قبل سنتين تقريبا، طالب الفريق البرلماني الاتحادي، برئاسة محمد الزايدي، بحضور المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، يونس معمر، للإجابة عن أسئلة السادة النواب بشأن المشاكل التي سيعرفها المغرب في مجال التزود بالطاقة الكهربائية، خصوصا بعد الحديث الصريح لهذا الأخير عن احتمال اللجوء إلى قطع الكهرباء عن الأحياء الصناعية بسبب العجز الطاقي. اليوم، وبعد تولي علي الفاسي الفهري المسؤولية الصورية على رأس المكتب الوطني للكهرباء، لأن المدير الحقيقي الذي يسير المكتب هو «محمدي علاش»، وإيصاله للعجز المالي لميزانية المكتب، إلى حدود نهاية شتنبر الأخير، إلى خمسة مليارات، وضياع أكثر من 24 في المائة من شبكة المكتب الوطني للكهرباء، فإننا لم نسمع أحدا في المعارضة يطالب بمثول علي الفاسي الفهري أمام البرلمان لشرح أسباب وصول عجز المكتب المالي إلى ما تحت الخطوط الحمراء. طوال تاريخ المكتب الوطني للكهرباء لم تكن الشركات المتعاملة مع المكتب مضطرة إلى تسول مستحقاتها المتأخرة لأشهر طويلة. اليوم، أصبح على كل شركة ترغب في استلام شيكها أن تعثر على الطريق السالكة نحو مكتب «محمدي علاش»، فهو الآمر بالصرف الحقيقي داخل المكتب الوطني للكهرباء. وكل شركة يفشل مديرها في العثور على الطريق «الصحيح» لمكتب «السي علاش»، يمكنها أن تقول «باي باي» لمستحقاتها. وإذا كانوا في الإدارة العامة للمكتب الوطني للكهرباء يلعبون مع مدراء الشركات المتعاملة مع المكتب لعبة «الغميضة» لكي يتهربوا من دفع مستحقاتهم، فإنهم لا يتهاونون في دفع تعويضات الموظفين الأشباح، وخصوصا تعويضات أمينة قنديل، المستشارة الوهمية لوزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، أمينة بنخضرة. ولعل أول ملاحظة «سيقلعها» قضاة المجلس الأعلى للحسابات، لو أنهم أخضعوا مالية المكتب الوطني للكهرباء للمراجعة، هي الراتب السمين الذي تتقاضاه هذه المستشارة الوهمية من مالية المكتب دون أن تكون قد «عتبتها» ذات يوم داخل أحد مكاتبه. وهكذا يدفع المكتب الوطني للكهرباء راتبا لمستشارة وزيرة في الطاقة يصل إلى 30 ألف درهم في الشهر. هذا دون أن نتحدث عن الفواتير الشهرية التي ترسلها المستشارة إلى الإدارة المالية للمكتب الوطني للكهرباء من أجل تعويضها، وهي جميعها فواتير عن مؤتمرات سافرت إليها سعادة المستشارة وليس هناك ما يفيد بأنها حضرت أشغالها. إن ما يقوم به علي الفاسي الفهري، عندما يدفع رواتب وتعويضات موظفة تشتغل كمستشارة لوزيرة الطاقة، يعتبر عملا غير قانوني، لأن وزارة الطاقة مؤسسة والمكتب الوطني للكهرباء مؤسسة أخرى، ورغم وجود الثانية تحت مسؤولية الأولى فإن هذا لا ينفي أن لكل مؤسسة ماليتها الخاصة. ويبدو أن بنخضرة ليست الوزيرة الوحيدة التي تخرق قانون الوظيفة العمومية، فزميلها بنسالم حميش، وزير الثقافة، قال لها «ماتعرفيش». فقد عين في ديوانه مستشارة اسمها مدام القندوسي سمية الدريدي، كانت موظفة شبحا في المندوبية الجهوية للثقافة بمكناس. فالسيدة تقضي معظم وقتها متنقلة بين مكناس وباريس، وليس لديها الوقت لكي تذهب إلى مقر عملها، فعملها على رأس شركتها العقارية بباريس Societé Civile Immobiliere Chazia تأخذ منها كل وقتها. وقد كنا نعرف أن وزير الثقافة جاهل كبير بالتسيير، لكننا إلى حدود اليوم لم نكن نعلم بأن سعادته جاهل كبير أيضا بمجال قانون الشغل. فقانون الوظيفة العمومية يمنع على الموظف أن يجمع بين وظيفة عمومية ومسؤولية التسيير في شركة، خصوصا إذا كانت خارج المغرب وتتطلب حضوره الدائم لتسيير شؤونها، فبالأحرى أن يتم تعيين هذا الموظف مستشارا للوزير. ويبدو أن حظ النساء من حكومة عباس الفاسي أكثر من حظهن في أية حكومة أخرى. وحتى بعض الوزيرات يقفن عاجزات عن التصدي لسطوتهن وحظوتهن لدى من أتوا بهن إلى الدواوين الوزارية. ولعل وزيرة الصحة ياسمينة بادو تعرف معنى هذا الكلام أكثر من أية وزيرة أخرى. فقد لاحظت أن سكرتيرة أتى بها المكاوي، كاتبها العام، لتكون مشرفة على ديوانها، أصبحت تقرر في من ستقابله الوزيرة وفي من ترفض منحه شرف المقابلة. ف«قندشت» الوزيرة الضاحكة وطلبت من المكاوي -الذي كان مجرد موظف عند زوجها علي الفاسي الفهري في المكتب الوطني للماء، فأصبح الآمر الناهي في وزارة الصحة- أن يطرد السكرتيرة. فقال الكاتب العام لياسمينة «نون يا كحل العيون»، وتشبث بالكاتبة. فلم تجد الوزيرة بدا من بلع لسانها والخضوع للأمر الواقع. وهكذا، أصبحت أجندة سعادة الوزيرة مقلوبة رأسا على عقب، وآخر نتائج هذا الصراع الصامت داخل ديوان ياسمينة كان برمجة مشاركة الوزيرة في مؤتمر طبي دولي بمراكش في اليوم نفسه لافتتاح البرلمان من طرف الملك. وطبعا، تركت الوزيرة الأطباء والباحثين الدوليين «يتشمشون» في مراكش بعد أن جاء من يذكرها بأن الجمعة الثانية من أكتوبر هو يوم افتتاح البرلمان وليس يوم «النزاهة» في فنادق مراكش الفاخرة. وإذا كان الوزراء يشغلون مستشارين خارج القانون كما هو حال وزيرة الطاقة ووزير الثقافة، أو يشغلون سكرتيرات بالرغم من أنوفهم، كما هو حال وزيرة الصحة، فإن وزراء آخرين يشغلون فتيات حديثات التخرج في مناصب تكبرهن حجما. السيد جمال الرحماني، أو جمال أغماني كما يحب أن يناديه رفاقه، هو أحد هؤلاء الوزراء الذين تكثر في دواوينهم ومديرياتهم هذه الظاهرة. وسعادة الوزير الرحماني نفسه وظف خريجة مدرسة ENCG ذات التسعة والعشرين ربيعا مديرة على إحدى أكبر المديريات وأكثرها حساسية، وهي مديرية الحماية الاجتماعية. ولأن الفتاة لم يسبق لها أن اشتغلت في الإدارة ولا تملك أية تجربة إدارية أو تدبيرية، فقد اضطر الوزير إلى الإبداع في سيرتها الذاتية، واختلق لها سوابق مهنية في إحدى وكالات التنمية وشواهد عليا من فرنسا وغيرها. والحقيقة التي يعرفها الوزير الرحماني أن توظيف «الشابة بتينة» جاء استجابة لطلب اليازغي، وزير الدولة بدون حقيبة، الذي تشتغل خالتها في ديوانه. أما السيد ميمون بنطالب، فبمجرد تعيينه من طرف جمال الرحماني كاتبا عاما للوزارة فإنه لم يجد سوى موظفة تشتغل كمتصرفة مساعدة لكي يفرض «المراكشي» على الرحماني تعيينها مكلفة بتدبير شؤون المفتشية العامة للوزارة، رغم حداثة عهدها بالوزارة وتواضع مؤهلاتها العلمية، فالسيدة مجازة في الكيمياء ومعارفها في المحاسبة المالية ليست أحسن من معارف جدتي في علم الجبر. لكن يبدو أن المفتشية العامة لوزارة الشغل بحاجة إلى مديرة ثقة تعرف كيف تكتم الأسرار، خصوصا وأن وزارة المالية سبق لها أن أعطت مبلغا ماليا قدره 800 مليون سنتيم لوزارة التشغيل من أجل تدبير الانتخابات المهنية لسنة 2009، وإلى يومنا هذا لا يعرف أحد كيف صرفت الوزارة هذا المبلغ الكبير. ما يعرفه الجميع في وزارة الشغل أن الوسائل التي اعتمدت في هذه الانتخابات كانت وسائل بدائية، وحتى مفتشو الشغل لم يستفيدوا سوى من تعويض هزيل لم يتجاوز ألف درهم. وفي وزارة الشغل، ليس هناك مكان فقط للفتيات الشابات خريجات المعاهد، بل هناك أيضا مكان للمناضلات القديمات اللواتي «طيحن» أسنانهن في السياسة. ولو أن النضال السياسي لا يترك لبعضهن الوقت للحضور إلى مقر عملهن الذي يحصلن بفضله على راتب شهري سمين. ولعل أمينة بوعياش، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي لا تأتي إلى الوزارة إلا لكي تتقاضى حصتها من التعويضات الشهرية الجزافية، هي أكثر من يجب أن يشعر بالخجل من وضعية الموظف الشبح التي تعيشها داخل ديوان وزير الشغل. وما عليها إلا أن تتأمل مثال المعارض اليساري «بيزانسنو» الذي يخطب في مناضلي حزبه ويترشح للانتخابات الرئاسية ضد ساركوزي ويحضر البرامج الحوارية التلفزيونية دون أن يمنعه ذلك كله من الاشتغال كساعي بريد يوزع الرسائل والطرود يوميا على البيوت فوق دراجته النارية. السيدة أمينة بوعياش، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي لا تحضر الاجتماعات ولا تتابع الملفات ولا تقوم بأي عمل تستحق عليه أجرتها الشهرية والسيارة بالسائق التي وضعها الوزير رهن إشارتها، يجب أن تخجل من نفسها لأنها تتقاضى راتبا وتعويضات من أموال دافعي الضرائب دون أن تقوم بعمل تستحق عليه كل هذه الأموال. رغم كل ما يحدث من تبذير للمال العام وإهدار للميزانيات في التعويضات والرواتب الكبيرة، فإننا لم نسمع أحدا في المعارضة يطالب بمثول هؤلاء الوزراء والمسؤولين العموميين أمام البرلمان لمحسابتهم. بلى، سمعنا شيئا، سمعنا برلمانيين في العدالة والتنمية يحتجون على غناء مجندة إسرائيلية سابقة في حفل التسامح بأكادير، ويحتجون على نزع ممثلة لثيابها وبقائها بالمايو فوق الخشبة. مثلما سمعناهم سابقا يحتجون ضد غناء «إلطون جون» في مهرجان «موازين»، قبل أن يحضر عمدتهم في تطوان حفل «نوال الزغبي» الذي موله من ميزانية البلدية. إن المذبحة التي يتعرض لها المال العام تستدعي من المعارضة، إذا بقيت هناك من معارضة في البلد، أن تترك المواضيع السخيفة جانبا، وأن تتجرأ على الاقتراب من المواضيع التي تهم الناس. «بالعربية تاعرابات اللي بغا يتعرى يتعرى، راه القانون كاين، ما يعريناش غير حنا».