ليس غريبا أن تتعرض الحكومة الحالية لانتقادات شرسة من قبل الخصوم السياسيين لحزب العدالة والتنمية المؤثثين لمشهد سياسي معارض، ميزته الأساسَة، أنه مشهد متشرذم ومتصارع ودون أي أجندات سياسية واضحة أو مشروع نهضوي بديل، خلا الزعيق والنعيق، والقذف بالكذب والبهتان، والضرب تحت الحزام،... وليس غريبا أن ينبري الخصوم التاريخيون للإسلاميين لركوب ظهر الموجة الناقمة المرافقة للقرارات المرتجلة لهذا الفصيل / الخصم ) آخرها قرار تجميد تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار٬ المقررة برسم السنة المالية الحالية ( ، ويكيلوا له كل نعوت التنقيص والتهم المجانية، ويستدعوا من قاموسهم القمئ، وقاموس "شيوخهم" في الشرق والغرب؛ التهم الغلاظ، والافتراءات الكبرى،... و لكن الغريب، بل المستغرب حقيقة، هو سكوت ذوي العقول والنُّهى من كل الأطياف والحساسيات، المؤيدة منها والمعارِضة، عن الصدع بالحق، والقول الفصل، البعيد عن المزايدات السياسوية، والحساسيات الضيقة، والاتهامات المُشينة المسقطة في القذف الإعلامي الرخيص، والمتاجرة بالأخطاء والتلكؤات و"الأعراض" السياسية،... إنني لأقف مليا أتأمل في هذا الحراك الجارف الذي تقوده عائلة البيت السياسي المغربي بصنفيها: المؤيد للحكومة والمعارض؛ فأستغرب كثيرا ألا أجد ضمن الصنفين من يشذ – إلا فيما ندر- عن عموم الاندفاع نحو "قناعة" التيار الذي يمثله، فينبري المعارض – مثلا- ليقول: لقد أحسنت الحكومة في كذا وكذا، وينبري، في المقابل، المؤيد ليسجل، على الملإ، أخطاء الحكومة وتجاوزاتها ويدعوها إلى الصواب الذي يراه صوابا وإن خالف هوى المسؤول أو"الشيخ" !!! لا يمكن لمن يتتبع خرجات المعارضة في المغرب، على تباين منطلقاتها الفكرية والأيديولوجية، وقناعاتها السياسية والاجتماعية، أن يفهم شيئا سوى أن الدافع الوحيد خلف كل الجهد الذي تستهلكه في "نضالها" المستميت ضد العمل الحكومي، ليس الغاية منه سوى الوصول إلى الحكم وانتزاع "الكرسي" من سارقيه) (!،.. ولو " طارت معزة" !! ولا يمكن لمن يتتبع خرجات مؤيدي الحكومة، خصوصا أتباع السيد رئيس الحكومة، من أغلبية مناضلي حزب العدالة والتنمية، وما تتميز به هذه الخرجات من الركون الأعمى إلى كل القرارات التي تتخذها الحكومة، حتى اللاشعبية منها، وتغييب الغالبية من هؤلاء لعقولهم التي خلقها الله في رؤوسهم، أثناء معالجتهم لهذه القرارات، وحتى في المراحل الأولى لتنزيلها، بل حتى وهي لا زالت مشاريع ورؤى مسطرة في الأوراق؛ إلا أن يمسك على قلبه، ويتحسر أن ابتلي المغرب ب"مريدين جدد" لا يعصون الشيوخ فيما يَأمرون ويفعلون ما يُؤمرون !! لقد تنفس عقلاء الإسلاميين وعقلاء الحداثيين الصعداء، في هذا البلد، حينما وصل إلى الحكم إسلاميون مشهود لهم بالوسطية والاعتدال، ومعروفون بنبذهم للعنف ودعاته، ولم "يسقط" )أي الحكم( بين يدي دعاة العنف والتطرف، أو بين يدي مريدي شيوخ الزوايا وعباد "أوثان" الطرق الصوفية البدعية من المهووسين بتقلد المناصب، وتقدم الناس، والتلذذ بتساقط الأتباع على أعتابهم المباركة،... نعم لقد استبشر العقلاء والمخلصون من أبناء هذا البلد أن يصير حكم البلاد، وتدبير شأنه العمومي إلى أمثال هؤلاء؛ لكن لا أحد من هؤلاء كان يتكهن بأن تتحول هذه الوجوه، التي عرفناها أبعد ما تكون عن سلوك سبيل التبعية والاتباع "العبيدي"، وأشرس الناس في محاربة هكذا سلوكات ومحاولات لتُضخيم "أنا" الزعيم الملهم، والشيخ المعصوم، وفريد الزمان،... إلى اقتراف ذات "السلوكات العبيدية" في حق الزعيم القائد "العظيم" )كما يحلو لإحدى البرلمانيات "الإسلاميات" أن تطلق على السيد رئيس الحكومة(، وانتهاج نفس الأساليب البائدة، التي كانوا ينقمونها على أتباع الشيخ ياسين – رحمه الله-، ويعدونها من بقايا عصور الانحطاط، والتبعية، وهم اليوم "يحيونها" في عملية سياسوية ضخمة تحمل الكثير من الإمعية، وفقدان الإرادة، وذهاب ريح "الشخصية الحرة الأبية" التي كانوا يمثلونها في حضرة السيد الأمين العام أيام "الجدال" الفكري والسياسي الداخلي قبل أن يصير رئيسا للوزراء !! . لقد أصبح الدفاع المستميت عن التجربة الحكومية الحالية من قبل أتباع السيد ابن كيران، بدون حدود، ولا منطق، ولا شروط، أيا كانت الأخطاء المرتكبة، والسياسات المعتمدة؛ دَيْدَنُ هذه الأغلبية التي تزن ردود الفعل، الصادرة من المعارضين، على بطء الإصلاح وفشل التجربة، بميزان "نظرية المؤامرة"، الذي يجعل السبب الأساس الثاوي خلف الفشل- كل الفشل- الذي عرفه تنزيل مشاريع الإصلاح يرجع إلى تدخل "عفاريت وتماسيح"، ناقمة ومنتقمة، دورها أن تفرمل مسار الإصلاح الذي جاءت هذه الحكومة لتثبته في دواليب الدولة، وساحات الوطن الذي يعاني من الفساد والظلم والاستبداد.... لكن لا أحد استطاع أن يتقدم إلى الشعب بأسمائها وعناوينها، أو ينشر لوائح عنها؛ حتى رئيس الحكومة لم يجرؤ على ذلك، واكتفى بالترميز لها بما يوحي أن خلف الأكِمَّة؛ مقاومات، ومُمَانعات، غير مَقْدُورَةِ المواجهة له ولحكومته.. ؛ مما يعطي أكثر من مبرر لالتماس الأعذار، وتبرير الزلات... !! لا يمكنني أن أجزم أن هذا الحراك المؤيد للحكومة من قبل أتباع السيد رئيس الحكومة صادر من "تعليمات" فوقية لقادة الحزب أو لأمينها العام نفسه، كما لا يمكنني أن أنفي ذلك. ولكن الذي يمكنني أن أؤكده- هاهنا- هو أن التوافق المنسجم، والتداعي العجيب لاقتراحات "الأتباع" وإشاراتهم بخصوص المساندة اللامشروطة للحكومة الحالية ضد المشوشين والمفسدين وناشري فكر التيئيس والتثبيط،... لا يمكن أن يتناغم، بهذه الشاكلة، ووفق هذا المسار المؤسس لهذا "البناء التدافعي"، دون أن تكون من خلفه أيادٍ مُهندِسة، وعقول مُوجِّهة، وقرارات مسؤولة؛ وإلا لوجدنا من عقلاء الحزب، وهم كثر لحسن الحظ، من يعترض على هكذا اندفاعات، أغلبها سيعود على شعبية الحزب ومؤسسيه عكس المُبتغى.. (1) وهو الأمر الذي لم نعثر له على أثر بالشكل الذي سيعيد التوازن النفسي إلى حراك "الأتباع" الذين وضعوا البيض كله في كيس واحد، دون أن يتركوا لهم هامشا للمناورة وتحميل المسؤولية، رغم بعض "التنبيهات")2( اللطيفة والمحتشمة الصادرة من بعض مسؤولي الحزب... ! ---------------------------------------------- )1( قامت مجموعة من مناضلي الحزب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر دعوات للمشاركة في المسيرة المليونية المؤيدة للحكومة ولرئيسها، وللرد على المفسدين والمشوشين على العمل الحكومي كما جاء في البيان التعبوي المنشور. وقد حددوا يوم فاتح ماي كموعد لهذه المسيرة. وإن كنا نعد لجوء أعضاء أي حزب أوتنظيم للدفاع عنه بكل الوسائل المشروعة، من صميم حرية التعبير التي نؤمن بها وندعو إلى احترامها مهما اختلفنا؛ فإن استغلال هذا اليوم الذي يمثل عيدا لجميع العمال على اختلاف انتماءاتهم وقناعاتهم، للتظاهر وكسب الأصوات، ولتصفية المعارك والحسابات، لا يمكن أن يكون إلا مرفوضا ومستهجنا؛ لذلك كتبنا في أحد تعاليقنا على موقع الفيس نقول:" فاتح ماي هو عيد العمال-كل العمال- في كل العالم، وليس مناسبة للمزايدات السياسوية، أو فرصة لتصفية الحسابات بين هذا الطرف وذاك. العمال من مختلف القطاعات والحساسيات السياسية والنقابية سيحتفلون، كما جرت العادة، يوم فاتح ماي بعيدهم العالمي، ولا أظن أن أحدا منهم سيكون مستعدا لقبول من يندس بين صفوفهم لتهريب عرسهم السنوي إلى هيأته أو فئته أو جماعته أيا كان وزنها، ويركب الظهور لتحقيق المآرب أو تصفية الحسابات.. فمن أراد أن يستدعي "بدعة المليونيات"، ويتحمل مسؤولية تفكيك الصف الوطني وتفييئه إلى فسيفساء ومُزق متصارعة؛ فدونه أيام العام الطوال...!!!" ولقد علمنا، مؤخرا، أن العديد من مسؤولي الحزب وقادته قد "استهجنوا" إقدام "الأتباع" على هذه المبادرة، ودعوا لإلغائها. وهو الأمر الذي سنتأكد من صحته يوم فاتح ماي إن شاء الله. (2) من ذلك ماكتبه عضو المجلس الوطني للحزب نور الدين قربال حينما قال :" ...المؤسف هوعندما يوافق أعضاء الحكومة على قرار وينقضون غزلهم رؤساءهم، تلك هي الطامة الكبرى. كما ننبه الحكومة إلى عامل الزمن مما يحتم عليها رفع وثيرة العمل والانجاز. إننا نريد من الحكومة أن تتخذ إجراءات جريئة، وتتواصل مع الشعب من أجل إشراكه في القرار اعتمادا على الشفافية والتشاركية والتواصلية..."