تختلف المشكلات التي تعاني منها الفتيات، وتختلف أيضًا طبيعة التعبير والتعامل مع هذه المشكلات وفقًا لحالة الثقافة والفكر، وطبيعة العلاقة الاجتماعية مع المحيط العائلي من الآباء والأشقاء. وتتباين كذلك أسباب تلك المشكلات بين الحرمان العاطفي وعدم تفهم الآخرين لهن، وعدم تحديد الأهداف في حياتهن، إضافة إلى الانفتاح على العالم الغربي، وكذلك على عالم التقنيات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات التي أخذهن من حياتهن الواقعية إلى حياة افتراضية. "لها أون لاين" في التقرير التالي تُنصت إلى مجموعة من الفتيات للتعرف على مشاكلهن، وتتحدث إلى مختصة عملت سنوات كأخصائية نفسية لفتيات في المرحلة الثانوية. مشكلتي هي والدي تقف المشكلات العائلية كحجر عثرة أمام استمرار حياة الفتاة يسرى -17عامًا- وهي طالبة في الثانوية العامة الفرع العلمي على وتيرة الهدوء. تنقل هذه الفتاة لنا أن أعظم مشكلة في حياتها هي والدها الذي لا يفكر إلا في نفسه، تصمت قليلًا، ثم تتابع الحديث بألم تقول: "أحلم باليوم الذي أغادر فيه البيت، فلا أرى وجه أبي لتستقيم حياتي وأبدأ من جديد"، الفتاة لم تُخف أن المشكلات العائلية أثرت على مستوى تحصيلها الدراسي في الصف الأول الثانوي، وتضيف: "كيف لي ألا أتأثر! وقد تزوج أبي بامرأة أخرى وأنجب منها ثم طلقها، وبعد أن تخلت عن مولودها "أخي من أبي" تركه في حضانة أمي، وأخيراً تزوج من ثالثة تأخذ كل وقته ويمنحها كل السعادة! في حين يحرمني منها وأشقائي وأمي من أقل الحقوق". الظروف السابقة حرمت يسرى من أي وجه للعاطفة والعناية الأبوية، بل أقنعتها أن الحياة مع أب "مأساة" تنغص كافة أمور حياتها، الفتاة لم تجد بدًا أمام مشكلتها من المواجهة فقد فطنت إلى أن العلم سبيلها للتخلص من هموم ومشاكل أبيها التي لا تنتهي جمعت ذاكرتها وعزمت على مواصلة المشوار بمزيد من التفوق، هربت إلى الكتب فأبدعت في الصف الثاني الثانوي وحصلت على معدل 90% وتتمنى أن تحصده هذا العام في الثانوية العامة، تقول الفتاة: "إن تربية والدتها ومحاولتها الحثيثة أن توفر لهم كافة سبل الراحة رغم آلامها وانتكاساتها المتتابعة تجعلها أقدر على المواجهة". انعدام التقدير وتكمن أعظم المشكلات التي تواجهها "داليا" 16 عامًا في انعدام التقدير والاحترام وسوء التكيف مع المجتمع، تقول:"إن وجهة نظرها كثيراً ما تكون محط انتقاد وأحيانًا استهزاء الآخرين بها، خاصة أقرانها الذين يصفونها بالمثالية والعاطفية"، وتتابع هم يعتبرون أن مسايرة التكنولوجيا أمر محتوم، ويفتحون الباب لأقرانهم من الذكور ليقيموا علاقات صداقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتنتهي فيما بعد وفق طموحهم وأملهم بالزواج، تهمس: "لا أستطيع فعل ذلك فتربيتي وأخلاقي وديني تمنعني"، وتضيف يتهموني بالغرور والكبر رغم أن ذلك ليس طبعي ولا صفاتي، ولكن يرون ذلك نتيجة رفضي لمجاراتهم، الفتاة مقتنعة تمامًا أن ما تفعله هو الصحيح، وأن رفعة الأخلاق وحسن الدين أوفى تقدير من الله لكنها تخشى أن يكون كل أفراد المجتمع يفكروا بذات الطريقة، خاصة وأن والدتها تحثها على الحديث الطيب مع الأقارب لتحظى بزوج صالح، وإلا فسيكون مصيرها مؤلما – وفقًا لتعبير والدتها-. لا أحد يفهمني تشكو آلاء 22 عامًا خريجة كلية العلوم، من عدم تفهم الآخرين لها، فالجميع يصفها بالعنيدة، المتعصبة في تعاملاتها مع الأمور وكذلك الناس، تقول: "ليس ذلك طبعي ولكن لا أحد يستطيع أن يفهم ما أريد". تريد آلاء حياة خالية من أي هموم كتلك التي تراها في الأفلام والدراما، فقط تنبض بالحب والإخاء، لكنها لم تجد منها شيئا مما يدعوها للقلق، فتعبر عنه بعصبية وعند وصفها في التعامل، تؤكد لنا أن طبيعة العلاقة الأسرية وتلاحم العائلة من شأنه أن يهدئ من روعها قليلًا، لكن ضغوط الحياة وإخفاقات العمل أحيانًا تُعيدها إلى حالتها الأولى، وتجتهد الفتاة في اللجوء إلى الله والتقرب إليه بالطاعات، وتحرص على انتقاء الأصدقاء اللاتي يمنحنها بعضًا من ألوان الحياة بالحب والتآخي والنصيحة السديدة الصادقة. المشاكل العاطفية الأبرز وتبدو المشاكل العاطفية لدى الأخصائية التربوية سعاد كلوب، كقاسم مشترك بين الفتيات خاصة في مرحلة المراهقة، مؤكدة أن سبب ذلك طبيعة المرحلة التي تمر بها الفتاة، والتي تنجر فيها خلف عاطفتها، إضافةً إلى ما يتبعها من سلوكيات خاطئة قد تدمر حياتهن من تبادل رسائل الجوال، أو حتى الأحاديث في الخفاء بعيدًا عن أعين الأهل وأولي الأمر. وأضافت: "أن مشكلة التقليد الأعمى للموضة بدأت تبرز بشكل كبير لدى الفتيات في المجتمع"، بسبب الانفتاح على العالم التكنولوجي والفضائي حتى باتت ملاحقة الموضة هوس لديهن، مؤكدة أن الكثير من الفتيات على صعيد التقليد الأعمى للموضة يعمدن إلى مخالفة الزي المدرسي. آثار خطيرة وتشرح كلوب في حديثها ل "لها أون لاين" عن أهم الآثار التي يتركها انجرار الفتيات لعواطفهن، تؤكد أن التأخر الدراسي يلازمهن، ناهيك عن حرصها على اهتمامها بمظهرها على حساب دراستها وتفوقها الدراسي، وأضافت أن بعض الطالبات المتفوقات نتيجة مشاكلهن ومحاولتهن الاحتفاظ بمعدلاتهن المرتفعة بأقل مجهود ممكن، تعمدن إلى اختيار التخصص الأكثر سهولة للدراسة سواء أثناء الثانوية العامة والاختيار بين الفرع العلمي والأدبي، أو على صعيد الجامعة فتدرس تخصص مقبول لديها وللمجتمع يحقق لها المكانة الاجتماعية، وكذلك لا يرهقها كثيرًا في الدراسة كتفضيلهن العلوم الأدبية على العلمية. وأرجعت كلوب (المدرب المعتمد بوزارة التربية والتعليم) المشاكل لدى الفتيات إلى أسباب متعددة بعضها خاصة بالأسرة، وأخرى بالفتاة نفسها والمجتمع وقالت: "العوامل مجتمعة تتفاعل مع بعضها، وتُظهر المشكلة لدى الفتاة خاصة إذا كانت تواجه جفاءً في المشاعر العاطفية من قبل والديها، فتبدأ بالبحث عنها خارج حدود محيطها الاجتماعي". وبيَّنت أن الأهل والمدرسة والبيئة المحيطة والفتاة نفسها عوامل مشتركة تزيد اشتعال جذوة المشكلة إذا اعترى دور أحدها بعض التقصير، وأضافت أن الرعاية الأسرية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة عنوان النجاة بالمراهقة من مشاكل وآلام المرحلة وتبعاتها على سلوكها وحياتها. وتنصح كلوب الأهالي وأولياء الأمور بضرورة الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية والأسرية للمراهق وخاصة المراهقة باعتبار المرحلة مفترق طرق، إما يُنتج إنسان سوي أو فاسد، لا يُعد هذا شيئا -وفق تعبيرها-.