مر عام على تنصيب الحكومة الحالية، وعلى تدبير شأن عمومي عَصِيٍّ ومعقد، خلفته سياسات هجينة وفاسدة لعشرات الحكومات السابقة... مرَّعام من العمل الدؤوب لرجال ونساء دولة يحاولون نفض الغبار عن واقع مترهل رانت عليه سنوات الفساد والإفساد، حتى غدا واقعا مألوفا بين الناس؛ ألفو فساده، واستأنسوا بمفسديه، وقبلوا-على مضض، وفي غياب البديل- العيش تحت ظل دخانه المزكم للنفوس التي ماعادت تميز بين الروائح !. مَرَّعامٌ على محاولات مستميتة لحكومة أخذت على عاتقها أن تحارب الفساد والمفسدين، فاستطاعت -لأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية- أن تثير ملفات فساد كبيرة، وتقتحم على المفسدين سكونهم المخملي، وتحدث هزات عنيفة لنفوسهم المريضة؛ بل وتنقل بعضهم من الفرش الناعم، إلى غياهب السجون، جنبا إلى جنب مع عتاة المجرمين والقتلة. مر عام على تدبير حكومي أسال الكثير من المداد، وأثار الكثير من الشجون، كما أثار الكثير من الرضى والقبول،سواء.. !. تدبيرٌ، توسل رواده بالكثير من ضبط النفس، و"المراوغة" العاقلة لعوادي الرفض، والإثارات السياسوية المفتعلة من قبل الخصوم الإيديولوجيين لتوجه التيار الغالب داخل دِهليز الحكومة. مر عام .. لكننا لن نكون عدميين لنقول:ألا شيء تحقق رغم التدبير المضني لملفات فساد ضخمة وملتبسة عرفتها إداراتنا المختلفة، ونشأ عليها جيل من المواطنين والمواطنات ظنوا أن "الأمور هكذا تسير" !، وأن الإصلاح أمنية في الأحلام ليس غير، وأن المغرب وُجِد لصنف من البشر يعرف كيف يأكل الكتف، وأن الفقير سيبقى فقيرا يسعى عباد الله على أبواب المساجد، وأمام المحلات وفي الطرقات، أو يعمل في خدمة الغني أبد الدهر... لن نكون عدميين، ونحن نتابع المحاولات الاستثنائية التي خاضتها حكومة ابن كيران ضدالفساد؛ والتي بدأتها بالضرب بقوة على جنبات هيكله الضخم بلازب الفضح والتشهير، ثم التحقيق والافتحاص؛ فالمتابعات. مما أحدث رضوضا وتصدعاتٍ على جداره الفولاذي المتين. كما صرفت ذات الجهد الذي بذلته في فضح الفساد، وهتك اسماء المفسدين؛ في إعادة الثقة إلى شريحة عريضة من المواطنين والمواطنات في الإدارات المختلفة، التي ظلت لسنوات تمثل -بالنسبة لهم- الغول الذي يخيفهم كلما هَمُّواْ بالاقتراب منه، أو تلمس حاجتهم لديه. لقد كانت لخطوات هذه الحكومة الجريئة في محاربة الفساد، ممانعات ومعارضات كثيرة ومتنوعة، انبرت من مختلف المصالح والإدارات، والأحزاب والنقابات، والهيئات والمنظمات، وكل الذين كانوا يعتاشون من هذا الفساد، على حساب خبز المواطن العادي الذي عانى من سياساتهم الهجينة، وقراراتهم الظالمة لعقود. حتى الموظفين الصغار، في مختلف الإدارات، الذين ظلوا يعيشون على التلاعب بمصالح الناس؛ تسويفا، وإهمالا، وتعطيلا،...ويسرقون أموالهم؛رشوة، واختلاسا، ويتمتعون بعطل مفتوحة ودائمة مع سبق الإصراروالترصد، ويعملون وفق"الكانة"؛ تشاءموا من حراك هذه الحكومة. لأنهم أحسوا أن زمن "المشماش" أزف على الرحيل، وأن هذه الحكومة لا تعرف إلا"المعقول". وهم يشاهدون وزراء حكومتهم يعملون، ولا يَكِلُّون ولا يَمَلُّون، كما يسمعون عن رئيس الحكومة كيف يلازم مكتبه من الصباح الباكر إلى وقت متأخر من الليل؛ بل و يتناول فيه غذاءه الذي يأتيه من بيته الشعبي -لا من المطاعم الفاخرة- ويَقِيلُ فيه !!. يشاهدون كل هذا، ويحسون أن هذه الطينة من الرجال مختلفة تماما، ولا يمكن أن يستمر الوضع معها كما كان. لذلك قرروا أن ينتفضوا ضد هذا "الانقلاب" الذي سيحول حياتهم الماضية، حيث كانوا يعملون قليلا ويؤجرون كثيرا، إلى جحيم لا يطاق؛ حينما سيسألون وسيحاسبون على المردودية، والانضباط، والعطاء،ووو... نعم، لقد بدأ هؤلاء ينتفضون ضد إصلاحات هذه الحكومة التي ستصيبهم في مَقْتَل. فأخذوا يشوشون على عملها بنشر الإشاعات المغرضة في حق وزرائها، وعلاقاتهم، وتوجهاتهم، لإخافة الرأي العام من سياستها، والدفع في اتجاه الانتفاضة ضدها، لإعادة الأوضاع إلى سالف عصرها. أما الخصوم السياسيون، الذين سقط في أيديهم، وبدأوا يشعرون بدُنُوِّ أجلهم السياسي والنضالي، و تَيَتُّمِ حالهم أمام الارتياح الملحوظ لأغلب المواطنين والمواطنات من التململ الذي بدأ يلوح في أفق وضعهم الحقوقي والإنساني؛ مَرْبِضِ انتعاش هذه الدكاكين الانتخابية؛ فلا يَعْدِمون تُهَماً وادعاءاتٍ. فقاموسهم الطافح بلغة التنابز بالألقاب السياسية، والتي نشأوا عليها طيلة عمرهم النضالي، وصراعاتهم السياسية مع خصومهم السياسيين من مختلف المشارب والأطياف الإيديولوجية؛ لن يخدلهم ليستدعوا منه كل العبارات، والألفاظ، يرمونها في وجوه من جاؤوا إلى السياسة ليصلحوا وضع البلاد الذي أفسدوه، وينتشلوا العباد من بين مخالب نظرياتهم المادية البائدة التي ظلوا يُنَوِّمُون بها العباد كالطلاسم التي تستهوي ضعاف القلوب بين يدي المشعوذين؛ حتى إذا انتبهوا؛ لم يجدوا شيئا، ووجدوا الواقع أمامهم أمَرَّ مِمَّا كان !!. فلا يمكن لمنصف- مهما اختلف مع هذه الحكومة وأسلوبها في التدبير- إلا أن يثمن هذا الحراك لإسقاط الفساد، وإن كانت بوازغه لم تتضح معالمها بعدُ للكثير من المستعجلين الذين يظنون أن التغيير سهل وبدون ثمن، وأن الإرادات الصادقة كافية لتحقيق المعجزة، وينسون أن غول الفساد الذي تجذر في المجتمع، ودواليب الدولة، لعقود، حتى استأنس به الناس؛ لا يمكن القضاء عليه بضربة لازب، أو النفخ فيه ليطير، دون سلوك سبيل التدرج الذي قامت عليه السماوات والأرضين، وأعمله رب العالمين في كتابه العزيز وهو يعالج الفساد الجاهلي الذي ترسخ في مجتمع ما قبل الإسلام؛ بل وأعمله في عملية الخلق التي تفرد بها، سبحانه وتعالى، دون سائر خلقه، رغم أن أمره بين الكاف والنون؛ ﴿إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لَهُ كُنْ فَيَكون﴾(يس:82)!!. فهذه مجرد بداية، نتمنى أن يكون لها ما بعدها...فأول الغيث قطرة، ثم ينهمر !!