كنت مارا بالقرب من القصر البلدي باكادير، فانتابني حركة غير اعتيادية أمام بنايتها وكثرة السيارات الفارهة مصطفة باحكام بجنباتها، فنبهني عقلي ان في الكواليس مستور ، فتنحنحت من سيارتي بعد أن اركنتها وبجهد جهيد في زاوية ضيقة ، فتسللت الى داخل مقر البلدية فادا بي بحشود غفيرة بقاعة ابراهيم الراضي، منهم الواقف والقعود والكل الى المنصة مشدوه ، توغلت بينهم في اتجاه المنصة ونغمة الربابة والاوطار والناقوس والبندير انسلت الى مصامغ ادني ، فانتابني عند سماعها شعور ليس له مثيل ، لأنه نغم ألفته مند أزمان ، منه تلك الجلسات الجميلات مع مجموعات من الروايس او ذلك المسيح الذي يطوف على الدواوير ويتحفها بمجمع يسمى اسايس او تلك المجموعات للروايس والتي كنا نلتحق بها في الحلقة بالاسواق لنتدوق الكلمات واللحن ولما لا الشطيح والرديح ، والتي يدب ازيزها ونغمها المياد في عروقنا وهي سحر ليس له مثيل وأخاد . اقتربت ، فظهر لي فنانون اعرفهم وهم من خيرة ما أنتجته المدرسة الفنية للروايس ، منهم العازف على الربابة ،ومنهم من يعزف على الأوطار ، ومنهم ضارب الناقوس ، ومنهم من يناول الدفوف ، انها سمفونية الروايس المثالية ، بها مبدعين منحوا الكثير للفن الامازيغي الاصيل والذين بهم ساير الفن الركب وأعطى الكثير ، بانغامهم ولحنهم وكلماتهم الدالة تغنى بها الكبير والصغير من في الادرار والازغار ومثلوا المغرب بالخارج بفنهم أحسن تمثيل ورغم ما يعيشونه من تهميش واقصاء ها هم قد واصلوا الركب بكل مصداقية وحملوا مشعل الفن الامازيغي لكي لا يزحزح وتطغى عليه اثون النسيان . ولكوني صحفي ، دفعني الى فضولي لمعرفة اسباب هذا الاحتفال البهيج وهذا الحشد الحاضر الأجيج ، والجالس بدون ضجيج ، فناولت ورقة من احد الزملاء فاذا هي برنامج لتلك السهرة الاخادة ومنها تيقنت انها ليلة الوفاء ليلة الاحتفال بالروايس ، وان هذه الليلة سيكرم فيها فنان ليس كالفنانين والذي اعطى الكثير وناضل من قريب ومن بعيد ، وأحيى بصمة في التاريخ الفني الامازيغي ، وكان سندا كبيرا لمجموعات غنائية عريقة واستطاع ان يمنحها ما وهبه الله من عزف على الريباب ، انه ميسترو فن الرباب الذهبي الامازيغي ” الحسن بلمودن ” والذي يعول عليه في كل محفل وحفل لانه يستطيع بعزفه وضربه على الة الربابة ان يصدر لحنا اخادا تقشعر له الابدان ، وتجعل الانسان يترنح ويشطح بدون شعور ، لان الله منحه ووهبه عزفا يجعل سامعه لايعي ما يفعل ويتمشى مع انغامه بانسياق بديع . ولولهة وصلت ساعة الحسم بعد ان استمعنا لوصلة امازيغية فنية رائعة ادتها سمفونية الروايس وهي من الروائع الخالدات لاعراب اتيكي ، بعد ذلك صعدت فتاة في رعيان شبابها للمنصة لربما هي منشطة الحفل وطلبت من الفنان الكبير ” االحسن بلمودن ” الصعود الى المنصة لتكريمه من طرف رئيس المجلس البلدي لاكادير ” طارق القباج ” الذي قدم للمحتفى شهادة تقديرية ودرع الاحتفال ، ليقوم الجمهوراللغفير المتواجد بالقاعة تقديرا لعطاء هذا الفنان ، فصدحت الأفواه باسمه ودوت الزغاريد وصفقت الايادي ، فكان الكل فرحا بتكريم هذا الهرم الكبير ، لان المكرم يستحق اكثر من ذلك وانه من الرعيل الاول الذي بصموا وودعوا في رفوف الفن الكثير والذين راكموا تجارب عدة منحها لهذا الرعيل ليساير الركب . نبذة موجزة عن المحتفى به ” الحسن بلمودن ” هو الحسن الانصاري بلمودن والملقب بميسترو الرباب الامازيغي ، ازداد بدوار بوابوض بنواحي شيشاوة ويبلغ من العمر الان 57 سنة ، بدأ مشواره الفني مع رواد الاغنية الامازيغية الخاصة بفن الروايس بنواحي مراكش وهم من الرعيل الاول ( الحاج عمر واهروش – الحاج محمد الدمسيري – الحاج المهدي بن امبارك – عبد الله بن ادريس المزوضي …) ، وقد سبق له ان تم تكريمه في عدة محافل منها مهرجان الروايس بتيزنيت وليلة الوفاء للوايس باكادير … والجميل في الامر ان المحتفى به قد شارك ضمن مجموعات غنائية عريقة والتي اغنت الساحة الفنية بسوس باغاني امازيغية خالدة وغنية بلحنها وكلماتها وادائها والتي لا يمكن لاي احد ان يظاهيها في هذا الزمان ، كما لا ننسى انه لحد هذه الساعة شارك في اصدار البومات واشرطة غنائية مند دخوله الى الفن والى اليوم في 1475 شريط والبوم غنائي ، والوحيد الذي شهد له الجميع انه كان مساندا بامتياز للفنانين لا سواء المنتمين للجيل الثاني والثالث والرابع .