وأنت تتجول في الشارع السوسي تستوقفك عدة ظواهر انسانية بالغة الاهمية ، ولا يمكنك أن تمر امامها مرور الكرام غير مبال بما يحصل أمامك من معاناة وبؤس وسعادة وفقر وبورجوازية فاحشة ...تلك الظواهر المتناقضة أدبيا والمتعايشة اجتماعيا وواقعيا،تضعك أمام مجتمع كثيرا ما يقال عنه أنه يدفع عجلة الطبقة المتوسطة لتحافظ على توازنها وتقدمها وجعلها قنطرة بين الفئة الغنية والفقيرة من أجل التعايش الافضل بين هذه الطبقات الاجتماعية المتواجدة في جميع المجتمعات في أنحاء العالم. ولكن الشارع السوسي كغيره من المناطق المغربية تعيش فيه الطبقة الاولى والثانية، فإما أن تكون غنيا وأخطبوطا من أخطبوطات الصيد البحري أو الفلاحة أوالتجارة أوالسياحة أوالعقار أو الانتخابات أو... تعيش حياة الرفاهية والأبها وتملك كل ما جادت به السوق الدولية وتزور ما شئت من مناطق العالم وغيرها من ا لامور التي يتمناها المغاربة المصنفين في الطبقة الفقيرة التي تعيش الحرمان والعيش العسير والحرب مع "الخبزة" التي لايتجاوز ثمنها 1.20 درهم، إذ تجد بعضهم يبحث في مكبات الازبال عما يطفئ به نار الجوع التي تسري في جهازه الهضمي والذي اعتاد على هضم الخبز وشرب الشاي كل نهار ،وتناول الوجبات الغالية والغنية والمتوازنة صحيا في الاحلام ليلا. أما قولة "كل واحد تيصرف رزقو" فعليها كثير من التحفظ خاصة وأن الطبقة الغنية محصورة في أسماء مغربية معروفة على الساحة الاقتصادية والسياسية ، والغريب في الامر أن أحفاد هذه الاسماء ان لم يضخموا ثروتها فهم يخافظون عليها، في حين نجد أن الفقراء يلدون فقراء ويورثونهم الفقر مطبقين في ذلك المثل الشعبي الذي يقول " حرفة بوك لايغلبوك" التي تروجها البرامج التعليمية هي الاخرى بشكل كبير، اذ يجد المتصفح لهذه الاخيرة أنها تتحدث عن "الفلاح الصغير" و" الاسكاف الطموح" و" نجار الحي" و...، عوض "الفلاح الكبير" صاحب الضيعات الفلاحية و" الاسكاف البورجوازي" الذي يصدر الاحذية الى الخارج و"برلماني الحي" الذي له حصانة برلمانية ومانضة صحيحه. وحتى لا تكون نظرتنا سوداوية ومتشائمة فللأغنياء دور هام في سوس حيث أنهم يخلقون فرص العمل لأبناء الفئة المعوزة داخل البيوت الزجاجية(لفوارم) الخاصة بانتاج المنتوجات الفلاحية الموجهة للتصدير. أما بقايا هذه المنتوجات والانتاج الفلاحي للفلاح الصغير ،فموجه للأسواق الداخلية بأثمنة يلعب بها السماسرة الذين لايبالون بأوضاع من تعب وشقى لانتاجها في ظروف قاسية لا تحترم فيها كرامة الانسان في بعض الاحيان حيث يعمل في مكان ترش فيه مبيدات خطيرة، وينقل الى محل سكناه بشاحنات "فورد" القديمة كالسلع باحثا عن الخبز الذي غلب الكثيرين.