عجائب الدنيا السبع كانت ولا زالت شاهدة على روعة الابداع البشري في الأزمنة الجميلة، غير أن من حصروها في سبع، قد ضيقوا واسعا، فعجائب الدنيا لا تنقضي ولكل زمان عجائبه، عجائب البشر وعجائب الحجر وعجائب الشجر وعجائب البقر…، من أربع حلقات، أقدم لكم الحلقة الرابعة والأخيرة بعد “الأمهات العازبات والأمهات الخادمات (1)” و”الأحياء الموتى (2) و فن الكلام (3) . تستعد لاجتياز امتحان السياقة؟ أو تمتلك رخصة السياقة، لابد أن تضبط ما يعرف ب"الكود"، ومن أهم نقطه أن تعرف الطارة والطوناج الخاص بالسيارة التي ستقودها. كان نطق هاتين الكلمتين يثيرني على الضحك لما كنت أستعد لاجتياز امتحان السياقة، ولا أعرف لماذا؟ لكن فيما بعد اكتشفت شيئا مهما، "الطارة والطوناج" ليست حكرا على السائقين العاديين، بل هما سر من أسرار القيادة والريادة في العالم، فالدول التي تقود سفينة الدنيا تطوِّع وتروِّض الدول التابعة وفق مبدأي الطارة والطوناج. فالطارة التي قد يفهم ليست بالمعنى المتعارف عليه في "الكود"، ولكنها بمعاني فنية، أي الطارة كمدخل للنشاط بمفهومه الشعبي، الطارة أو ما يعرف "بالبندير" رمز "للشطيح" والدرديك والشرب حتى الثمالة. الدول القائدة تنفق على البحث العلمي وتستثمر في تكوين العلماء، بل راحت أبعد من ذلك حين صارت تستنزف العقول والأدمغة من بلدان أخرى بمقتضى هجرة انتقائية، هجرة تستقطب النخب المبدعة وصفوة عقول هذه المجتمعات، فحسب بيان صادر عن المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا (ومقرها الشارقة) صادر في يونيو 2012، جاء في قائمة العلماء العرب الأكثر نفوذا 28 عالماً، بنسبة 5.6 في المئة، منهم 5 عالمات بنسبة 17.85 في المئة من إجمالي العلماء، 52 في المئة منهم يعيشون في الخارج، وتحديدا بأميركا، بريطانيا، فرنسا والبرازيل. بلدان هؤلاء العباقرة والموهوبون مشاتل يتعلمون فيها وتنفقهم عليهم دولهم الكثير حتى يقوى عودهم ثم تحصدهم بالمجان بلدان الاستقبال هذه، وفي مقابل ذلك تدعم وتشجع البلدان النامية ثقافة "عاود دردك زيد دردك" حتى لا يكون الأفق إلا قاتما في وجه المتفوقين ويحسوا أن بلدانهم الأصلية لم تنضج بعد لاحتضانهم واحتضان مواهبهم وطاقاتهم. حين نتحدث عن الطارة فبالطبع لها توابع، أهمها "الكَاسْ" الذي لا معنى للطارة بدونه، والذي يريد التحقق من صحة الكلام، فلن نحيله على الحانات والعلب الليلية والمهرجانات، فالأمر الآن لم يعد مستورا كما من قبل بل صار جهارا أي "بالعلَّالي"، يكفي أن تتجول عشية السبت على طول الشواطئ لتجد فضاءات للسكر في الهواء الطلق، حانات مفتوحة للعيان تحت صخب الطارة. أما الطوناج فهو الاتجاه الجديد في التربية البدنية، بجعل الجسد، خاصة جسد المرأة، موضوعا لاكتناز اللحم والشحم سواء باستعمال حبة "دردك" أو بالعشبات الغريبة، بل صار حتى الكثير من الرجال يهتمون بأجسادهم حد الوله والجنون. مجتمع يراد له أن تكون الطارة والطوناج أحد مبادئه، لن يكون إلا مرتعا لتفشي ظواهر اغتصاب القاصرين والقاصرات وانتشار السحاق واللواط وحالات الحمل خارج مؤسسة الزواج، مجتمع موضوعه الأساس الجنس ولا شيء غير ذلك، والاعتراض أو الامتعاض يَشِي بوجود دخلاء لايريدون الخير للناس، إنها فئة المحافظين في أحسن الأحوال والرجعيين في أسوئها. وبين ذلك وذاك تستمر الطارة في إصدار الايقاعات والموازين التي تهتز لها الأرداف وتتمايل لها الأجساد معلنة استمرار مسلسل لا نهاية لها عنوانه "التخلف".