بعد قرابة عشرين عاما من الصمت، إثر تنحيته عن السلطة في الجزائر في 12 يناير 1992، خرج الرئيس الجزائري الأسبق، الشاذلي بنجديد، بتصريحات هي الأولى من نوعها حول الأحداث التي شهدتها الجزائر في بداية التسعينات من القرن الماضي، والمسألة الأمازيغية في بلاده، أثارت العديد من ردود الفعل داخل دوائر السلطة في الجزائر وفي أوساط المؤسسة العسكرية، الحاكم الفعلي للبلاد. ويبدو أن بنجديد لم يخلد للصمت، كما كان أقطاب المؤسسة العسكرية في الجزائر يأملون، لأن خليفة الهواري بومدين أصبح يشكل بالنسبة لهؤلاء واحدا من أشباح الماضي التي يريدون التخلص منها وربح سكوتها، خصوصا وأن ما تعيشه الجزائر اليوم يرجعه الكثيرون إلى النقطة الأولى التي أفاضت الكأس وكانت بداية لسلسلة من المخاضات الصعبة، وهي الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى البرلمان والبلديات عام 1991، في أول انفتاح تشهده البلاد على مدى أزيد من ثلاثين عاما من حكم الحزب الوحيد، كان لبنجديد سبق تاريخي فيه بعدما أجرى تعديلا دستوريا وسمح لأول مرة بالتعددية الحزبية وبتنظيم انتخابات بعيدا عن وصاية الحزب الوحيد، ممثلا في جبهة التحرير الوطني، التي كانت بيدها مفاتيح السياسة والعسكر. الشاذلي بنجديد قال إن المدخل للأزمة الجزائرية اليوم كان مدخلا ديمقراطيا، مرتبطا بالانقلاب على نتائج الانتخابات، معنى ذلك أن حكام الجزائر اليوم يحكمون خارج الشرعية، بعد أن تم القضاء على مرحلة الانفتاح الديمقراطي القصيرة وتشكيل المجلس الأعلى للدولة واستقدام محمد بوضياف من المغرب لكي يكون واجهة للجيش في قصر المرادية، لكن البحث عن الشرعية الثورية، من خلال بوضياف، سوف يفشل مع اغتياله عام 1992 في اجتماع ضم كبار الجنرالات والعسكريين في حادث غامض لا زال لغزا إلى اليوم، لكي ترجع البلاد إلى الوراء لكن بطريقة مختلفة تطبعها الفوضى، حيث تم اللجوء إلى الانتخابات المفبركة والتعددية الصورية. بنجديد قال في تصريحات لصحافيين يابانيين، ظهرت في كتاب باللغة اليابانية حول الأزمة في الجزائر، إن السلطة «أخطأت عندما منعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى الحكم»، مضيفا أن ذلك كان من شأنه أن يجنب البلاد الوضع الخطير الذي تعيشه اليوم «لو قبلت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 1991»، مؤكدا في الوقت نفسه أن عدم احترام اختيار الشعب الجزائري، في تلك الانتخابات، «كان خطأ كبيرا». مثل تلك التصريحات النارية لن تمر على النظام الجزائري كنسمة برد، خصوصا في الظروف الراهنة. ويتذكر الجميع أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد صرح وقتها بأن الانقلاب على الديمقراطية كان خطأ في الجزائر، وبأنه طالما أن صناديق الاقتراع هي التي حملت الإسلاميين إلى السلطة فيجب أن يحكموا، وهي التصريحات التي أغضبت أقطاب النظام العسكري في الجزائر، ثم جاءت بعدها أحداث أطلس أسني في مراكش بعد ثلاث سنوات كانت وراءها المخابرات العسكرية الجزائرية لكي تغرق المغرب في حمام دم وترد له الصاع صاعين. ولم يقف الرئيس الجزائري الأسبق عند محطة الانقلاب على الديمقراطية، بل تحدث أيضا عن «ربيع البربر» عام 1980 في منطقة تيزي وزو، حيث قال «سأقولها بكل صراحة، لقد كان هناك مخطط استعماري من طرف الأجهزة السرية الفرنسية من أجل تأجيج مشاعر الانتماء إلى الأمازيغية للحصول على تعاطف هذه المجموعات وربطها بفرنسا بهدف خلق مشكلات داخلية تقود إلى الضغط السياسي على الحكومة الجزائرية»، مضيفا قوله: «ولكي أبرهن على هذا الرأي يجب النظر إلى ما تفعله فرنسا لتعليم الأمازيغية في الجامعات».