من شدة حرصها على نظافة المجتمع المغربي، وبقصد إزالة كل ما من شأنه أن يلوث سمعة المغربيات، تحرص دوريات الأمن هذه الأيام على رصد كل خطوة مشبوهة في علاقة الذكور بالإناث،وربما جاء هذا بناء على تعليمات من الحكومة نصف الملتحية، فمن الآن فصاعدا لن يسمح بأي نوع من الخلوة بالأجنبية، سواء في إدارة أو في بيت أو سيارة أو مقهى أو حانة أو علبة ليلية، ممنوع الاختلاط بين الجنسين،ممنوع تبادل القبل أمام المارّة في الشارع العام كما هو ممنوع بين أربعة جدران ، مسموح فقط بالعلاقات الشرعية بين الجنسين المبنية على الزواج، الحديث عن الحريات الفردية هراء،لكن عبّارة تقل بضعة آلاف من المثليين يزورون مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء أو مدينة سبعة رجال الشهر المقبل مسموح لها بالرسو بإحدى موانئ المغرب، لعل ركابها يتعظون، فربما يصادف قدومهم على المسجد سماع بعض الآيات التي تلعن قوم لوط وتذكر بالعقاب الإلهي الذي نزل بهم، فيستغفرون الله أو يتوبون. في مذكراته كتب عميد الكاب1 السيد البخاري منذ عدة سنوات أن المخابرات المغربية، منذ الستينيات من القرن الماضي، كانت دائما تعمد إلى تجهيز بعض الفيلات أو الشقق بكاميرات خفية وأجهزة للتصنت، ثم تستدرج إليها من تود الإيقاع بهم من المعارضين السياسيين أو النقابيين، فتوقعهم في شباكها بمساعدة بغايا جميلات يترصدن المستهدفين في الحانات وعلب الليل والمقاهي، حيث يستدرجنهم إلى تلك البيوت المكشوفة لعيون المخابرات، فيتم تصويرهم في أوضاع مخلة، ثم يعرض عليهم التعامل لصالح هذه الأجهزة أو فضحهم وتشتيت أسرهم؛ وغالبا ما تنجح هذه الخطط الشيطانية في اختراق المنظمات، سرية كانت أو علنية، كما يذكر العميد في مذكراته. بالطبع اليوم تطورت أجهزة التجسس بصورة مذهلة مع تطور تكنولوجيا الاتصال، وكثرت البغايا في كل مكان، وقد ذكر الأستاذ رشيد نيني منذ سنوات في عموده المشهور "شوف تشوف" أنه تمّ رصد مئات البغايا للإطاحة برؤوس بعض السياسيين، لكن يبدو أن هذه الخطة غير فعّالة مع المناضلين الإسلاميين، لأنهم يتحاشون الزنا باعتباره كبيرة من الكبائر، ولا يغشون أماكن اللهو والسهر، مثل الحانات والعلب الليلية، وحتى المساجد التي يكثرون التردد عليها تفصل بين الرجال والنساء، فلم يبق إلا تلفيق التهم الباطلة لهم، تلك التهم التي مكث بسببها يوسف عليه السلام في السجن بضع سنين. إن السيدة هند زروق من جماعة العدل والإحسان التي ألقي عليها القبض مؤخرا، بسبب خلوة غير شرعية كما تزعم الجهات الأمنية، أو بسبب نشاطها في الدفاع عن زوجها الذي سبق واعتقل في ملف معروف، عليها أن تستحضر جملة أمور: أولا : لم يكترث الأمن في يوم من الأيام بتتبع الفساد غير العلني إلا في حالتين : الأولى إذا كان هناك بيت معد للدعارة، وتقدم الجيران بشكاية لدى وكيل الملك الذي يعطي أوامره باقتحام البيت المعلوم، ولا يسمح بهكذا اقتحام، حسب القانون المغربي، إلا بين السادسة صباحا والتاسعة ليلا، ربما لئلا يتم التشويش على علية القوم في سهراتهم الليلية؛ والحالة الثانية إذا كانت الشكاية من أحد الزوجين لشبهة قائمة، فيخبر رجال الأمن الذين يترصّدون الطرف الثاني حتى يقبضوا عليه متلبسا، ولم يتبث شيء من هذا في النازلة التي بين أيدينا. ثانيا : ليس الغرض من تشويه سمعة الأخت زروق واتهامها بالخيانة الزوجية، في تقديري، استهداف الجماعة، لأن هذا لم يكن له أي تأثير في الحملة التي استهدفت رأس الجماعة بنفس التهمة الموجهة للسيدة نادية ياسين، بنت المرشد العام، منذ سنة تقريبا، لكن الغرض منه، والله أعلم، أمران: أولهما إرباك النشاط الذي تقوم به الأخت زروق باعتبارها منسقة عائلات مختطفي الجماعة السبعة السابقين بفاس، وثانيهما شحن أفراد الجماعة ضد الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الذي يتقاسم والجماعة نفس المرجعية، وتمهيد الأجواء لزرع الشقاق بينها و بين الحكومة، باعتبار هذه الأخيرة المسؤول الأول عن أجهزة الأمن، لكن الدورية التي أصدرتها الداخلية منذ أسبوع لرصد أنشطة الجمعيات الدينية، وأقحمت فيها حزب العدالة والتنمية، تدل على أن بعض أجهزة الداخلية ما زالت لم تتكيف مع مقتضيات الدستور الجديد، وربما ما زالت تسيطر عليها العقلية الاستئصالية، وتتحرك خارج أجندة الحكومة. كما لا يبعد أن تكون جهات مناوئة للتجربة الحكومية الناجحة تسعى لإحداث الصدام بينها وبين مكونات شعبية، والمؤشر على ذلك استعمال القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين من المعطلين وغيرهم، وقد احتج بعض أعضاء الأمانة العامة للحزب على رئيس الحكومة، باعتباره المسؤول الأول عن تلك الانتهاكات، فنفى نفيا قاطعا أن يكون ما يجري بتعليماته.وهذا في تقديري، أمر طبيعي، باعتبار المرحلة الانتقالية التي تعيشها أمّ الوزارات، إلى أن تأخذ حجمها الحقيقي كأي وزراة داخلية في دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها. ثالثا وأخيرا : إن التهمة الموجهة للسيدة زروق لا قيمة لها بالمقاييس الشرعية، فالخلوة بالأجنبي، وإن كانت محرمة، فهي لا تعدو أن تكون من صغائر الذنوب التي تكفرها الصلوات الخمس والاستغفار، ولا تصبح كبيرة تستوجب الحد إلا إذا أدت إلى الزنا، ونحن لا نتهم الأخت الفاضلة، لا بالزنا ولا بمقدماته، ولكن نتهم الجهات التي تتبع عورات المؤمنين وتشهر بهم وتسعى للتفريق بين المرء وزوجه (وما هم بضاريين به من أحد إلا بإذن الله). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته". وفي صحيح البخاري أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله طهرني، إني قبلت امرأة وفي رواية أتيت من امرأة ما يأتي الزوج من زوجه إلا الوطء (أي ما دون الجماع)، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الوحي، فأنزل الله عليه آيات كريمات (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل وتلا عليه هذه الآيات، فقال له الرجل: يا رسول الله : ألي خاصة؟ قال : (بل لأمتي عامّة). وهذا من سماحة الإسلام، فلا نامت أعين الجبناء. *عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية