؟ ولماذا يؤكدون على أن تكون محاور التنمية بناءً على دراسات وأبحاث وندوات جمعية "أريد"؟ أليس أنهم طاقات شابة وكفاءات قادرة على القيام بالدراسات، الأبحاث، الندوات، والمؤتمرات خدمة للتنمية بالريف وبعيدا عن جمعية "أريد" ؟؟؟. هذه أسئلة ومن ضمن أخرى، سنحاول قدر الإمكان، الإجابة عليها ضمن هذا المقال، باستحضار تصورات رواد المنتدى ومواقف المعارضة. 1. مشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة.. سياق خاص وغايات متعددة يأتي مشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة في سياق زمكاني حساس وضمن مشهد سياسي خاص، يتسم من جهة بالاستمرارية في تقوية هياكل بعض المؤسسات الحزبية، ومن جهة أخرى بالظرف الزماني الذي يؤشر على سباق الاستحقاقات الجماعية المقبلة، علاوة عن المؤشر المكاني الحساس الذي يحتضن ميلاد مشروع المنتدى. فهذا المؤشر الأخير، يفيدنا برسالة واضحة فحواها أن المنتدى من صنع "جمعية أريد" النافذة المدنية الأساس، لشخصيات سياسية بارزة في المشهد السياسي المغربي، مما يعني أن هذا المشروع "مشروعا سياسيا بامتياز" قائم على أهداف حزبية متعددة. وإذا كان الجرار سائر في استكمال مشروعه الطموح، المتمثل في بناء هياكل حزبه، كمشروع تأسيسه لمنتدى الطلبة الباميين خلال مؤتمره الوطني بسلا في 07 شتنبر2012، ونيته تأسيس الشبيبة الحزبية في الأمد القريب...؛ فإن في هذا رسالة واضحة المعالم، مفادها أن مشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة، يأتي في هذا السياق بالذات: أولا- لخدمة الاستحقاقات الجماعية المقبلة؛ وثانيا- وهو الأهم- إيجاد موطئ قدم للطلبة الباميين داخل رحاب الجامعات، ولهذا الغرض بالذات شارك العديد من الطلبة في مشروع تأسيس المنتدى. هذا، بالإضافة إلى سعي الجرار إلى إيجاد قاعدة شابة قادرة على التأطير وقادرة على خدمة المشروع المجتمعي للحزب .!!!! أما فيما يتعلق غايات وأهداف المنتدى فهي تبدو على العموم -وحسب بلاغ اللجنة التحضيرية- مشروعا تنمويا طموحا، قائم على أهداف تنموية لا يستهان بها، من قبيل رفع الحيف التاريخي على منطقة الريف؛ ودعوة الحكومة إلى الانخراط في المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقها الملك بالمنطقة؛ ودعوتها كذلك إلى تنفيذ فوري لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الخاصة بجبر الضرر الجماعي؛ ثم الهدف الأهم وهو دعوة الحكومة إلى إعداد دراسة شاملة حول اقتصاد المنطقة بإسنادها إلى مكاتب الدراسات !!!؟؟؟ عن أي كفاءات نتحدث إذن ؟؟؟ منتدى الكفاءات الريفية الشابة بملء فمي، بينما الدراسات حول المنطقة تسند إلى مكاتب الدراسات ياآآآآ لها من غرابة!!!!!!، وإن ما يجعل الآخرون، يقرون بتسييس المنتدى مثل هكذا غايات وأهداف ولاسيما قضية المعتقلين!!!، من هنا نستنتج بأن المشروع مشروع سياسي بامي. هكذا يعلق ويهاجم التيار المعارض للمنتدى، بينما التيار الآخر المؤيد طبعا للمنتدى، ينفي جملة وتفصيلا هذه التلفيقات، الواردة في السياق التأسيسي أعلاه، ويعتبر كل هذه التلفيقات فلسفة مرضية نابعة من أهداف طوباوية انهارت مع انهيار سور برلين عام 1989، وتعتبرها كذلك تيار هدام لا يريد خدمة مصالح الريف، وإنما بكل بساطة من ذوي "حراس المبادئ من المنارة العالية". هكذا يعلق أحدهم ويرد على الهجوم بكل سلاسة ولباقة.
2. المنتدى .. مشروع تنموي أم انفصام في قيم المبادئ يعلق التيار المؤيد ويصف المنتدى بأنه مشروع مجتمعي ذو قابلية كبرى على تنمية الريف، من خلال تعدد كفاءاته سواء على مستوى تخصصاته العلمية أو على صعيد أصوله الجغرافيا؛ إذ يرى إمكانية قصوى في خدمة المصالح التنموية للمنطقة، بعيدا عن التجاذبات السياسية، ولاسيما أن تعدد الكفاءات الريفية المنضوية تحت لواء المنتدى، كفيلة لأحداث تغطية شاملة لسائر بقاع وأصقاع الريف، وبالتالي، هذا سيساعدنا على إحداث تنمية حقيقة شاملة ومندمجة، بعيدة عن المقاربات القطاعية، بالاعتماد طبعا على مقررات الوثيقة التوجيهية للمنتدى. هذا؛ ويضيف التيار بأن هنالك اكراهات حقا وبخاصة طبيعة طبوغرافية المنطقة ذات الطابع الجبلي، التي لا تسمح بتنمية مجالية واسعة، كتسريع وثيرة أشغال الطريق السريع الحسيمة–تازة؛ والعمل على استقدام الخط السككي إلى الحسيمة؛ وتسريع تنفيذ مقررات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بجبر الضرر الجماعي؛ والعمل ما في وسعنا على احداث تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة تستجيب ومتطلبات الحاجيات المحلية بالريف. ومن جهته، يعود التيار المعارض، ليصف المشاركين في مشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة، بالشيزوفرينية السياسية وأنهم يعانون حالة من انفصام قيم المبادئ والمواقف الشخصية، وأنهم أصبحوا تائهين في بحر لا يعرفون كيف يسبحون لكي ينجون. ويضيف التيار، نحن نستغرب المرض الذي أصاب هؤلاء والذي دفعهم إلى الانقلاب الجذري على قيم المبادئ والمواقف التي كانت متذبذبة أصلا، ويصفون المرض ب "الزهايمر الحقيقي"، تناسى عليهم "المبادئ الإنسانية" التي تعلموها في رحاب الجامعات حسب قول التيار. هكذا تولدت مجموعة من المفاهيم، فتارة تقرأ بأن أعضاء المنتدى مجملهم انتهازيون، ركبوا المنتدى لأهداف شخصية ضيقة، لا علاقة لها بالمشروع التنموي للريف، وتارة أخرى، تشاهد عبارات الحقد والسب والشتم في حق أعضاء المنتدى، لا لشيء، لأنهم فقط انخرطوا في التأسيس وانقلبوا على قيم المبادئ، هكذا يكتب آخر. 3. فاعلون بأهداف تنموية طموحة.. وآخرون بغايات سياسية مبطنة يحوم حول مشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة، فاعلون متعددون وفي أهدافهم مختلفون، فنجد شخصيات لا منتمية سياسيا ولا حزبيا، ذات توجهات تكنوقراطية، هدفهم الوحيد والأوحد في المنتدى، جعل هذا الأخير نبراسا منيرا للمشاريع التنموية بالريف، وهي الشخصيات ذاتها التي مرت بالجامعات مرور الكرام، بنوع من التجانس في المبادئ والمواقف، وعدم التموقع والتموقف السياسي داخل الجامعات، سواء في اتجاه الراديكاليين اليساريين أو الإسلاميين السياسيين، أو المتأمزغين القوميين. هكذا يفسر لنا أحد رواد التيار المعارض، قبل أن يضيف قائلا: أعتقد أن هذه الفئة كانت لها نيات ايجابية للعمل داخل المنتدى، وأعتقد أن أهدافها تنموية واضحة حسب نياتها، إلا أنها وبكونها غير متمرسة مسبقا، ستلقى أحلامها وأهدافها عرض الحائط ، وستصبح في خبر كان، لأن هناك من التماسيح والعفاريت ما يكفي لإجهاض غاياتها حالا. ويعلق أكثر هذا التيار، إن المنتدى جاء بغايات مبطنة تحمل مشاريع سياسية كبرى، بدءا من أعلى الهرم نزولا إلى أدناه، أي من الجرار مرورا "بأريد" وصولا إلى المرتدين من المتمركسين والمتأمزغين، الذين شاركوا في المنتدى لغايات مبطنة بالمصالح الشخصية الضيقة، أو كما يصفهم رواد هذا التيار ب "الانتهازيين البرجماتيين" اللذين ضاق عليهم الحال، فاتجهوا صوب المنتدى، لعله يرحم ويشفع للنفاذ إلى الجرار، وامتطاء عربته الصغيرة، أملا لتحقيق سمو أهدافهم وغاياتهم، حتى تنفع ردتهم السياسية، التي تركت الويل والعار لوارثيهم في الجامعات ممن أتوا من بعدهم، هكذا يُلح آخر. على سبيل الختم، وبناءً على ما ورد في هذا المقال من مواقف متناقضة، ما بين مؤيد لمشروع تأسيس منتدى الكفاءات الريفية الشابة بغايات تنموية طموحة قادرة على النهوض بالريف نحو مستقبل أفضل وواعد، وما بين معارض للمشروع، لاعتبارات سياسية محضة، نابعة بالأساس من الردة السياسية، واعتبار المشروع حدث سياسي بامي، ذو أهداف وغايات سياسية لا علاقة له بالمشروع التنموي للريف. تلكم هي قراءات وانتقادات المعارضة وتلكم هي الأهداف والغايات الطموحة للمنتدى. لكن يبقى الأمل، هو تظافر كافة الجهود، كل من موقعه الخاص، وكل حسب قدراته وإمكاناته الخاصة، لنتجند معا وراء هدف واحد هو: إخراج الريف العزيز، من ويلات التهميش وقلاقل العزلة، نحو مستقبل مشرق وواعد.