منصة "إبلاغ" عالجت خلال الثلاثة أشهر الأولى منذ إطلاقها ما مجموعه 7083 إشعارا بشأن قضايا إجرامية مختلفة    أخنوش يجتمع بممثلي السلاسل الفلاحية        اجراء جديد يهم استبدال رخص السياقة المغربية بمثيلاتها الإسبانية    الراشدي: الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويا والنتائح المحققة في محاربته غير مرضية    "اللباس الوطني" في افتتاح الملك للبرلمان        تخفيض أسعار 169 دواء لأمراض مزمنة خطيرة بالمغرب بنسبة تصل إلى 59%    المغرب/البنك الأوروبي للاستثمار.. 500 مليون أورو لإعادة البناء والتأهيل لما بعد الزلزال    إيطاليا: إسرائيل ترتكب جرائم حرب محتملة    كرة المضرب.. رافايل نادال يعلن الاعتزال بعد كأس ديفيس    مؤسسات التعليم العالي استقبلت أزيد من 344 ألفا طالب جديد    بوروندي تجدد التأكيد على دعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية (فيديو)    إطلاق نار بالقرب من سفارة إسرائيل في السويد    رهان على "العروض الخاصة" في افتتاح معرض السيارات المستعملة بالبيضاء    تقارير تبعد مزراوي عن الملاعب لأسابيع    بوعياش تجدد التزام مجلس حقوق الإنسان بالترافع من أجل إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب    المغرب يحتفل باليوم العالمي للصحة النفسية    وكالة "فيتش" تثبت تصنيف المغرب    الحكومة تصادق على سجل الوكالات المتعلقة بالحقوق العينية والسجل الوطني الإلكتروني للوكالات    وسط تطلعات للحفاظ على الألقاب…البرتغالي ريكاردو سابينطو مدربًا جديدًا للرجاء    إعصار ميلتون يضرب ساحل فلوريدا الأمريكية    الزفزافي يلتحق بكلية الحقوق بطنجة    أكادير.. الوالي أمزازي يترأس اجتماعا للجنة المخطط الجهوي لمحاربة الأمية    الكورية الجنوبية هان كانغ تتوج بجائزة نوبل للآداب    الرباط ونواكشوط تعززان التعاون الثنائي في قطاع الصناعة التقليدية والسياحة    لا تقدم لوقف الحرب.. وإسرائيل تواصل قصف لبنان وسوريا    بايتاس: لا غبار على الموقف المغربي من الأحداث التي تقع في لبنان وفلسطين    «السينما بين المواطنة والانتماء الإنساني» شعار الدورة 13 من المهرجان الدولي المغاربي للفيلم بوجدة    تتويج منصة "فرجة" التابعة لSNRT بلقب أفضل منصة رقمية بإفريقيا    الشاعر شوقي أبي شقرا يفارق الحياة    "صحة غزة": مقتل 28 فلسطينيا في مجزرة إسرائيلية استهدفت مدرسة بدير البلح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    التشغيل على رأس أولويات الأغلبية الحكومية في المرحلة المقبلة    بلجيكا.. تطبيق جديد لحساب مخاطر الإصابة بالسرطان    تداريب تكتيكية وتقنية للأسود قبل مواجهة إفريقيا الوسطى    غزة: منحة مغربية لتحرير شهادات 40 خريجا من كلية الملك الحسن الثاني    دموع الرجال: مسلسل يعود ليحفر مكانه في ذاكرة المغاربة بعد 12 عاماً من عرضه    مزاد يبيع سترة مضادة للرصاص بأكثر من مليون دولار    لاعب التنس رافاييل نادال يعلن الاعتزال    اضطراب ضربات القلب.. تطورات علاجية قائمة على الأدوية والأجهزة الطبية    التهاب الجيوب الأنفية .. الأسباب الرئيسية والحلول المتاحة    "قسمة ونصيب" يراكم الانتقادات والتشكيك في مصداقيته        وفاة سجين بآت ملول.. مندوبية التامك توضح: منحه الممرض أدوية وتوفي في الطريق إلى المستشفى    العثور على اللاعب الدولي اليوناني بالدوك متوفيا في منزله        أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    السعودية تستهدف جذب 19 مليون سائح في ساحل البحر الأحمر بحلول 2030        توقيف ثلاثة أشخاص بسلا والقنيطرة يشتبه تورطهم في حيازة وترويج المخدرات    انقطاع أدوية السل يفاقم معاناة المرضى والتوقف عن العلاج واقع يهدد بالأسوإ    تغيير موعد و مكان مباراة الوداد الرياضي وشباب المسيرة    تأهبا لتفشي جدري القردة.. المغرب يتزود بدواء "تيبوكس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدميم.. الغابة التي تمنح فرصة قضاء الألف ليلة في الصحراء
نشر في اشتوكة بريس يوم 22 - 12 - 2010

رست عقارب الساعة على الثامنة والنصف مساءا ، حينها كان الليل قد أرخى سدوله على سائر أرجاء غابة ” أدميم ” الشهيرة ، والمحاذية لمطار المسيرة الدولي بأيت ملول ( إحدى الضواحي النابضة لأكادير ) .حركة غير عادية تخيم على هذا الفضاء الذي لاتكسر هدوءه الحالم سوى دبيب حركة يخترق صداها خياما يصل تعدادها إلى حوالي الإحدى عشرة منصوبة في ناحية خاصة من هذا الفضاء الذي لن يجد الزائر عنتا في الاعتقاد بأنه في ضيافة صحراوية بامتياز . إنهم رحل على مايبدو لأول وهلة تتفرس فيها العين جغرافية المكان ، فالأحاديث والنداءات التي تتردد من حين لآخر على ألسنة الساكنين هناك تشي كلها بانتسابهم إلى الصحراء المغربية ، وهو الأمر الذي كان له الإسهام في طي المسافة نحو التيقن من أصول العناصر البشرية الفاعلة في هذا المجال من الغابة . الأمر قد يستحق الاكتشاف ، فالواضح أن ثمة جديد يحدث أو سيحدث في تلك الأثناء ، فالزرابي المزركشة بألوان بديعة ، والوسائد الصغيرة الموضوعة بعناية وترتيب في الفضاء الذي تغطيه الزرابي، وأواني الشاي والموائد المتفرقة أضافت قيمة جديدة للتشويق الذي صار مغناطيسا يسري مفعوله على الزائر للمكان ، وشكلت في مجموعها أدوات تركيبية للوحة تعتبر غاية في الجمال تحت ضياء القمر وسكون الليل . بضع دقائق كانت كافية لكي تلفض كل الخيام ساكنيها، رجال يتملك الفرح والحبور قسمات وجوههم وهم في انتعاش في حللهم الصحراوية الأصلية ، ونساء عليهن أمارات البهجة والزينة الأخاذة . يبدو أن الجميع يستعد للاحتفال فما هي المناسبة ؟.لم يستغرق أمر الحصول على جواب وقتا طويلا ، فدعوة من أحد رجال الحفل للحضور بجانبهم كانت كافية لتبديد كل ما من شأنه أن يشكل غموضا حول مايجري . حين تدنو من الموقع المرسوم للحفل تعتقد بالفعل أنك على بعد أقدام معدودة من خشبة مسرح ضبطت فيها كل الشخوص مواقعها وهي في استعداد للأداء. همسة في أذن الرجل كانت هي الحل والجواب كان ترحيبيا بلكنة صحراوية واضحة تعرض الحضور لتتبع إحياء ليلة من ليالي السمر والإمتاع والمؤانسة في ثنايا الليل وشجونه . كان لابد من الاستجابة وعدم التردد من الموافقة ، فالأمر قد يتعلق بوليمة أو مأدبة عشاء مادام أن الموائد والأواني بمثابة مؤشرات الدلالة .
أسر الرجل للزائر منذ البدء بإسمه ، ” حيمد ولد محمد ولد بوجمعة الرايس” ، واحد من الصحراويين الرحل المشاركين في القافلة التي حلت بهذه الغابة ، معيل أسرة تتألف من سبعة أفراد ، اختار هذه الغابة بالنظر لوفرة الكلأ فهو يملك قطيعا من الإبل والأغنام ، كبقية مرافقيه من الرحل ، يتبعون الطبيعة متى أزهرت عناصرها ، ويلتمسون لأنفسهم نعم الحياة المتجددة متى تواجدت ظروف استقرارها . الإستعدادات شارفت على النهاية لبدء الحفلة ، ولم تبقى سوى لمسات أخيرة لكي تملأ إيقاعات ” الكَدرة ” المكان كله، في إحدى الخيام المجاورة بدأت رائحة الشواء تفوح وتمنح الاحتفال صبغة المأدبة .
عاد ” حيمد ولد محمد ” ليشرح تفاصيل المناسبة حيث يؤكد أن الأمر يتعلق بعادة أسبوعية تستمر إلى الهزيع الأخير من الليل ، إذ يشكلون حلقة دائرية يتوسطهم شخص يطلق عليه ” النكَار ” يضرب بالمغازل على آلة الكَدرة الصحراوية فتنبعث إيقاعات تأخذ الجميع نحو عوالم أزلية تعيد الزمن إلى أعماق الذاكرة الفنية لأهل الصحراء المغربية . تقوم فتاة في العشرينيات من عمرها تزينت بالحلي والخلاخل وترصعت بالذهب الخالص ، ذات قد ممشوق ، وتعبق أنوثة ، لكي ترقص في رشاقة مع شاب في ربيعه الثالث في حلته الصحراوية الأنيقة ، كأنهما في زمن الألف ليلة وليلة أو عاشقان يجسدان ملحمة قيس وليلى في نسختها السعيدة وهذا مايطلق عليه لدى هؤلاء بأداء ” الركَيص ” .
ويواصل ” حيمد ولد محمد ” سرد معطيات دالة على تميز الرحل في المحافظة على طقوس أرض الصحراء الفيحاء ، ويبرهن بها على تفردهم في التشبث بها والعض عليها بالنواجذ ، رغم بعد الشقة عن مواقعهم الأصلية وتغيير الجغرافيا ، ويشير في هذا السياق إلى أن الفتاة التي ترقص وسط هذه الأهازيج التي تمتح من تراث صحراوي عريق ، لابد أن يتسربل رأسها برائحة المسك والطيب التي تدعم بهاء المكان وتنعش سائر أرجائه وهذا مايسمى عندهم ب ” الخواض ” ، وهو خليط يتركب من عناصر طبيعية جدا كقشور الأشجار والأعشاب والمسك الحر والقنرفل وبعض الاخلاط العطرية الفواحة .. تتوقف الإيقاعات للحظات متقطعة لكي يرطن أحد المشاركين في الأمسية بكلمات ذات دلالات عميقة تكرع من معين الديوان الشعري الحساني المفتوح ، يتناوب الجميع فيلقي كل واحد قصائد مما تجود به قريحته ، في سلاسة وتركيز على مخارج الحروف التي تغرس في نفوس السامعين متعة فريدة بتذوق المعاني والسفر بالنفس إلى أزمان متجذرة في أعماق التاريخ الصحراوي الذي حفرت سجلاته بمداد غير قابل للمحو. تلك سنتهم ، وعادتهم التي جبلوا عليها ، الأهم في كل ذلك أنهم لايعزبون عن الاستمرار دعما لروابط الألفة التي تجمع بعضهم ببعض ، وتعضدها رحابة الجيران وأهل جوار الغابة ، الذي نسجوا معهم علاقات مترابطة . حين يدنوا الفجر وتلوح نسائم الصباح في الأفق تكون الحفلة قد وضعت أوزارها ويضرب الجميع موعدا للقاء الأحبة القادم لتضع نقطة البداية أسفل عنوان سفر جديد نحو أحضان الصحراء الفيحاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.