(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ).الأحزاب: الآية:23 ----------------------- هذه نُتَفٌ من سبحات الشوق العذري المختلج في فؤادي ، المستكن بين جوانحي ، الباعث أضواءه السَّنِيَّة في حركاتي وسكناتي، آناء ليلي ونهاري .. شوق يُذِرُّ علي من العواطف والأحاسيس ، ما يلهي نفسي عن نفسي ، فيستحيل وجودي سرابا ،وكياني هباء ،وآمالي هراء.. بين الوجود والعدم ، والغيب والشهادة ..تحضر أيها الشيخ المجاهد ، بنسماتك العطرة ، وألطافك البهية ، لترد لهذا الكيان المُمَزَّع نسمات حياة زكية ، طيبة ،مباركة...تسمو في آفاق من الكمال الملائكي ، يتماهى فيه الغيب بالشهود ، ويسيخ الوجود في اللاوجود ، فتكتمل الصورة خلقا آخر " فسبحان الله أحسن الخالقين" !! صبيحة البَيْنِ ، عزَّ عليَّ الفراق ، فاكتحلت عيناي بعبرات الحب والوفاء ، وزادت الحسرة بازدياد الغبطة ، فاشتد ألمي لحالي البئيس ، كما للفقدان والفراق سواء.. لقد تربص بك العدو ، وطاردك ،واعتقلك ، وشرد عائلتك ،وحاصرك لسنوات ؛ فلم تَلِنْ ،ولم تستكن ،ولم تستسلم ، وظللت تردد بملء فيك أنك من طلاب الشهادة ،وعشاق الجنة ،وأن الموت لا يخيفك ، بل هو أعز غائب تنتظره ، وأن جهادك للأرض ، وفوق الأرض حتى تحرير آخر شبر من الأرض... لقد جاهدت يوم فاوض الناس ، واعتقلت يوم هرول الناس ، واستعليت يوم انبطح الناس ..فمثَّل جهادك عمق وجدان هذه الأمة ، وعنوان عزها وشموخها ..فكان استشهادك آية ، و رحيلك صحوة ، ودماؤك الزكية " بنزين حياة " لأُسُد المقاومة ... فجر الاثنين 22 مارس 2004 تترجَّل من صهوة جوادك إلى السماء ، بعد أن استهدفك عدوك الجبان ، في عملية حقيرة ، حقارة طغاته ؛ خسيسة ، خسة مشروعه الاستيطاني ؛جبانة ، جبن عساكره المنهزمة ... ليحقق لك أمنيتك التي لطالما عشت لها ..شهادة تنقلك إلى حواصل طيْر خُضْر في قناديل تحت عرش الرحمان ، لترتاح من كدر هذه الحياة وضنكها ، وتحيى حياة حقيقية لا ينغِّصها شيء ، ولا يُكدِّرها مكروه ..(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ،بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله...) ، ولسان حالك يردد مع عملاق الرعيل الأول خُبَيْب بن عدي – رضي الله عنه- نشيد الخلود الأبدي ، على مِقْصَلة الشهادة أمام الجِبِلَّة المُشْرِكة ، في ذلك اليوم الكئيب الحزين ، على ذانك الطريق اللاحب الطويل .. : فذا العرش صبِّرني على ما يُراد بي +++ فقد بَضَّعُوا لحمي وقد بؤس مطعمي وقد خَيَّروني الكفرَ والموتُ دونَه +++ فقد ذرفت عيناي من غير مَدْمَِع و لست أبالي حين أُقْتَلُ مسلما +++ على أيِّ شِقٍّ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ +++ يبارك على أوصال شلْوٍ ممَُزَّعِ ولرفاق دربك في المقاومة والجهاد تزف ترانيم نشيد وصية الوداع : أخي أنت حروراء السدود +++ أخي أنت حر بتلك القيود إذا كنت بالله مستعصما +++ فماذا يضيرك كيد العبيد؟!! أخي:ستُبيد جيوش الظلام +++ ويُشرق في الكون فجر جديد فأطلق لروحك إشراقها +++ ترى الفجر يرمقنا من بعيد أخي: قد أصابك سهم ذليل +++ وغدرا رماك ذراع كليل ستُبتَر يوماً فصبرٌ جميل +++ ولم يدم بعدُ عرين الأسود أخي: قد سرت من يديك الدماء +++ أبت أن تُشلَّ بقيد الإماء سترفع قربانها للسماء +++ مخضبة بوسام الخلود أخي هل تُراك سئمت الكفاح ؟ +++ وألقيتَ عن كاهليك السلاح فمن للضحايا يواسي الجراح ؟+++ ويرفع راياتها من جديد أخي: إنني اليوم صلب المراس +++ أدكُّ صخور الجبال الرواسي غدا سأشيحُ بفأسي الخلاص +++ رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد أخي: إن ذرفت عليَّ الدموع +++ وبللت قبري بها في خشوع فأوقد لهم من رفاتي الشموع +++ وسيروا بها نحو مجد تليد أخي: إنْ نَمُتْ نلقَ أحبابنا +++ فروضات ربي اُعدَّت لنا وأطيارها رفرفت حولنا +++ فطوبى لنا في ديار الخلود أخي إنني ما سئمتُ الكفاح +++ ولا أنا ألقيتُ عني السلاح فإنْ انا متُّ فإني شهيد +++ وأنت ستمضي بنصر مجيد سأثأر ولكن لرب ودين +++ وأمضي على سنتي في يقين فإما إلى النصر فوق الأنام +++ وإما إلى الله في الخالدين . قد اختارنا الله في دعوت +++ وإنا سنمضي على سنته فمنا الذين قضوا نحبهم +++ ومنا الحفيظ على ذمته أخي: فامضِ لاتلتقت للوراء +++ طريقك قد خضبته الدماء ولا تلتفت هنا أو هناك +++ ولا تتطلع لغير السماء ... ( القصيدة للشهيد سيد قطب – رحمه الله-) فسلام لك سلام ..وهنيئا لك الشهادة..