قضت هيأة الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بأكادير، أخيرا، بعد النقض الذي تقدم به الاستاذ الجامعي المتهم بقتل طالبته داخل قاعة الدرس بكلية العلوم ابن زهر بأكادير، ضدا على الحكم الصادر في حقه سلفا، بتأييد الحكم الاستئنافي مع خفض العقوبة الحبسية إلى عشر سنوات سجنا نافذا مع التعويض والغرامة، بدل اثني عشرة سنة التي قضت بها غرفة المشورة الاستئنافية. تعود وقائع الملف، حسب ما يستفاد من أوراق النازلة إلى صبيحة يوم 26 شتنبر 2009، حيث اكتشفت جثة الطالبة البالغة 27 سنة من العمر، داخل إحدى القاعات الدراسية بكلية العلوم بمدينة الانبعاث جثة هامدة. وضعية الجثة بعد الكشف عليها كانت تشير إلى أن الضحية تعرضت إلى تصفية جسدية، خاصة أن قدميها كانتا حافيتين، لون وجهها وقفصها الصدري عند النهدين يميلان إلى السواد، وعينها اليمنى مصابة برضوض وآثار زرقاء بادية عليها، إضافة إلى كدمات وتعنيف تبدو بالعنق عند الحنجرة. وثائق الملف تفيد أن الشرطة القضائية بأكادير، انطلقت في المرحلة الأولى من البحث العلمي والتحقيق، حيث عملت فرقة تابعة للشرطة العلمية على تمشيط واسع النطاق لمسرح الجريمة والتركيز على البصمات، وانتهاء لإحالة الجثة على مستودع الأموات، حيث رفعت عينات مهبلية على فرضية تعرض الضحية لاستغلال جنسي. نفس الشيء لعينات من دمها وحمضها النووي ثم أظافرها قصد استغلالها في رفع البصمات الجينية المحتمل أن تكون للجاني، ناهيك عن اعتماد بصمات الهالكة ومقارنتها مع بياناتها بالنظام الآلي. وبعد الاستماع إلى والد الهالكة وأخويها، عمدت المصالح الامنية إلى اعتماد تقنيات متطورة، يمكن من تعقب آثار الدم والكشف عنها، حيث تم أخذ عينات منها ساهمت في تحديد الحمض النووي. وبرش محلول كيميائي بمكان العثور على الجثة، ومختلف الأماكن والأروقة المجاورة، حيث تفاعلت المادة المستعملة عبر إشعاعها الضوئي مع سبعة مواقع تم أخذ عينة منها، خاصة من أمام القاعة 108 وعينة من قطعة من الورق أمام نفس القاعة، وكذا عينة من باب القاعة 2-104 في اتجاه الداخل. كما أقدم المحققون على أخذ عينة من أمام المكتب 5-104 وعينة من وسط القاعة 2-104، إلى جانب عينة من داخل مكتب 5-104، الذي هو مكتب مؤطر رسالتها. وتبعا للأبحاث والتحريات التي عرفتها عملية البحث عن خيط رفيع من أجل الوصول إلى الجاني، خاصة تلك عرفها محيط الجريمة، اهتدت العناصر الامنية من خلالها الوقوف على سلسلة من المشاكل التي كانت تعيشها الضحية قيد حياتها مع أستاذها، خاصة أنه كان يشرف على أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم، واسترسالا في البحث، استطاعت الفرقة الكشف على مكالمة هاتفية تمت بين المشتبه به والضحية ساعات قليلة من اكتشاف جثة الضحية. كانت كل المعطيات المتوصل بها، اضافة إلى نتائج التشريح الطبي المنجز من قبل مصالح مستشفى الحسن الثاني بأكادير تشير إلى أن سبب وفاة الضحية ناتج عن الخنق باليد، وأنها أصيبت ببعض الرضوض والخدوش في الذقن والرجلين، الامر الذي دفع بالمحققين للاستماع إلى المتهم تمهيديا، حيث اعترف بالمنسوب إليه، متحدثا عن تفاصيل جريمته. امام المحققين، امام الوكيل العام، امام قاضي التحقيق، اعترف المتهم بكل ما اقترفت يداه في حق الضحية، مشيرا في اعترافاته إلى أنه بعد انتهاء الفترة الزوالية من يوم الحادث من سنة 2009، هاتف الطالبة الضحية قصد الالتحاق به في مكتبه، خصوصا أنه سبق أن كلفها بتحضير مسودة من أجل مساهمتها في الملتقى الدولي للشواطئ الرملية الذي سيحتضنه المعهد العلمي التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط أكدال خلال الفترة الممتدة من 19 إلى 23 أكتوبر 2009، طالبا منها زيارتها له بمكتبه صبيحة اليوم الموالي، وذلك قصد الاطلاع وتصحيح وإبداء الرأي حول المسودة، وهو الشيء الذي رفضته الضحية، معبرة عن غضبها بوقفة أمام المكتب وهي في حالة عصبية، وذلك نتيجة ما اعتبرته تماطلا في نشر مقالاتها، وعدم مساعدتها في تحرير أطروحتها. وبعد أن أجابها بأن الوقت غير مناسب للدخول في مثل تلك المناقشات، انهالت عليه بوابل من السب والشتم، واصفة إياه بكونه إنسان غير كفء وغير أهل للإشراف على أطروحتها، اضافة إلى نعته بأقبح الاوصاف حسب تصريحاته المدلى بها بمحضر أقواله، وخوفا من أن يستمر الامر، قرر الانصراف من مكتبه، غير أن الهالكة التي كانت تقف، حسب اعترافاته، بباب مكتبه منعته من الخروج، ودفعته بقوة، ما خلق لديه رد فعل ليوجه لها ضربة قوية بكف يده على مستوى الحنجرة، أرداها أرضا جثة هامدة، ليغادر بعدها مسرح الجريمة، حيث قام بجولة في اتجاه السوق الممتاز “ماكرو” وهو على حالته. راودته فكرة شراء منشار آلي كهربائي لتقطيع الجثة والتخلص منها، غير أنه لدى وصوله إلى السوق تراجع عن الفكرة وعاد إلى أكادير، كما قرر نقل الجثة إلى القاعة 108 القريبة من مكتبه، التي كانت مفتوحة وموضوعة رهن إشارته لاستغلال المقاعد الموجودة بها، حيث عمل على تقطيع ستارة نافذة القاعة 104 المحاذية لمكتبه، حيث جر الجثة إلى داخل القاعة، ثم عاد بسرعة لمحو كل ما من شأنه توريطه في الجريمة. واستطاع خلال العملية تنظيف بساط الارض من بقع الدم بالماء، ثم غادر المكتب في اتجاه إحدى المقاهي كورنيش أكادير بعد أن تخلص من القماش الذي استعمله في التنظيف عن طريق وضعه داخل حاوية للأزبال بالشاطيء. وبمسبح إحدى المقاهي، مكث إلى غاية الثامنة والنصف صباحا، حيث تلقى اتصالا هاتفيا من طرف أخ الضحية أشعره بضرورة الالتحاق بالكلية لكون جثة أخته سناء قد تم العثور عليها بإحدى قاعات الكلية. نفس التصريحات أكدها في جميع مراحل البحث، على اثرها تقرر متابعته بالمنسوب اليه حيث، وبعد مناقشة مستفيضة للقضية، قضت الغرفة الجنائية ابتدائيا وعلنيا بمؤاخذة الظنين بتهمة الايداء العمدي المفضي إلى الموت دون نية إحداثه، طبقا للفصل 403 من القانون الجنائي، وتغيير معالم الجريمة طبقا للفصل 58 من قانون المسطرة المدنية، والحكم عليه بعشر سنوات حبسا نافذا مع الغرامة والتعويض لفائدة المطالبين بالحق المدني. بعد الحكم الابتدائي، تم الطعن في منطوق الحكم أمام الغرفة الثانية بنفس المحكمة، وتقرر إعادة مناقشة الملف، حيث تمت مؤاخذة المتهم مرة أخرى بالمنسوب إليه بتأييد الحكم الابتدائي مع رفع العقوبة من عشر سنوات إلى اثني عشرة سنة، ليتم بعد ذلك الطعن بالنقض، حيث تم قبوله شكلا ومضمونا، وذلك قبل عرض الملف مرة أخرى أمام الهيأة بعض النقض، تقرر على اثرها مناقشة القضية بكل تفاصيلها بمحكمة الاستئناف بأكادير، حيث خلصت النتيجة النهائية إلى إسدال الستار على الملف بمؤاخذة الظنين والقول بتأييد الحكم الابتدائي والقاضي بعشر سنوات حبسا نافذا مع الغرامة والتعويض. المصدر