فاتح ماي... الويل لمن تجرأ على منصة "رب" النقابة.. و الخزي و العار للذّين سيضحكون على خطبته البتراء، حيث يبيع الوهم لوجوه بئيسة تنظر إليه غير مُستوعبة لما يقول. يفرض عليها الوِصاية و تُؤتمر بأمره و تسبح في محراب بيروقراطيته النقابية. يستيقظ في الصباح من على فراشه الوثير، ينظر لساعة يديه و يحلق بقايا زغب لحيته، و يُلمع أسنانه بالمعجون كي تبدو الإبتسامة صافية و لا تفضح سوداوية أسنانه شعاراته المُلّونة بنفس اللون، يتناول فطوره بطمأنينة ويرتشف سائل قهوته و يغادر بحثا عن هندامه المُحَدَدِ بعناية فائقة و متروك لهذه المناسبة. يترجل من منزله و يصعد سيارته المركونة في حديقته الخلفية، يُشغل الهاتف و يشرع في الإتصال بكلابه التي تعودت مثل هذه المناسبة، لأنه ينفحها ببعض دراهم عرق الكادحين و الذيّن سيخطب فيهم اليوم. يتذكر أرقام هواتف المنابر الإعلامية التي تمجده، وتتزين كلمات مقالاتهم بإنجازاته، ففعلا صدقت كان لا يملك ثمن علبة سجائر "كازا"، واليوم أضحى "الأيفون" لا يفارق راحة يده المُلطخة ببيع أنين المقهورين في الضيعات و المصانع. فلاشيء أجاده سوى تغيير وضعيته الإجتماية و هذا ما جعل الصحافة "الكارية حنكها" تملئ صفحاتها بصوره و هو يلّوح بيده من على المنصة. يجلس فوق كرسي جُلب خصيصا له، يقعُد و يضع رجلا على رجل و حوله المتزلفون و بائعي الضمير كحاشية تتبرك بأمير. يشير بأصبعه مُعطيا الأوامر و بين الفينة و الأخرى يرّن الهاتف و يجيب و إبتسامةُ ثعلبية تلوح على شفتيه. الكلاب تتمسح بأذيال جلبابه وتحرك أذيالها كي تثبت له أنها حضرت بكامل إذلالها و خنوعها. أمامه جمع من الراقدين فوق التراب، قسمات وجوههم تفضح أنهم من عبيد الضيعات و مسجونيّ المصانع، يتلحفون "بفانيلة" عليها إسم النقابة التي يحكمها. بؤسهم و فقرهم يلوح من بياض أعينهم، ينتظرون "الخطبة البتراء" للإلاه فاتح ماي. يصعد كطاووس مُتوج يلقي كلماته الرنانة، يرغد و"يكشكش"، يطلب بالزيادة في الأجور و يتهم الحكومة و الوزراء بالسرقة، تعلوا التصفيقات من الكلاب و عبارات الولاء و التبعية. يتحمس أكثر فتبدأ الكلمات التي قالها في نفس المكان و نفس اليوم من السنة الفارطة في الهروب من بين أسنانه، فيتلقفها الفضاء دون أن تصل لمسمع الجالسين تحت المنصة. ينهي الرّبُ كلماته و ينزل مُعتقداً أن واجبه إتجاه العمال قد أداه، و تنطلق المسيرات لتجوب الشوارع مرددةٌ الشعارات. جلس وحيداً يتكأ على عصاه و قد غالب النوم جفونه لا يدري ماذا قاله الزعيم، ينهره صديقه بلكزه من يده لكنه يستمر في النوم و لسان حُلمه يقول: " لم نعد نصدق و لا نصدق كلماتك، رائحة عطرك إشتريتها من خلال بيعنا "للباطرونا"، و جلبابك كويتها بنار إكتوائنا، و لحيتك حلقتها عبر جفاف حلوقنا". هؤلاء، أينّما وليت وجهك ستجدهم فوق المنصات، في كل مدينة و على رأس كل نقابة. يرددون نفس الخطاب و يبتسمون بنفس الطريقة لأنهم صنعوا من نفس الطينة و رضعوا من ثدي نفس النظام ...