«ماتتخلعونيش، ماتتخلعونيش»، عبارة رددها رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أكثر من مرة في البرلمان وفي وجه المعارضة بالتحديد. بنكيران يعرف أن المعارضة البرلمانية اليوم حائط قصير، بعضها يبحث عن شهادة ميلاد جديدة بعد الطعن في نسبه الأول، وبعضها مازال يضمد جراح المشاركات الفاشلة في الحكومات المتعاقبة، والبعض الآخر لم يخلقه الله للمعارضة أصلا.. أحزاب ولدت وفي فمها ملعقة السلطة. لكن كل حكومة وكل رجل سلطة يخشيان عدوا ما.. خطرا ما، وقرارا ما، فما الذي يخيف بنكيران، أو بلغته: «واش تيخلعو؟». لنؤجل الجواب إلى النهاية، ونطل على أحوال رئيس الحكومة الذي يدعي أنه قوي بفضل كتيبة 107 التي نجحت في الانتخابات الأخيرة متقدمة بمسافة كبيرة على منافسيها. بنكيران يخشى اليوم تفتت أغلبيته التي تحولت إلى مدرسة للمشاغبين، يلعب فيها حميد شباط دور التلميذ الذي يريد أن يوقف الدراسة في الفصل عن طريق الفوضى وافتعال المعارك الجانبية، لأنه لا يستطيع مجاراة التلاميذ المجتهدين الذين يهيئون دروسهم جيدا. ثم هناك العنصر الذي يمسك الداخلية ووزارات أخرى، ويحاول في صمت أن يحافظ على قلعة السلطة بعيدة عن التغيير وعن لحى الإسلاميين. بنكيران لا يخاف من انسحاب شباط والعنصر من الحكومة وانهيار التحالف والذهاب إلى صناديق الاقتراع قبل الأوان، لا، أبدا، هو يعرف أنه إذا ذهب في هذه الظروف إلى انتخابات تشريعية جديدة سينال أصواتا أكثر من تلك التي حصل عليها في نونبر 2011، وخصومه يعرفون هذه الحقيقة، ولن يعطوه هذه الهدية مهما وقع. بنكيران يخشى أن يبقى على رأس حكومة مشلولة أو مقيدة اليدين، ويضطر رئيسها إلى أن يمضي جل وقته في التفاوض مع حلفائه بشأن كل قرار يعتزم اتخاذه بحثا عن توافق لن يجده في أغلب الأوقات، لأن ركاب الحافلة الحكومية وجهاتهم مختلفة. بنكيران يخشى افتعال أزمات ومشاكل وحوادث سير لا تقتل الحكومة، لكنها تجرحها وتشغلها عن فتح الأوراش الكبرى للإصلاح. قبل أسابيع، اعتدى رجال أمن على برلماني من حزب رئيس الحكومة، ولم يستطع هذا الأخير أن ينصفه رغم أن البرلمان وقف، معارضة وأغلبية، إلى جانب عضو ينتمي إلى المؤسسة التشريعية. لقد حاول بنكيران في البداية أن يبتعد عن هذا الملف حتى لا يصطدم بوزارة الداخلية، التي يرأسها العنصر والشرقي الضريس، وكلاهما له حساباته الخاصة في هذه الحكومة، ثم لما فشل البرلمان في إيجاد حل وسط مع وزارة الداخلية، التي أبدت تشددا غريبا في موضوع الاعتذار إلى البرلماني ومعاقبة رجال الشرطة الذين أساؤوا إليه، رجع بنكيران إلى الوراء، وحاول أن يدفع فريقه البرلماني إلى البحث عن صيغة لطي هذا الملف، لأنه يعرف أن تصلب الداخلية في هذه الحادثة المقصود به أولا رئيس الحكومة وليس أحدا غيره، وهو الآن لديه من المتاعب والمشاكل ما يجعله غير قادر على رد فعل يدخله في احتكاك مباشر مع النواة الصلبة للسلطة، التي تتحرك بعيدا عن عينيه وعن قدرته ليس على التحكم فيها، فهذا أمر مازال بعيدا، بل على كف أذى السلطة عن عضو في حزبه تعرض للاعتداء، وهو الذي جاء إلى البرلمان أكثر من مرة يشيد بقوى الأمن ملتمسا لها أعذارا مقبولة وأخرى غير مقبولة. ما معنى كل هذا؟ معناه أن بنكيران له مصادر خوف كثيرة خارج البرلمان عكس ما يدعي، وأن إغراءات السلطة والوجاهة وأضواء الشهرة بدأت تشتغل، وبدأ مفعولها المخدر ينتشر في جسد وزراء العدالة والتنمية، الذين بدؤوا يبحثون عن سبل للتكيف مع الواقع الجديد عوض البحث عن سبل لتغيير الواقع القديم. إذا لم يراجع بنكيران ورفيقه بها، اللذان يحتكران الإدارة السياسية للحكومة والحزب معا، طريقة تدبيرهما للحكومة وللمرحلة بما ينسجم مع الدستور ووعود التغيير التي أطلقها حزب المصباح أيام كان في المعارضة، فإن العفاريت والتماسيح ستأكل هذه الحكومة، وتأكل معها هذه التجربة التي دخلتها البلاد كطريق ثالث في زمن الربيع العربي. ما الذي يمنع بنكيران من إعلان فشل التحالف الحكومي، والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها بعد أن يتخذ قرار حل البرلمان؟ الدستور يعطيه هذا الحق لإنقاذ الائتلافات الحكومية من الشلل ومن عدم الانسجام. اليوم شباط يتهم الحكومة بأنها اعتقلت عليوة انتقاما من الاتحاد، في حين أنها تتستر على وزير في الحكومة متورط في اختلالات CIH، هل هذا فريق منسجم؟ هل هذا حليف تجلسون معه إلى طاولة الحكومة نفسها؟ ما قاله شباط خطير، ويجب أن تذهب معه الحكومة ووزارة العدل إلى المحكمة لنعرف الحقيقة من الخيال في ما يقال.