شدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله ، على ضرورة اعتماد الرأسمال غير المادي ضمن المعايير الرئيسية لقياس ثروة الدول وتصنيفها، لافتا جلالته إلى أن عملية تنقيط وتصنيف الدول ، حسب المعايير المعتمدة حاليا ، أبانت عن محدوديتها وعن بعدها، في الكثير من الأحيان، عن واقع دول الجنوب، وعجزها عن تقديم صورة موضوعية عن مستوى التنمية البشرية بها. وأضاف جلالة الملك ، في الخطاب الذي وجهه إلى الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة لموضوع التنمية البشرية المستدامة ، إن الدراسات التي قام بها البنك الدولي أثبتت أن الرأسمال غير المادي يقوم على مجموعة من المعطيات المرتبطة بواقع عيش السكان، كالأمن والاستقرار، والموارد البشرية، ومستوى المؤسسات وجودة الحياة والبيئة، وهي معطيات لها تأثيرها الكبير في وضع السياسات العمومية. وأوضح صاحب الجلالة أن تطور الدول لا ينبغي أن يخضع لأي تنقيط أو تصنيف وإنما يجب التعامل معه كمسار تاريخي يقوم على التراكمات الايجابية لكل بلد ويحترم خصوصياته. وقال جلالة الملك ، من جهة أخرى ، إن استحضار الاثار السلبية للماضي الاستعماري، لا يهدف إلى محاكمة أي كان، وإنما هو دعوة صادقة لإنصاف دول الجنوب من خلال إعادة النظر في طريقة التعامل معها ودعم مساراتها التدريجية، نحو التقدم. وذكر جلالة الملك ، في هذا السياق، بما سبق أن أكده في خطابه بأبيدجان ، في فبراير الماضي، من أن إفريقيا ليست في حاجة للمساعدات الانسانية ، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات النفع المتبادل. كما شدد جلالته ، في نفس الخطاب ، على ضرورة تحرر إفريقيا من ماضيها ومن مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعتماد ، بالأساس ، على قدراتها الذاتية في تحقيق تنميتها. وقال إن ذلك ما جسده المغرب في الاتفاقيات الهامة التي تم توقيعها مع عدد من الدول الإفريقية الشقيقة، وخالصة الاتفاق الاستراتيجي بين المغرب والغابون في مجال انتاج الأسمدة وتوجيهها نحو البلدان الافريقية ، بما يساهم في التنمية وضمان الامن الغذائي بالقارة ، لا سيما وأنها تتوفر على خزان كبير من الاراضي غير المستغلة يمثل 60 في المئة على الصعيد العالمي. واعتبر جلالته ذلك نموذجا متميزا للتعاون بين دول الجنوب، يبرز قدرة هذه الدول على النهوض بإفريقيا بالاعتماد على الذات واستثمار الموارد الطبيعية لبلدانها. وأكد صاحب الجلالة أن تحقيق التنمية ليس مجرد مشاريع واعتمادات مالية كما أن التخلف ليس مرادفا لدول الجنوب، موضحا أن المشكل لا يرتبط بطبيعة ومؤهلات الانسان الإفريقي لأنه أثبت قدرته على العطاء والابداع ، كلما توفرت له الظروف الملائمة وتحرر من الارث الثقيل الذي خلفه الاستعمار. كما ان مشكلة التنمية بإفريقيا ، يستطرد جلالته ، لا تتعلق بطبيعة الارض والمناخ ، رغم قساوته في بعض المناطق ، وإنما بما تم تكريسه من تبعية اقتصادية ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل وانعدام نموذج تنموي مستدام ، وبالتالي فإن تقديم المساعدة لهذه الدول ليسا خيارا أو كرما ، وإنما هو ضرورة وواجب رغم أن ما تحتاجه الشعوب، في حقيقة الأمر، هو التعاون المثمر على أساس الاحترام المتبادل. وخلص جلالة الملك إلى أن الأمر يتطلب توفير الظروف الملائمة، على مستوى الفكر والممارسة ، للانتقال من مرحلة إلى أخرى في المسارين الديمقراطي والتنموي دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي عليها ، في المقابل، الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة.