غالبا ما يظهر التفاوت الطبقي والمفارقات المجتمعية بشكل صارخ ومفضوح في دول العالم الثالث والبلدان المتخلفة عموما،وبما |أن المغرب يعد في مقياس سلم التنمية والتقدم من الدول المتخلفة في أكثر من مضمار يحتل الرتبة 122 حسب أخر إحصاء، فان الطبقية الفاحشة تتمظهر من خلال لوحات الحياة اليومية المتباينة ، ولا تحتاج إلى الدراسة الميدانية العميقة لرصدها ولا إلى البحث المضني ليصل الباحث أو الإنسان عموما إلى اكتشافها والوقوف عليها : فهي تقدم نفسها بنفسها. وتشق مجرى ازدهارها وتألقها باستمرار وعلى قدم وساق ، وعلى “عينك يا بن عدي” كل شيء في مجال التنمية يعرف الركود أو على الأقل التراجع والتقهقر فيما يخص النتائج المحصل عليها ، الصناعة، الفلاحة، السكن ، الصحة ، التشغيل ، الرياضة ، وهلم جرا ، إلا التفاوت الطبقي : فخطه –حسب البيان المجتمعي- في تصاعد مستمر يقطع المسافات الطوال ويحرق الأشواط البعيدة المدى ويحطم الأرقام القياسية وغير القياسية ، يشبه في مراكمته الأرقام الفوارق لعبة “الفليبير” إذ ما تنتظره أنت أيها الموظف البسيط والعامل “المكحط” المثقل بالديون قبل الهموم في نهاية الشهر لتوزعه في حينه يشتري به البعض ربطة عنق حريرية زاهية الألوان وجوربا موقعا بإحدى العلامات الشهيرة ، أو يصرفه في اليوم أو في الساعة أو في الدقيقة أو ربما في الثانية – ألم نتحدث عن الأرقام القياسية ؟ – وإذا كنت تتحدث في لغة الصرف والمصروف – وقد صرفت بضم الصاد وكسر الراء مع تشديدها – بالدرهم فأنت مختلف حتى النخاع الشوكي والمخ والمخيخ ، لأن غيرك لا يتحدث إلا بالألف والألفين والبريكة والكيلو على غرار الأرنب في لغة أهل الكنانة و “علي عليوة” وإذا كنت لا تستطيع السفر خلال أسبوع واحد في السنة صحبة أسرتك الصغيرة إلى إحدى المدن أو القرى المغربية لتنعم بجمال الشاطئ أو هواء الجبل المنعش ودفء الطبيعة الأم فغيرك يمخر عباب البحر ويخرق سحاب السماء نحو ماربيا وكان وأثينا وميامي وهواي وميلبورن....وقد يقوم برحلة حول العالم في ثلاثين يوما ، من بحيرات جنيف إلى جزر موريس ، ومن شانغاي إلى نيويورك يستقبله مطار ويلفظه مطار ، وإذا تعب من فضاء الجو والطائرة فقد يركب السيارة آخر طراز وآخر تكييف ، شقق تتحرك عبر الطريق أنت لم تجد شقا تسكنه . أو يركب “اليخت” وأنت لا تعرف منه إلا “اليخ” “ويخ«... وإذا كنت تفتش و “تبقشش”عن غرفة في”فندق” بلا نجوم ولا حمام ولا حتى سرير ، فغيرك لا يبحث عن غرفة في عز النجوم وفي أحسن المركبات السياحية ، فهي تملأ العين ولا تنعش الروح ، إذ ولا بد من جناح ، سويت روايال ، ولا تسأل عن الأكل والشراب ، أغلى الأنواع والأصناف . ما لا عين رأت ولا معدة طحنت . لا وجود للخبز الذي يعتبر شغلك اليومي ، لحوم نادرة وأسماك لا حضور لها في قاموسك ولا ذاكرتك ولا في أحلامك ، فواكه “ايكزوتيك” وفواكه البحر ، وأنت لم تأكل حتى فواكه البر في أدنى سلم الفواكهي ، هل نستمر في الحديث وبسط المفارقات والفوارق ونقط الافتراق . لا . أحبذ ألا نستمر حتى لا يسيل لعابك فوق لوحة المفاتيح . المهم أنك تبحث عن الضروريات الحياة بالكاد وبالفتيلة والقنديل ولا تنعم إلا بالقليل ، وغيرك تجاوز سلم الضروريات بمئات السنين الضوئية ، وتجاوز سلم الكماليات ، ويبحث عما يمكن أن يصبح كماليا أو ضروريا في طي المستقبل ربما شقة في القرية الفضائية اليابانية أو حجز قطعة للسكن فوق القمر أو ..أو..المهم – مرة أخرى – شي عايش وشي على الهامش –شي عطا توا وشي زوا توا!!! .