يستغل دابراهيم بقلب تفراوت محلا تجاريا يحمل رقم 18 بمقربة من فندق السلامة مقهى لا تتعدى مساحته 6 أمتار مربع وهي على شكل مستطيل ، بطاولتين اثنتين حمولتهما القصوى ثمانية كراسي ، و حتى من الملك العمومي لا يحتل منه سوى ما يسمح به القانون متر واحد ، فكل شيء لذا هذا الشخص ب” القياس والعبار ” فلا مجال للخسارة أو إعداد الطعام بكثرة ، إنه دا براهيم ابن قبيلة تنالت باقليم اشتوكة وبالضبط من منطقة أيت صواب شخص متواضع قليل الكلام ،تجاعيد وجهه تشير أنه في نهاية الخمسينيات من عمره ، قضى جزءا كبيرا من حياته بمدينة سطات حيث انتقل بين المهن التي عرف بها أبناء منطقته كالبقالة و المقاهي ولم يكن يضن أنه سيصبح في يوم من الأيام صاحب أصغر مقهى بتافراوت ، وعزا قدومه إليها بكون أبنائه الأربعة حينما بلغوا سن التمدرس بدواره اضطر إلى ترك مدينة سطات واتخاذ مدينة الصخور العملاقة مكانا للاستقرار حتى يضمن لهم الدراسة في وسط حضري تتوفر فيه كل الشروط ، ليقاوم الحياة بعدها بكل ما أوتي من علم الطبخ التقليدي ومابقي في مخيلته من طرق تقليدية لاعداد أطعمة ثمنها قليل وفضلها كثير ، واستطاع بفراسته و حدسه الثاقب أن يكسب ثقة معدة ساكنة المدينة وزوارها ، وتبقى أكلة “صيكوك” من أهم المأكولات التي تنتجها أصابع هذا الطباخ الماهر ، فإنتاجه في اليوم لا يتعدى حوالي 3 كلم من دقيق ” السميد ” والذي يختاره بعناية فائقة وفق مواصفات الجودة التي يميزها بعينه و لمسات بصماته التي محتها حرارة الكسكس المعد فوق ” كدرة ” اعتبرها رفيقة عمره وحبيبته الثانية التي لم يخف حبها لزوجته ، يتنقل بين السوق ومحله هذا في كل لحظة وحين كالنحلة تبحث عن الرحيق في البستان حيث الزهر الجميل ولا تحط إلا على أجود الزهرات ، فتراه يهيئ ما يكفي لملإ”طبسيل طاوس ” واحد معد بعناية فائقة ليضعه وراء واجهة صندوق زجاجي أناقته أساسا تتجلى في بساطته التامة فلا هو مصنوع من الألمنيوم ولا من “البيفيسي ” بل فقط مجموعة أخشاب مصبوغة بالأبيض الناصع تم وضعها بعناية لترسم مكعبا شفافا يذكر الناظر بصندوق الانتخابات ، مفرشا بقطع من الورق المقوى مغطى بعناية تامة ببلاستيك أبيض ناعم الملمس بجنباته زخارف تذكر المتأمل فيها بيد العروس ليلة الحناء ، لقد استطاع دا ابراهيم ان يتميز في مدينة تفراوت بكسكسه الرائع هذا ، ويستقطب امام محله عشرات المنتشين بأكلة “صيكوك” زاد من حدة الاقبال عليها حرارة الجو والمكان ، ورغبة المتواجدين في أكلة خفيفة على المعدة والجيب ثقيلة في الفائدة ، واستطاع أن ينتزع بافتخار من فيستيفال تيفاوين إحدى شارات التميز في ليالي التميز، وينافسه في علامة الجودة ، ويصنع لنفسه ومقهاه المتواضع جمهورا ليس بالغفير ولكن بالعاشق الولهان لجبانيات الكسكس الأبيض الناعم المعد بعناية فائقة على نار هادئة ليتناوله القادمون وهو يقسمون في قرارة أنفسهم الأيمان الغليضة بأن العودة إلى تفراوت تعني العودة بلا شك و ريبة إلى مقهى دابراهيم ، حيث يباع “صيكوك “