"أخرجوهم من قريتكم" إنها منطق من لا منطق له، وحجة من لاحجة له وعندما يدمغ الحق الباطل لا يجد مناصرو هذا الأخير إلا عبارة "أخرجوه من قريتكم"، وقد صور لنا القرآن الكريم أمثلة رائعة لجنود الباطل، أصحاب الحجج الواهية عندما جاء قوم لوط نبيهم عازمين على إتيان ضيوفه وارتكاب الفاحشة، فلم يثنهم طلبه ولا حجته عن سعيهم، فنادوا في القوم: "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون". وهو نفس القانون الذي يسري اليوم على كل صاحب دعوة حق أو كل ذي رأي سديد حين يقارع الآخرين بالحجة، فلا يجد خصومه ما يحتجون به فتراهم ينعتونه بالأحمق والمجنون أو التافه الشاذ بل قد يصفوه بالمتطرف المغالي أو المريض الشيزوفريني إلى ما لاحد له من عبارات التقديح والتنقيص والتجريح. وتتعدد الألفاظ لكن النتيجة واحدة وهي تحول الاختلاف إلى خلاف وتنافر وتباغض. إن سنة الاختلاف بين الناس بالإضافة إلى الاختلاف الطبيعي في الشكل واللون فهي تشمل اختلاف الرأي والعقيدة، فهي صورة للحرية الطبيعية التي وجب أن يتمتع بها كل فرد، يقول سبحانه :"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" سورة هود، لكن هذا الاختلاف لا يجب أن يشمل الثوابت وما تعارف الناس على صحته أو بطلانه سواء بالشرع أوبالقانون، فلا يمكن للعقل أن يتخيل أن قتل الناس أو التعدي على أعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم سيصبح أمرا عاديا يوما ما. لكن الحال أنه اليوم، وبفعل حالة التردي والنكوص اللامتناهي التي نعيشها وبسبب تحلل منظومة القيم يوما بعد يوم صرنا نتعاطى ونتآلف مع قيم ومشاهد وألفاظ وأخلاق دخيلة استحسنها البعض وصار من دعاتها واستهجنها البعض الآخر من ذوي القلوب السليمة والعقول الراجحة وصار يتصدى لها، هكذا انقلبت الموازين وصار النزيه ينعت بالجبان، ودعاة التحلل والانسلاخ شجعانا والمطبع مع الأعداء منصفا وديموقراطيا والأمين خوانا. فلينتظر الشرفاء إذن أن يأتي عليهم اليوم الذي سيحاكمون فيه بتهم الأصالة والشرف والوفاء بالعهد والأمانة وسيكون آنذاك مصيرهم الخزي والطرد لأنهم أناس يتطهرون.