محمد الحنفي / بالنسبة لتونس، ومصر، نجد أنه، عندنا هنا في المغرب، لا زال من يراهن على اللجوء إلى وصف المخالفين بالكفر، والإلحاد، من أجل احتلال مكانة بارزة في المجتمع، لا لأن الموصوف كافر، أو ملحد فعلا، بإنكاره لوجود الله، بل لأنه انقد ظاهرة أريد لها، وعن قصد، أن تصير جزءا لا يتجزأ من الدين الإسلامي، الذي يعتبر بريئا منها، براءة الذئب من دم يوسف، كما يقولون، وهذه الظاهرة، التي أريد لها أن تلتصق بالدين الإسلامي، هي ظاهرة اعتماد مكبرت الصوت، على صوامع مختلف المساجد، وفي مختلف المدن، والقرى، وعلى مدى التراب الوطني، والعربي، والإسلامي، لا للآذان فقط، من أجل الإعلان عن أوقات الصلوات الخمس، باعتبار ذلك يشكل غاية من وراء الآذان؛ بل لنقل الصلوات الخمس، ونافلة التراويح، وصلاة، وخطبة الجمعة، فكأن الناس يصلون وراء الإمام من بيوتهم، مع أننا نعرف أن صلاة الجماعة، لا تصح إلا بالحضور إلى المسجد، وعندما كان المسجد يلعب دورا اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومعرفيا، وعلميا، وسياسيا معينا، باعتباره مقرا للمذاكرة الأمور التي تهم الجماعة، بعد أداء الصلاة، ولخمس مرات في اليوم. وانتقاد ظاهرة مكبرات الصوت، المبالغ فيها، صار ضرورة اجتماعية، نظرا للأضرار التي تلحق السكان بسبب ذلك الاستعمال، الذي يتخذ طابع الهمجية، وواجبا دينيا، لأنه يدخل في إطار النهي عن المنكر، والعمل على تغييره، انطلاقا من قول الرسول ص: (من رأى منكم منكرا فليغيره: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان). ذلك، أن مكبرات الصوت، توهم القيمين عليها، أنهم وحدهم الذين يملكون الحقيقة الدينية، مع العلم: أن الحقيقة الدينية، لا يعلمها إلا الله، وتوهمهم بجعلهم يعتقدون: أولا: أن الله فضلهم على العالمين، وأكسبهم شرف الإشراف على استعمال مكبرات الصوت، لإسماع الآذان، وتكبيرات الصلوات الخمس، ونافلة التراويح، وقراءة القرآن، وخطبة الجمعة إلى الناس جميعا، ورغما عنهم، ودون أن تكون لهم رغبة بذلك، سواء كانوا أطفالا، أو مرضى، أو عجزة، أو أن هؤلاء القيمين: يعتقدون أن الله لا يسمعهم، فيستعملون مكبرات الصوت، لأجل ذلك، أو لأنهم يعتقدون أنهم من المتنبئين الجدد، فيتوهمون أنهم يتلقون الوحي من الله، باستعمال مكبرات الصوت، ذلك الاستعمال الهمجي، أو أن استعمالهم لتلك المكبرات، وبتلك الطريقة الهمجية، يعد بمثابة احتجاج منهم، على أولائك الذين يقضون أوقاتهم في متاجرهم، أو في بيوتهم، أو في المقاهي، ولا يأتون إلى المساجد لأداء الصلاة مع الجماعة، وينسون أن جميع الناس الذين يفهمون الدين الإسلامي فهما صحيحا، يعرفون المساجد القريبة من سكناهم، أو من الأماكن التي يجلسون فيها، ويدركون، كذلك، أن الله جعل الأرض جميعا، مسجدا للمسلمين، وأن المسلمين مخيرين بين حضور صلاة الجماعة، وبين عدم الحضور، وبين أداء الصلاة في المسجد، أو في البيت، أو في مكان العمل، الذي يخصص فيه مكان لأداء الصلوات الخمس، وبين أن يؤدي الصلاة، أو يقضيها، إذا كانت ظروفه لا تسمح له بأدائها... إلخ، ولا يحتاجون، في كل ذلك، إلى مكبرات الصوت، لأن المرضى بالتدين، وحدهم من يسعى إلى استعمال مكبرات الصوت، الذين يعتقدون أن الله بعثهم لأجل ذلك، حتى يقوموا بدورهم في التبشير بالدين الإسلامي، لا كما هو؛ بل كما يريدونه هم، عن طريق مكبرات الصوت؛ لأننا لم نعد أمام إسلام واحد، بل أمام مجموعة من الإسلامات. فلكل مسجد إسلامه، ولكل إمام إسلامه، ولكل مستعمل لمكبرات الصوت إسلامه، ولكل دولة إسلامها. وكل إسلام يحاول أن يفرض نفسه بما توفر لديه من قوة، والقيمون على المساجد، لا يملكون إلا مكبرات الصوت، كقوة مادية، لفرض إسلاماتهم على الناس، الذين ضاع إسلامهم بين الإسلامات، التي لا حدود لها. ثانيا: أن الله أعدهم لما صار يعرف بتجديد الإسلام، ولكن بطريقة لا علاقة لها لا بحقيقة الإيمان، ولا بحقيقة الإسلام. فإذا كان الإيمان هو ما وقر في القلب، كما جاء في الحديث، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما جاء في الحديث أيضا، فإن ما يقوم به القيمون على مكبرات الصوت، يفرض شكلا آخر من الإيمان، المرادف للخضوع المطلق للمستبد غير العادل. ومشغل مكبرات الصوت، مستبد، وعلى المسلمين أن يخضعوا له خضوعا مطلقا، وأن لا يناقشوا ممارسته؛ لأنه بمثابة نبي مرسل إلى المسلمين، ليبلغهم الدين الإسلامي، بواسطة مكبرات الصوت، التي لم تكن موجودة في عهد الرسول. ومهمة هؤلاء المتنبئين الجدد، هو التبليغ بواسطة مكبرات الصوت، وكما جاء في القرءان الكريم: (ما على الرسول إلا البلاغ). والإشكالية المطروحة أمامنا الآن، وفي هذا العصر الذي نعيشه، تتمثل في السؤال: هل نحن في حاجة إلى من يبشرنا بالدين الإسلامي؟ إننا نولد مسلمين، وننشأ على الدين الإسلامي، ونعيش على الدين الإسلامي، ونموت مسلمين، ولا حاجة لنا بالمبشرين، إلا إذا كانت رغبة هؤلاء المبشرين :تكريس شكل من أشكال السيطرة على المسلمين. واللجوء إلى استعمال مكبرات الصوت، والمبالغة في استعمالها، ما هو إلا شكل من أشكال التبشير، الذي يقوم المتنبئون الجدد، الذين لا يدركون أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى من يبشرهم بالدين الإسلامي، الذي يولدون عليه، ويموتون عليه؛ بل هم في حاجة إلى من يضمن لهم التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، وأن يضمن لهم شيوع الممارسة الديمقراطية، بمضامينها المختلفة، وأن يضع حدا للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وأن يعمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. واستعمال مكبرات الصوت، إذا سلمنا بأننا لسنا في حاجة، كمسلمين، إلى تبشير بالإسلام، ليس إلا من أجل إرهاب المسلمين، من أجل الخضوع المطلق إلى المؤسسة المخزنية، المتحكمة في الحقل الديني، والساعية إلى جعل المسلمين مثالا للخضوع المطلق: ركوعا، وسجودا، ذهابا، وإيابا، من المساجد، وإليها، طاعة للحكام، ولمن ينوب عنهم، في تدبير الشأن الديني، لا طاعة لله، التي تعني أشياء أخرى، من بينها أن يصير الدين لله، لا لمدبري الشأن الديني، ولا للحكام، ولا لمن يدعي النيابة عن الله في الأرض، ممن نسميهم بالمتنبئين الجدد؛ لأن النيابة عن الله في الأرض، انتهت بموت محمد ص، لتصير بعد ذلك إلى جميع الناس، بقطع النظر عن لغتهم، أو لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها. فكل الناس سواء أمام الله، يخلفونه في الأرض، بما يخدم مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وكل من ادعى غير ذلك، إنما يحرف الدين الإسلامي، ليخدم شيئا آخر، لا علاقة له لا بالإيمان بالدين الإسلامي، ولا بالإسلام نفسه، الذي لا وجود فيه لنبي، أو رسول، بعد موت الرسول محمد ص. ثالثا: أن الله مكنهم من إدراك الوسائل، التي يمكن اعتمادها، كوسائل ناجعة لتجديد الدين الإسلامي، فتبين لهم: أن التجديد لا يتم إلا باعتماد مكبرات الصوت. ولا عبرة بعد ذلك لا للفكر، ولا للممارسة، ولا لتجنب ما يسيء إلى مجتمعات المسلمين، في مشارق الأرض، ومغاربها، ولا داعي لأن يتذكر المسلمون كيف كانوا، حتى لا يقارنوا حاضرهم بماضيهم، ومن أجل أن لا يسعوا إلى تغيير أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، انطلاقا من قيم الدين الإسلامي، المبثوثة في النص الديني، وفي مقدمتها: قيم الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، كما فهمها المسلمون الأوائل، وكما يجب أن يفهمها المسلمون في عصرنا هذا. الأصل في المسلم أن يولد حرا، وأن يعيش حرا، وأن يموت حرا، وأن لا يستعبد أبدا، وأن لا تستغل حاجته لاستعباده. فقد قال عمر بن الخطاب، وهو من هو: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). والمسلم من الناس، هو الأجدر به أن يحرص على التمتع بحريته، بدل أن يستعبد بواسطة إيمانه بالدين الإسلامي، الذي يستغل لإرهابه بواسطة مكبرات الصوت، التي يفرضها القيمون عليها، من المتنبئين الجدد، الذين تكمن قيمتهم في الاستعمال الهمجي لتلك المكبرات، لإلغاء شعور المسلمين بحقهم في التمتع بالحرية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. والأصل في المسلم، أن يتمتع بكافة حقوقه، الوردة في الكتاب، والسنة، والتي دعت إليها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ لأن المسلم إذا لم يتمتع بحقوقه كاملة، يبقى إسلامه، أو إيمانه بالدين الإسلامي، ناقصا؛ لأن الدين الإسلامي، ليس واجبات فقط، وإنما هو، كذلك، حقوق تجلب لمن يستحقها. وهذه الحقوق ذات طابع اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، ومدني، وسياسي. فالطابع الاقتصادي، يقتضي إمداد ذوي الحاجة، بما هم في حاجة إليه، حتى لا يمدوا أيديهم إلى الغير، مذلين أنفسهم بذلك، فقد جاء في القرءان الكريم: (إنما الصدقات للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، فريضة من الله). وكما جاء فيه أيضا: (واليد العليا خير من اليد السفلى). والطابع الاجتماعي، يقتضي تمكين جميع المسلمين من التعلم، والعلاج، والشغل، والسكن، وغير ذلك من الحقوق الاجتماعية، التي تعتبر شرطا لتحقيق الاندماج الاجتماعي. فقد جاء في القرءان الكريم: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). والمقصود هنا بأهل الذكر: ليس هم الوعاظ وحدهم، بل كل عارف في اختصاصه، حتى يصير المسلمون ملمين بالمعارف الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلماما شاملا: دراسة، وتخصصا، ومن خلال توفير المدارس، والجامعات، والمعاهد العليا لأجل ذلك، بالإضافة إلى تمكينهم من المعارف الدينية، كما هي، دون زيادة، أو نقصان، ودون أدلجة. وقد جاء في الحديث كذلك: (طلب العلم فريضة على كل مسلم، ومسلمة). وجاء فيه أيضا: (أطلب العلم ولو بالصين). والمتنبئون الجدد، لا يعبأون بكل ذلك، كحق من حقوق المسلمين، بقدر ما يعملون على ترغيبهم في الجنة، وترهيبهم من النار، ودعوتهم إلى هجر الحياة الدنيا، والسعي إلى يوم القيامة، عن طريق مكبرات الصوت. والطابع الثقافي، يقتضي تمكين جميع أبناء الشعب، من وسائل التثقيف، على جميع المستويات، ودعم كل الإطارات الثقافية، وإيجاد وسائل إشاعة الثقافة في المجتمع، حتى يتمكن المواطنون، والمواطنات، من اكتساب القيم الثقافية الإيجابية، التي تساعد على التخلص من القيم الثقافية السلبية، مما يساعد على تطور، وتطوير المسلكية الفردية، والجماعية. ذلك أن القيم الثقافية، المتمكنة من الممارسة الفردية، والجماعية، تلعب دورا أساسيا، ورئيسيا، في تقدم المجتمع، أو تخلفه اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وهو ما يعني ضرورة الاهتمام بالثقافة، وبالوسائل الثقافية، باعتبارها مصدرا، ووسيلة، لإمداد الشخصية الفردية، والجماعية، بالقيم الثقافية الضرورية لكيان الإنسان الفردي، والجماعي. والطابع الثقافي، يقتضي، كذلك، ضرورة الاهتمام بالبرامج الإعلامية: المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والإليكترونية، حتى تصير تلك البرامج، حاملة للقيم الثقافية الإيجابية، وباثة لها، وخاصة تلك المستمدة من النص الديني، الهادفة إلى تقويم شخصية الإنسان. سواء كانت تلك البرامج مسرحية، أو غنائية، أو إخبارية، أو أدبية، أو فنية، أو غيرها، نظرا لدور الإعلام في إبلاغ القيم، وبثها، وتثبيتها في المسلكية الفردية، والجماعية. وهو ما يساعد على جعل القيم الثقافية وسيلة لتطور، وتطوير الإنسان في الواقع، بأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وفي حالة تمكن التطور، والتطوير، من الشخصية الفردية، والجماعية، يحصل في الواقع ما يقتضي تمكين الأفراد، والجماعات، من امتلاك الشجاعة، لرفض ممارسة القيمين على استعمال مكبرات الصوت بطريقة همجية، لكون ذلك الاستعمال الهمجي، يقلق راحة الأفراد، والجماعات. والطابع الثقافي، يقتضي، كذلك، الاهتمام بالبرامج الدراسية، في مختلف المستويات التعليمية، من منطلق أن تلك البرامج، تقوم بدور كبير في تقويم الشخصية الفردية، والجماعية للأطفال، واليافعين، والشباب، الذين يتم إعدادهم لبناء مجتمع متصور، وفي مختلف القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وخلال الممارسة السياسية اليومية، نظرا لكون البرامج الدراسية، ذات حمولة معرفية، وفكرية، وعلمية، وأدبية، وأيديولوجية، ترفع البرامج التعليمية، إلى مستوى اعتبارها برامج ثقافية، تستمد قيمها من الموروث الحضاري برمته، ومن النص الديني، ومن كل المعارف المعتمدة في المجال التعليمي، من أجل إعداد الأجيال إعدادا قيميا، يمكن من بناء الشخصية الفردية، والجماعية، بناء سليما، يجعلها أهلا للمساهمة في البناء الحضاري / الإنساني. وإلى جانب الطابع الحقوقي / الاقتصادي، والطابع الاجتماعي، والطابع الثقافي، نجد الطابع السياسي، لبث القيم في المجتمع، وخاصة عندما تصير السياسة الحقيقية، التي هي سياسة الحقيقة، تقوم على أساس احترام الإرادة الحرة، والنزيهة للشعب، الذي يقرر مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، دون أن يكون ذلك بمصدر ديني، لا تختلط السياسة فيه بالدين، ويصير الحاكم حاكما فيه، باسم الله، ينفذ سياسة الله في الأرض، ويصير الله جل جلاله، رئيسا للدولة، بطريقة غير مباشرة، ويصير الحاكم معينا من قبل الله تعالى، باعتباره رئيسا للدولة، وحاشا أن يصير الأمر كذلك، وتصير الأحكام المطبقة في المجتمع، مطبقة باسم الله، وقد جاء في القرءان ما ينفي ذلك، حيث قال الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم). وأي متعاط بسيط مع النص الديني، لا بد أن يفهم أن المراد بقوله تعالى: (وأمرهم)، كل ما يتعلق بالحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، و السياسية، مما لا يمكن تدبيره إلا في إطار المجتمع، ولا يمكن الوقوف عليه إلا في الواقع، ولا علاقة له بالأمور الدينية، إلا من منطلق أن النص الديني، ترك كل ذلك للإنسان. وإلا، فإن لجوء القيمين على مكبرات الصوت في المساجد، إلى استعمالها استعمالا همجيا، سيجعلها بمصدر ديني. وهي في الواقع، من تقرير الإنسان، وتقرير الإنسان، لا علاقة له بالدين، إلا باعتباره معاملة، كما جاء في الحديث: (الدين المعاملة). والدين الإسلامي عندما يتحول إلى معاملة، يصير من باب الحرص: أن تصير المعاملة في مستوى خدمة راحة الإنسان، في جميع أحواله. أما عندما تصير المعاملة مقلقة لراحة الإنسان، فإنها تخرج عن الدين، كما هو الشأن بالنسبة للاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت، التي أريد لها أن تصير جزءا لا يتجزأ من الدين. والدين الإسلامي براء منها، لأنها تدخل في إطار المعاملة السيئة مع المسلمين المومنين، الذين يفقدون راحتهم، ويصيرون معتقدين أن الدين الإسلامي هو دين الإرهاب، وليس دين الرحمة، كما يدعون، وحتى نرسخ الفهم الصحيح للدين الإسلامي، علينا أن نعتبر أن الاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت، لا علاقة له بالدين الإسلامي، وإنما هو من فعل البشر، الذي يجب أن يحاسبوا عليه حسابا عسيرا، من الفاعل المباشر، إلى الوزارة الوصية، إلى السلطات المسؤولة، بما في ذلك السلطات القضائية، بما فيها النيابة العامة، ورئيسها وزير العدل، الذي يلاحظ أن عدل الدين الإسلامي، تم إهداره، وفي هذا الإهدار، إساءة إلى الدين الإسلامي، وإساءة إلى المسلمين، وفي أي مسجد تستعمل فيه مكبرات الصوت بطريقة همجية. رابعا: أن الله فضلهم على المسلمين جميعا، بأن جعل أمر أداء شعائرهم الدينية، بين أيديهم. وهو ما جعلهم يعتقدون بأنهم وسطاء بين الله، وبين المومنين بالدين الإسلامي، لتعود بذلك الرهبانية إلى الدين الإسلامي، مع العلم أنه لا وجود لشيء اسمه الرهبانية في الدين الإسلامي؛ لأنه لا واسطة بين الله، وعبده، من المسلمين. فكل من ادعى أنه واسطة بين الله، وبين المسلمين، إنما هو محرف للدين الإسلامي. وكل من حرف الدين الإسلامي، يقاس على من نزل فيهم قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله)، وقوله: (إن الله ثالث ثلاثة)؛ لأن هؤلاء حرفوا الكتب، التي نزلت على رسلهم: موسى، وعيسى عليهما السلام، فاستحقوا اعتبارهم محرفين، ومشركين بالله. والتحريف، والشرك بالله، يجعل الدين باطلا، وغير صالح للاعتماد في عبادة الله، نظرا للتحريف الذي لحقه. والقيمون على الاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت، عندما يعتقدون أن الله فضلهم على المسلمين جميعا ،إنما يصفون الله بأنه غير عادل. والله عندما لا يكون عادلا، فإنه يصير متحيزا إلى القيمين على الاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت. وهو تحيز ننزه الله تعالى عن الاتصاف به، خاصة، وأن زمن اختيار الله للأنبياء، والرسل، لم يعد واردا، ولا علاقة لما يقوم به هؤلاء القيمون على الاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت، بالله تعالى. واعتقادهم بأن الله فضلهم على المسلمين كافة، باطل؛ لأنهم ليسوا أنبياء، وليسوا رسلا، ولا يمكن أن يكونوا كذلك. وما يقوم به القيمون على الاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت، إنما هو معاملة سيئة، تصدر عنهم، تجاه المسلمين الذين يقلقون راحة أطفالهم، وعجزتهم، ومرضاهم. والمعاملة عندما لا ترقى إلى احترام المستهدفين بذلك الاستعمال الهمجي، فإنها تتحول إلى وسيلة لإلحاق الضرر بالآخر. وإلحاق الضرر بالآخر، يكون قد تجاوز كل الحدود، عندما يتعلق الأمر بالاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت. ولو كان هؤلاء القيمون، فعلا، مومنين بالدين الإسلامي، لحرصوا على الاستعمال المفيد لمكبرات الصوت، ولأدركوا أن الغاية من استعمالها، وباعتدال الصوت، هو إعلام المسلمين بحلول وقت الصلاة، في حالة رغبتهم بحضور صلاة الجماعة بالمسجد. أما إذا لم يرغبوا في ذلك، فإن الأمر يهمهم وحدهم، وكل ما زاد على إعلام الناس، بحلول أوقات الصلاة، لا يمكن اعتباره إلا إهانة للمسلمين. وانطلاقا مما رأينا، فإن القيمين على الاستعمال الهمجي لمكبرات الصوت، ليسوا أفضل من المسلمين، إن لم يصيروا دونهم، نظرا للأضرار التي تصدر عنهم. والخلاصة، التي نصل إليها، أن المتنبئين الجدد، كما سميناهم في عنوان هذه المقالة، إنما يدعمون أشياء ينسبونها إلى الله، والله بريء منها، براءة الذئب من دم يوسف، ليزايدوا، بذلك، على المسلمين. وكل من خالفهم الرأي، يصفونه بالتكفير، والتلحيد. وهو وصف، لا يمكن اعتباره إلا سلاحا، يلجأون إلى استعماله ضد مخالفيهم؛ لأنهم لا يستطيعون المحاججة، والمناظرة، التي تبين إلى أي حد يتمكنون من معرفة ما يتعلق بالدين الإسلامي، وكيف يجب التعامل مع المسلمين. وما داموا عاجزين عن المحاججة، والمناظرة، فإنهم يلجأون إلى تكفير، وتلحيد مخالفيهم.