أشخاص يختارون الرحيل في صمت وبشكل مفاجئ، فيتركون خلفهم أسئلة محيرة وحزنا عميقا في نفوس ذويهم بالنظر إلى الأسلوب الذي اختاروا أن يختفوا به عن الوجود. إنه الانتحار. تختلف الأسباب التي تدفع بهؤلاء الأشخاص إلى الارتماء في أحضان هذا الخيار القاسي، لكن تجمع بينهم المعاناة التي تجعل من الانتحار الحل الوحيد للهروب من مشاكلهم. بملامح هزمها الحزن وصوت أجش من كثرة البكاء، بدأت «مي لكبيرة» تروي تفاصيل وفاة ابنتها والتي تحمل نفسها جزءا كبيرا من المسؤولية فيه، بعد أن فقدت الإبنة القدرة على تحمل الحياة الزوجية التي كانت تعيشها. انتحرت هربا من عنف زوجها تحكى «مي لكبيرة» عن ابنتها مريم أنها كانت جميلة وطيبة القلب ومحبوبة من طرف الجميع، لكن قلة حظها في الحياة جعلتها ترتبط بزوج لا يقدرها، ويقوم بالاعتداء عليها كلما سنحت له الفرصة للقيام بذلك، غير آبه بمشاعرها ولا بالتضحيات التي تقدمها في سبيل استمرار حياتهما الزوجية. العنف الذي كان يمارسه عليها الزوج، والظروف الاجتماعية الصعبة التي كانت تعيشها في بيتها، دفعت بالإبنة إلى إعادة التفكير في حياتها، وطلب يد العون من عائلتها لحمايتها من تصرفات زوجها الطائشة. حزمت الزوجة الثلاثينية حقائبها وغادرت بيت الزوجية بسيدي البرنوصي في اتجاه بيت عائلتها بعين حرودة بعد أن عنفها زوجها وطردها من البيت، واستنجدت بوالدها كي يرفع عنها الظلم الذي تتعرض له بسبب ومن دونه. ما إن علم الأب بأن مريم «جاية غضبانة» من بيت زوجها، حتى ثار في وجهها وطلب منها العودة إلى بيت الزوجية لأنه يرفض أن تخرج بنته من بيت زوجها بدون إذنه حتى لو اعتدى عليها وضربها، معتبرا أن هذه التصرفات تحدث بين جميع الأزواج. قام الأب بإرجاع ابنته إلى بيتها في الحال، مما جعل الزوج يستغل الفرصة ويزيد من إساءته لها، لكن مريم ستفضل التحلي بالصبر على اللجوء لأسرتها التي رفضت استقبالها في المرة الأولى، لكن هذا الصبر لن يستمر طويلا أمام ما كانت تتعرض له. عيل صبر الزوجة ولم تعد تستطيع الاستمرار في هذا الزواج، فقررت اللجوء مجددا إلى أسرتها وطلب المساعدة من والدها للحصول على حريتها بالطلاق من زوجها، لكنها ستجد نفسها كالعادة وحيدة بعدما رفض والدها طلبها خوفا من تحمل مسؤوليتها وابنتيها، وقرر إعادتها من حيث أتت، غير مبال بتوسلات لكبيرة التي لم تفلح في ثنيه عن قراره. مر أزيد من أسبوع دون أن تتلقى لكبيرة أي اتصال من ابنتها، اعتقدت الأم في البداية أنها غاضبة منها بسبب موقفها المتخاذل ورفض والدها لفكرة بقائها في بيت الأسرة، قبل أن ينقل لها زوج الإبنة في ذلك اليوم المشؤوم خبر وفاة مريم منتحرة، ما شكل صدمة قوية بالنسبة للكبيرة التي رفضت تصديق الأمر واتهمت زوج ابنتها المتوفاة بقتلها. لكن كلمة الحسم ستكون لتقرير الطب الشرعي الذي سيثبت أن مريم فارقت الحياة بعد تناولها لمادة سامة ويتعلق الأمر ب«دوا الفار» الذي أرداها بعد ساعات قليلة جثة هامدة داخل بيت الزوجية، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة في غياب من يسعفها ويمنع الموت من اختطافها. تلميذ ينتحر شنقا لم تعد عمليات الانتحار تستثني حتى الأطفال، فلقد اهتزت ساكنة مدينة المحمدية على وقع انتحار تلميذ لا يتعدى عمره الرابعة عشر سنة على إثر إقدامه على الانتحار داخل شقة أسرته بواسطة حزام جلدي بعد أن قام بربطه بخزانة ملابسه. كان الهالك يتابع دراسته بمستوى الثامن إعدادي بإعدادية يعقوب المنصور، يواظب على حضور حصصه الدراسية ويمشي بخطوات ثابتة في طريقه نحو النجاح، حسب أفراد عائلته وأصدقائه وجيرانه الذين أجمعوا على أنه كان يتمتع بالأخلاق الطيبة والشخصية المرحة التي جعلته محبوبا من طرف الناس. شكل خبر انتحار الطفل صدمة قوية بالنسبة للعديد من الأشخاص المحيطين به، والذين استبعدوا فرضية الانتحار، خاصة أنه كان يتصرف بشكل طبيعي، ولا تبدو عليه علامات الإصابة باضطراب نفسي، قد يقوده إلى وضع حد لحياته بتلك الطريقة المؤلمة. فلقد كان الهالك يعيش حياة مستقرة داخل أسرته بفضل والده الذي يعمل بالديار الليبية، حيث اختار أن يعاني من قساوة الغربة والبعد عن أرض الوطن في سبيل إرضاء متطلبات الهالك وشقيقته الصغرى وضمان الاستقرار المادي لأسرته. تقرير التشريح الطبي أكد أن التلميذ عثر عليه يوم الثلاثاء سادس دجنبر 2011 ميتا بمنزل والديه بالمحمدية، وبأنه توفي نتيجة الانتحار. وهي الخلاصة التي وضعت حدا للإشاعات التي تناقلتها الألسن، والتي ذكرت أن الأمر يتعلق بعملية قتل، لكنها لم تضع حدا للصدمة التي تلازم والدي الطفل، اللذين مازالا يتساءلان في حيرة عن الأسباب التي دفعت ابنهما إلى الانتحار، ويسيطر عليها الشعور بالذنب من تقصير محتمل أو تجاهل غير مقصود منهما لمعاناة أبقاها الطفل حبيسة أضلاعه، قبل أن تتمكن منه وترغمه على الاستسلام لها وتختار له تلك النهاية المأساوية. انتحار بمدينة الزهور مدينة الزهور كانت مسرحا لعملية انتحار أخرى، وبالتحديد غابة المنظر الجميل بالعاليا التي لا تبعد كثيرا عن محطة الطاكسيات والحافلات، لتنضاف هاته العملية إلى عمليات الانتحار التي شهدتها المحمدية مع بداية السنة الجديدة، بعد أن أقدم شاب في السابعة والعشرين من عمره في بداية شهر يناير على وضع حد لحياته بإضرام النار في جسده قبل أن يلقي بنفسه أمام القطار في الممر السككي القريب من ثانوية جابر بن حيان بمنطقة العاليا أيضا، ليتبين فيما بعد بأنه كان يعاني من مشاكل نفسية. المنتحر هذه المرة سمسار عمومي، مات شنقا وكان يمارس مهنته بوكالة عقارية بحي العيون، قبل أن يغلقها لأسباب مادية قاهرة. اختار الرجل البالغ من العمر 57 سنة فترة الصباح الباكر، وتوجه يوم 15 من يناير المنصرم في حدود السابعة صباحا إلى الغابة الصغيرة حيث تقل الحركة لوضع حد لحياته. قام الرجل بشنق نفسه بواسطة حزام سرواله الجلدي، حيث وجد معلقا في شجرة، وبجواره حقيبة للملابس، من طرف المارة الذي يتخذون الغابة الصغيرة كممر فاصل لاختصار المسافة بين درب الرباط في اتجاه المنطقة السفلى القصبة. أكدت التحريات التي أجريت في محيط عائلته أن المنتحر وهو أب لثلاثة بنات قد غادر بيت الزوجية بعد نشوب خلاف حاد بينه وبين زوجته منذ شهر تقريبا، خاصة أنه أقدم في الآونة الأخيرة على التخلي عن ممارسة نشاطه، بعد إغلاق محله، بسبب تراكم ديونه.