اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي        "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    الدار البيضاء.. اعتقال شخص مبحوث عنه وطنياً تسبب في دهس مجموعة من المواطنين بسيارته    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروعية الدين والعلم
نشر في شبكة دليل الريف يوم 27 - 09 - 2012

الإسلام والعلمانية بين الذاتية والموضوعية متابعة حوار فكري مع محمود بلحاج . الجزء الثاني : مشروعية الدين والعلم.
يقول بلحاج في معرض حديثه عن الدين والعلم ((فكر ة الانسجام والتوافق بين الدين والعلم التي تحتاج إلى شيء من التدقيق )) معلقا على كلامي " إن الدين والعلم لايتناقضان , وبالتلي فإن للدين والعلم هدف واحد : كلام م,ح " مضيفا ((يكون التوافق الذي يتحدث عنه الحقوني ينحصر في مجال إصلاح المسلمين فقط وليس البشرية كلها ..........والدين فب اعتقادنا يجب أن يكون في خدمة الانسان والعلم وليس العكس ........ التوافق الذي يتم الحديث عنه يكاد ينحصر في مجال العلوم التي لاتتعارض مع الاسلام .......مسألة العلم غي الفغكر الاسلامي عموما , وفي الفكر الديني خصوصا يعتبر قدرا ......الحديث عن الاصلاح يقتضي وجود شيء فاسد وهذا الشيء ناتج بالضرورة عن ابتعاد وتخلي البشر عن التعاليم الدينية .......وبالتالي فإن كل اختراع علمي خارج السياق الديني يعنبر بدعة ضلالة ....... الدين والعلم شيئان مختلفان كليا حيث ساهم الأول (=الدين ) في دمار الانسان وتعاسته ,والأمثلة على ذلك كثيرة جدا , بينما ساهم الثاني (=العلم ) غي نطور الانسان وسعادته وازدهاره )) .
أوردت هذا النص للأستاذ بلحاج حتى يكون شاهدا على نفسه ,
يقول بأن الدين ينحصر في مجال إصلاح المسلمين فقط , وليس البشرية كلها , هذه بالضبط رؤيته التي تحدثت عنها سابقا , هذه الرؤية التي تدل على أن هذا النوع من الفكر هو نسخة عن فكر آخر غائب أو مغيب , منطلقه أن الدين الاسلامي هو دين لفئة من البشر أسماهم هو بالمسلمين أما الآخرين فلهم دينهم, لذلك فانحصار الاسلام , عنده , أمر ضروري , ونسي أو تناسى أن أهل هذه الفكرة الأصليين ,وهم البعض من أهل الغرب يطلقون في المقابل بعثات تبشيرية للدين المسيحي في إفريقيا كلها , ومنها بلدة الحسيمة , ولكن بلحاج لايشير إلى هذا , ربما لأنه علماني مسلم وليس علماني مسيحي .
أقول: إن دين الاسلام هو دين الله , ولجميع النشر " إنا أرسلنكا رحمة للبعالمين " (7) .ثم وضع الانسان في موقف الاختيار " فمن شاء فاليومن ومن شاء فاليكفر "(8) .فلا يحتاج المؤمن إلى نظريات علمية لإثبات إيمانه, ولكنه يحتاج إليها حيثما ينظر في علاقة البدين بالعلم الذي يرى فيه صاحبنا أن الدين يجب أن يكون في خدمة العلم وليس العكس , هذه هي المفارقة التي لم أجد لها مرجعية في الفكر الغربي الحداثي , فماذا يقصد بوجوب خدمة الدين للعلم ؟
إنني أرى وبكل تواضع أ ن للدين والعلم هدف واحد, هو خدمة الانسان , وبالتالي فلا تعارض بينهما , فكل منهم يخدم إنسلانية الانسان , ولا أدل على ذلك من كون أن الخالق هو الذي اختارالدين لخلقه , فهو عقيدة وعمل وسلوك , والبحث العلمي في إطار الضميرالاسلامي فيه سعادة للبشر , وهو لايؤخذ من النصوص التشريعية الأخلاقية , وإنما يكون بالبحث , حسب الحاجة " أنتم أدرى بشؤون دنياكم " (9) فالدين الاسلامي مرجعية عامة يقيس علها العالم المسلم سلوكه في تعلمه وإنتاجه العلمي حيث يتم توظيف نتائج العلم في إسعاد البشرية , ومع غياب الوازع الديني (= الضمير بلغة أهل الصين ) يمكن توظيف نتائج هذا العلم في تدمير الانسان , وليست نتائج العلم وحده التي تندرج تحت هذه المسألة , بل الموجودات الطبيعية ,التي لم يخلقها خالقها عبثا , كالنباتات مثلا يمكن للإنسان أن يختار منها مل يفيد أو يختار ما يضر , وذلك طبقا للمرجعية التي يمشي المتصرف في الطبيعة وفقها , إسلامية / إنسانية كانت , أو برجمانية / شوفينية . فماذا يقصد بلحاج بقوله ((إن التوافق الذي يتم الحديث عنه إسلاميا , يكاد ينحصر ( التشديد مني : م,ح)في مجال العلوم
التي لاتتعارض مع الاسلام ))هكذا يطفو الغموض مرة أخرى , فلا أعرف علوما تتعارض مع الدين الاسلامي الحنيف , اللهم ما يتم تسخير نتائجة في أعمال برجماتية / كولونيالية, كما أسلفت , وهذا يتعلق بمرجعية المتصرف في نتائج العلم , ولا يتعلق بالعلم , فالعلم في أصله رحمة للبشرية , ولولا ذلك لما أذن لنتائج هذا العلم أن تظهر , ولما جعل تعلم العلم فريضة كفائية في التخصص , وعينية في البحث عن العلم بصفة عامة , قال رسول الله , ص , " العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " . ثم يوسع الكاتب في مقاله , ويورد نصا للغزالي , إذ يقول (( فقد ألقى الله تعالى إلى عباده , على لسان رسوله عقيدة هي الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم , كما نطق بمعرفة القرآن والأخبار ثم ألقى الشيطان في وساوس المبتدعة أمورا مخالفة للسنة , المخالفة تعني الضلال , حسب رأي الأستاذ الحقوني , فلهجوا بها , وكادوا يشوشون على عقيد الحق على أهلها , فأنشأ الله طائفة من المتكلمين وحركوا دواعيهم لنصر السنة )) . إ نتهى كلام الغزالي ........ يضيف بلحاج ((إن مسألة العلم في الفكر الاسلامي عموما , وفي الفكر السني خصوصا , يعتبر قدرا كما هو واضح في النص السابق للغزالي , بمعنى أن العلم موجود في كتاب الله , وبالتالي فإن مهمة الانسان هي إكتشاف العلم فقط وكل اكتشاف خارج السياق الديني يعتبر بدعة في نظر القائمين على الدين )) .
أتساءل : بأية رؤية يرى بلحاج هذا المعنى في نص الغزالي (=العلم موجود في كتاب الله ) , وليس في النص الذي أورده كلمة "علم" , وإن وجدت في نصوص أخرى للغزالي ( = راجع : إحياء علم الدين المنقذ من الضلال = كتب للغزالي ) فهو يقصد العلوم الشرعية المعروفة , وليس العلوم التجريبية , ثم أنه كيف نسب إلي شرح كلام الغزلي المخالفة تعني الضلال , حسب رأي الأستاذ الحقوني , مع أني لاأرى هذا أبدا بل أرى أن الغزالي , يقصد بالمخالفة , كما فهمت من نفس الكلام للغزالي هو: المساس بالعقيدة فكيف نسب إلي بلحاج ما نسب ؟ . ثم أن بلحاج استشف من كلام الغزالي أن مسألة العلم في الفكر الاسلامي(( تعتبر قدرا كما هو واضح في النص السابق للغزالي)) , فبأي رؤية يرى ذلك ؟ وكيف؟ يضيف بلحاج (( إن الدين يحاول تكريس الواقع السائد عبر إصلاح بعض الجوانب التربوية والأخلاقية في المجتمع , دون أن يعني ذلك علميا وعمليا بأن التربية خارج النسق الديني خاطئة وفاسدة كما يعتقد عليه المسلمون )), هكذا ونسي بلحاج أن المسلمين الأوائل هم السباقون إلى العلوم التجريبية والرياضية , كما سياتي ذكره . إن كلام صاحبنا يشبه إلى حد كبير كلام بعض المهاجرين الذين كان أغلبهم فلاحين, وساقهم القدر إلى أوروبا الغربة بحثا على تحسين الظروف المادية , في السبعينات والثمانينات حيث التقوا ببعثات من المهاجرين قادمة من الشرق خاصة والعالم الاسلامي عامة بسبب الظروف السياسية التي طغت بعد اغتيال الرئيس المصري , أنور السادات , ومن باكستان وأفغانستان , وبها تأثر مهاجرونا الفلاحين وتعلموا منها الأمور الفقهية البسيطة المتعلقة بالصلاة والحج , لكن هذه الفئة من المهاجرين اعتقدوا أنهم أوتو العلم كله , فراحوا يصولون ويجولن في كتاب الله وسنة رسول الله جهلا , وأصبحو متعصبين لأفكارهم ورؤاهم (=جهلهم ) , ويطلقون اللحى عى صدورهم , ويكفرون كلا من ليس له لحية , ولا يلبس العباءة .
والكلام الذي يقوله بلحاج عن العلم / البدعة وانتساب كل علوم الدنيا إلى القرآن هو كلامهم , ولا ألومهم فهم في الأصل فلاحين أميين , لكن اللوم على من يتهم الاسلام بالباطل , وبعتقد بأن الكمال المعرفي أو المعرفة المطلقة , هي فقط المعرفة الغربية , ويتم إعطاء للمعرفة مفوهما مقيدا بالمكان ,ونسوا أو تناسوا أن المعرفة " تعني كذلك استخلاص المعرفة الصافية من ضوضاء شحنة المعلومات الحاملة لها , فكما يمكن أن تضيع الحكمة في خضم المعرفة .........يمكن للمعرفة هي الأخرى أن تضيع في خضم المعلومات , إن المعرفة هي التي تحقق التواصل بين أفراد المجتمع من خلال اتفاقهم على معانيها , وقبولهم بحقائقها " (10). ثم يضيف صاحبنا ((فالحديث عن عدم وجود تناقض بين الدين والعلم , دون تقديم توضيح في الموضوعي "يسقط " في متاهات فكرية لانهاية لها , كما أسلفنا القول كما أن الشواهد التاريخية تؤكد مانحاول توضيحه هنا , وهي أن الدين والعلم شيئين مختلفين كليا"حيث " ساهم الأول(=الدين ) في دمار الانسان وتعاسته , والأمثلة على ذلك كثيرة جدا بينما ساهم الثاني (=العلم) في تطور الانسان وسعادته )).
أفضل أن لا أناقش الكاتب فيما علق به على كلامي بكونه يضع القارئ في متاهات فكرية لانعدام توضيح المسألة المتعلقة بارتباط الدين بالعلم ,حسب قوله , ولكن سأسا ئله حول مسألة أن الين (وهو يقصدالاسلام لأنه محور النقاش ) الدين ساهم في دمار الانسان , ودون أن أطلب منه التوضيح كما يفعل , والتوضيح يحتاج إلى صفحات قد تفقد الموضوع صبغة الوحدة الموضوعية , ولكن أرجع بالكاتب , من جديد , إلى فجر الاسلام , عصر كان فيه المجتمع المكي خصوصا والمجتمع العربي عموما حيث ساد نمط إنتاج عبودي غريب الأطوار , حيث كان يعبد كل من طبقة الفقراء وطبقة الأعنياءآ لهة متعددة , فللأغنياء هبل والمال وللفقراء هبل ولأغنياء الأسياد , وكانت معاناة الفقراء لاتطاق . أسائل محمود بلحاج : كيف تحول هذا المجتمع من مجتمع فوضى إلى مجتمع منظم تحت راية واحدة وقيادة واحدة ,استطاعت أن تزعزع عروش مثل عرش كسرى أنوشروان , وعرش إمبراطور الروم ؟ أليس نور الاسلام من فعل ؟ أليس الاسلام من وحد بين أتباع الروم (=الغساسنة في شمال الجزيرة العربية), وأتبا ع الفرس (= والمناذرة في شمال شرق الجزيرة) وأتباع يالحبشة (= اهل اليمن في جنوب الجزيرة) ؟؟ ؟ .
الدين والعلم في خدمة المجتمع
يمكن أن نقول , وحسب رأيي ,إن مجتمع الجزير العربية كان مجتمعا ظلاميا , أطلق عليه الاسلام عصر الجاهلية , ثم أشرق نور الاسلام فحطم قواعد الظلم , فأنقذ البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , فكانت أول مسألة اجتماعية إهتم بها الاسلام , بعد ترسيخ التوحيد , هي العمل الصالح ( لاأقصد بالعمل الصالح: الصلاة والحج فقط كما يقول البعض, بل العمل الصالح هو كل عمل يستفيد منه الانسان وبقدم خدمة للبشرية , سواء كان عبادة أو أي خدمة مفيدة لصاحبها و للمجتمع ) , وأهم عمل صالح قام به الاسلام بداية هو: إنشاء مشروع عملية تحرير العبيد , حيث تعامل الدين الاسلامي ,مع هذه المسألة , بالحكمة والتدرج , كما فعل مع العادات السيئة الأخرى , كعادة شرب الخمر والميسر , فتحرر من الأوائل : عمار بن ياسر وبلال الحبشي , وغيرهم ( أنظر كتب السيرة النبوية ) , كما أن الاسلام جعل الظلم من أكبر المعاصي , حيث صاح رسول الله , ص, " الظلم ظلمات يوم القيامة " , وجاء في الحديث القدسي مل يلي " ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما فيما بينكم , فلا تظالمو" , وقال سيد المرسلين في حجة الوداع " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم , كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا". وفي موضوع العمل بين رسول الله ص أن العامل عنصر يقدره الإسلام ,ذلك من خلال الاهتمام به , حيث: " أدوا أجر العامل قبل أن يجف عرقه " وقال أيضا " ولاتكلفوهم بما لايطيقون , وإذا كلفتموهم فأعينوهم " , والمقصود بالتكليف ) كما يطلق عليه اليوم هنا : العمل خارج نطاق المتفق عليه ابتداء , ويسمى في زماننا (الساعات الاظافية ) (
, وفرض سيد المرسلين الأداء عليها بقوله " فإذا كلفتموهم فأعينوهم " كما اهتم الاسلام بالقاعدة الاجتماعية الأساسية , وهي الجبر بالخواطر والأخذ بيد المعوزين وأهل الغبن وخاصة اليتامى , فضلا عن توصيات الاسلام للحكام المسلمين بالاهتمام بمثل هؤلاء , حرم اللاسلام المساس بتركة اليتامى , وجاء في القرآن الكريم " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" ,قال سيد المرسلين " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين " وأشار بالسبابة والوسطى مفرجا بينهما . أما موضوع العلم فالدين الاسلامي لم يهمله بل ألح فيه , وجعله فريضة كفائية مجالاتية وأخبر أن " العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " / حديث شريف / وأمر بالتعلم قدر الإمكان " أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد " / حديث شريف / " أطلبوا العلم ولو في الصين " / حديث شريف / , وفي الفرآن الكريم آيات متعددة تستفز الإنسان للبحث فيما حوله , قال تعالى " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " وقال أيضا " يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لاتنفذون إلا بسلطان " والمقصود بالسلطان , العلم , وهكذا ولم يبين الاسلام نوعية أي علم بالتحديد حتى لا يكون علم معين هو المقصود فتهمل العلوم الأخرى , وترك ذلك الاختيارللإنسا ن عامة وللمسلم خاصة وتبعا لحاجته, وقدراته العقلية , حيث أن الخالق زود البشر بمراكز مهمة في الدماغ حيث مركز الذكاء ومركز الذاكرة ومركز تلانتباه , وحيث جعل كل مخلوق يمتلك قدرة من القدرات أو إثنتين أو الثلاث , فسبحان من خلق فسوى وقدر فهدى , كما أن العلم لم يهمل تعليم المرأة في الأمر بالعلم إذ أن النص السابق شمل المرأة أيضا , بل جعلها في مركز التوجيه في أخطر علم , من حيث قربه من ثبات العقيدة وهم العلم الشرعي فقال الرسول الكريم " خذوا نصف دينكم منهذه الحميراء " يقصد زوجه عائشة بنت أبي بكر الصديق ,رضي الله عنها . فبهذأ وبناء عليه إنطلق التعليم في جميع المجالات , فكان هناك علماء في الكيمياء مثل جارب بن حيان وفي الرياضيات أمثال الخوارزمي , وفي الطب إبن سينا وفي الفلك عمر الخيام وفي التاريخ إبن خلدون , وهذا فضلا عن علوم الشرع والفلسفة وعلوم اللغة , فمع أن العرب المسلين لم يكن منهم الكثير من هؤلاء العلماء , إلا أن تواجدها لم يخرج من دائرة الاسلام , ومحمود بلحاج أخاله يعرف هذا جيدا , ومع ذلك يصرح ويقول (( إن الدين الاسلامي دمر الانسان ..... ولاعلاقة تجمع بين الدين والعلم )) .
والعلم في الحقيقة أنقذ البشرية , وذلك في إطار موروث بشري تمتد جذوره إلى ما قبل الفراعنة , والمسلمون مساهمون بنصيب من العلم كذلك, فليس للعلم حدود معينة ولا زمن معين , فهو ليس عربيا ولا أعجميا ولا أمازيغيا ولا تركيا , ولا ,ولا , إنه منطلق قديم وساهم بشكل هائل في تقدم الأمم , ولكنه أيضا ساهم بشكل خطير في في تدمير الإنسان , حيث تم تسخيره في استعباد البشر (= خلق المستعمرات ) وكذا في قتل الأبرياء (= هيروشيما كمثال ) . وأنا لاألوم العلم . وأتهمه بأنه دمر البشرية فهذا نوع من الجهل بحقائق الأمور , بل ألوم من سخر نتائجه في أمور سلبية , كما لا ألوم الدين تماما, لكن ألوم البلدان التي تحتضن الدين ويستغله أعيانها في أغراض دنيئة .
ثم إن الكاتب قد أخذ علي قولي بصلاحية الدين الاسلامي للدولة , واعتبر أن تجربة الخلفاء الراشدين ليست (( النموذج الأمثل للتطبيق والاقتدار )) , ومع أنه لايجد أدنى تناقض بين العلمانية وسياسة الخلفاء الراشدين كما يقول (( لانجد أدنى تناقض وتعارض بين العلمانية وسياسة الخلفاء الراشدين والأمويين إذا ما دققنا النظر في التاريخ الاسلامي بشكل عفلاني )) كما يصرح هو , فإني لم أستطع التوصل إللى فكرة واضحة عن مقصود الكاتب , فعصر الراشدين مرة لايصلح للإقداء به ومرة لافرق بينه وبين العلمانية , ومع ذلك فأنا أحترم رأيه ولو أني أناقضه كليا ولا أوافقه .وذلك ليس تعصبا للمبدأ الديني, ولكن آخذا بما أعرفه في الموضوع , فالضمير الانساني الذي قاد المرحلة الراشدية , والذي جمع بين الدين والدولة وبما في ذلك العلم والمعرفة العلمية المشار إليها سابقا , كان يسكون منهاجا حقيقيا للتدبير السليم حيث " كان الوازع الديني يشكل منطلقا تأسست عليه الخلافة الراشدة , وتولدت عنه دولة الدعوة الواعية بمبررات وجودها باعتبارها سلطة تمارس نشاطها .(11). وكانت الانزلاقات التي تلت الجولة الراشدية أتت بنتائج عكسية " وفي ظل وازع العصبية الجديد . إنعكس هرم القيم الذي أصبح يحكم منطق السلطة السياسية ......وحول هذا التحول من وازع الدين إلى وازع العصبة ......يقول ابن الأزرق ( إن الوازع في أيام وجود الخلافة إنما كانت دينيا حقا ... وبعد انقلابها ملكا وخصوصا إلى العضوض منه ضعف ذلك الوازع ) ... واضح أن التبادل الذي حصل في طبيعة الممارسة إنما كان على مستوى المرجعية أي الخلفيات المؤسسة للعقل السياسي " (12) . ولقدألمح ابن خلدون في مقدمته إل فائدة الدين للدولة فيقول " إن الدولة العامة الاستيلاء (= المتحكمة في أمور الدولة ) العظيمة الملك أصلها الدين , أمن نبوة أو دعوة حق " (13)
ويرى بلحاج أن الشورى الاسلامية تعتمد البيعة في اختيار الحاكم أما الديمقراطية فتعتمد اختيار الجماهير , وأنا لاأناقش أخطاء ما نقول عنه ( الديمقراطية ) رغم أن الجوهر فيها مفيد, ويمكن جدا أن تعمل به الدولة الاسلامية باعتبار ذلك موروث بشري , لكن أتساءل معه حول ماذا كان سيفعل هو لو صادف ذلك الزمن (=العصور الوسطى) حيث ما نقول عنه " البيعة " كان النموذج السائد في تلك الأصقاع (= الجزيرة العربية وما يحيط بها : مصر الشام فارس الروم ......) وكانت أمم يسيطر فيها الظلم( الروم / عهد الامبراطور أدريانو عهد كاراكولا عهد نيرون , وأمم تتحاكم إلى العقل والعدل (=مصر في عهد الفرعون خوفو والملك أخناتون ) , كان هذا ضاربا في عمق القدم واستمر مع العصر الوسيط , وكانت الدولة الإسلامية الراشدة النموذج الآخر للعدل .
وما آخده على بلحاج هو ليس نظرته إلى الديمقراطية كنموذج سياسي صالح ولكن أناقضه ما يقوله عن مبدأ الشورى في ضحى الاسلام , أنه لم يكن نموذجا للعدل , كما آخد عليه إعتباره أخطاء البشر هي أخطاء في الدين الاسلامي , لأننا لو سلمنا بمثل هذا , حيث يؤخذ كل مبدإ بأخطاء أصحابه فلن يبقى معنا لاشورى , ولا ديمقراطية , ولادين ولا علمانية , لأن كلا منها منظومات ومفاهيم إستغلها بعض من يحسبون عليها للمصلح الخاصة وفي الأغرا ض الدنيئة .
أنهي هذه السطور وأنا أتمنى أن يتنبه الناس إلى أخطائهم وأن يستفيدو منها كما ويستفيد غيرهم , ولا يكون ذلك إلا بالرغبة الواعية في التغيير " إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (14) , " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم , وإن أسأتم فلها" "وما ربك بظلام للعبيد " . (15)

الهوامش
(7) آية قرآنية
(8) آية قرآنية
(9) حديث شريف
(10) د . نبيل علي / العقل العرب ومجتمع المعرفة / الجزء الأول / سلسلة عالم المعرفة / عدد 369 / بوفمبر 2009 / ص : 66 .
(11) د محمد أمزيان/ الفقه السياسي مقاربة تالايخية / ط 1 / 2001 / ص 34
(12) نفس المرجع والصفحة
(13)النص مأخوذ من كتاب : مفهوم العقل لعبد الله العروي / ص 194
(14) آية قرآنية
(15) قرآن كريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.