بين أحضان طبيعة بدوية ألهبتها قسوة الحياة، ووسط حياة الترحال، تعيش الطفلة حفيظة الآن وسط " بانيو" مليئ بالماء مثل سمكة. تقضي به بياض نهارها الحارق من التاسعة صباحا إلى غروب شمس كل يوم. أطلت بصرختها الأولى منذ أربع سنوات تحت خيمة رثة مصنوعة من صوف الماعز وبعض الأفرشة، نصبت في سفح تل من الرمال على بعد حوالي ثلاث كيلومترات من قرية تداكوست التابعة لجماعة ايت وابلي بإقليم طاطا. لم تكتمل فرحة والدي حفيظة الشابين بمولودتهما الأولى، بعد الساعات الأولى المواكبة لصرختها الأولى، لاحظت الأم وجود تقشر على جسدها الصغير ظنت بادئ الأمر أنه مرتبط بالولادة. لكن خلال الأيام الموالية تأكدت أن الأمر يتعلق بمرض جلدي، خصوصا بعد انتشار قشور جلدية بكل أنحاء جسمها كمن تعرض لحروق من الدرجة الثالثة. شجن كامن في صدر الأب الحسين أزروال وزوجته، المتزوجين حديث وهما في عقدهما الثاني بسنوات، وتربطهما علاقة قرابة، بسبب استمرار تدهور حالة حفيظة. سنة تلو الأخرى، أصبحت الطفلة تعاني جراء تقشر جلدها عدة مرات في الشهر، من آلام ونزيف في لحم جسمها تنتج عنه تشققات بشكل يشبه " سمكة". تعيش الأسرة التي يعمل ربها حارسا في إحدى الضيعات حالة من الفقر المدقع، تحت خيمة تضم أسرتين حيث يعيش عم حفيظة وأسرته، يتقاسمان الأحزان والأفراح والخيمة. لم يستطع الوالدين صبرا، فاستطاعا بمساعدة بعض المحسنين التنقل إلى أكادير، لعرض حالة الطفلة على خمسة أطباء بالإضافة بعد فحصها من طرف طبيب بكلميم. تشخيص الأطباء أكد أن المرض الذي يرافق الطفلة منذ ولادتها يعرف باسم " ICTYOSE CONGENETALE"، مرض وراثي ناتج عن مادة ناقصة في الجلد، تسبب تقشر الجلد وجفافه ليتحول إلى ما يشبه " قشور الأسماك"، يحول بادئ الأمر دون نمو الشعر. اختلفت آراء الأطباء حول وجود علاج ناجع، فقد وصف أحدهم دواء يخفف من آلام الطفلة حددت قيمته في 700 درهم يتعين شراءه كل 20 يوما، لم تستطع الأسرة توفيره، في حين كان رأي البعض الآخر أن العلاج ممكن خارج المغرب، في الوقت الذي ذهب البعض الآخر إلى أن المرض سيرافق حفيظة طيلة حياتها. تزداد معاناة حفيظة هذه الأيام، أصبحت أشعة الشمس عدوتها، تحرق جلدها بشكل لا تطيق معه صبرا، فتنتابها نوبة من البكاء بسبب الألم، ما يجعل الأم تعد كل صباح " بانيو" به ماء هو سريرها طيلة اليوم. رغم ذلك، لم يغيب المرض ابتسامة الصغيرة، أو يمنعها من أن تقتسم وتشارك من حين لآخر اللعب الطفولي مع أبناء عمها داخل الخيمة، منزلهم الوحيد.