مراجل تغلي ورياح تغير قوية تهب على المنطقة العربية،ويبدو أن الانتفاضات والثورات الشعبية،انتفاضات الخبز والكرامة بعد نجاح ثورة الياسمينة التونسية بدأت تتدحرج ككرة الثلج ولتطال أكثر من نظام عربي موال لأمريكا،ورغم ما يشكله ذلك من مخاطر جدية على الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة،وبما يؤشر الى ما قاله سماحة الشيخ حسن نصر الله بأن المنطقة على أعتاب تحولات تاريخية،تحولات تحسم أمر المنطقة ومصيرها بالكامل لعقود طويلة إيجابا أو سلباً،وهذا رهناً بالنجاحات والإخفاقات التي تحققها أو تمنى بها الانتفاضات والثورات الشعبية وقوى الممانعة والمقاومة العربية،ولعل ما تنظر إليه أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل على درجة عالية من الخطورة ما يحدث على الساحة اللبنانية،حيث أن قوى المقاومة والمعارضة اللبنانية،خلطت الأوراق وقلبت الطاولة على رأس قوى الرابع عشر من آذار ومن خلفها أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل،حيث نجحت في حسم الصراع على السلطة لصالحها من خلال إسقاط الحكومة اللبنانية وإعادة تشكيلها دستورياً برئاسة مرشحها للحكومة اللبنانية "ميقاتي"،وهذا النجاح كشف قوى الرابع عشر من آذار على حقيقتها ،فهي لم تقبل أو تسلم بهذا الانتقال السلمي للسلطة،حيث أطلقت العنان لأعمال شغب وتدمير ممتلكات وإغلاق طرق واعتداء على الطواقم الإعلامية ورفع شعارات طائفية ومذهبية،ناهيك عن حملة قدح وتشهير بحق قوى المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله،وبما يشكك ويطعن في صدقية ما ترفعه وتطرحه من شعارات وبرامج حول الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة ودولة المؤسسات واحترام وسيادة القانون وغيرها من شعارات وفذلكات كلامية ثبت زيفها على أرض الواقع،فهي لا تؤمن بالديمقراطية إلا التي تبقيها على رأس وقمة السلطة،وتجرد لبنان من سلاح المقاومة وتشرعن الفساد وبقاء لبنان تحت حكم وسيطرة السفارات الغربية،وما دون ذلك فهذا يعني وقوع لبنان تحت سلطة "ولاية الفقيه والفرس والمجوس وحلف طهران- دمشق،والخطر على وحدة لبنان أرضاً وشعباً وكذلك على الديمقراطية والحريات العامة". فما أن أعلن عن نجاح مرشح قوى المقاومة والممانعة"ميقاتي"لرئاسة الحكومة اللبنانية حتى أعلنت الحرب عليها من قبل قوى الرابع عشر من آذار وأمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل،فقوى الرابع عشر أعلنت مقاطعتها للحكومة اللبنانية،ودعت أنصارها إلى اعتصامات مفتوحة دعماً للمحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،وأمريكا وأوروبا الغربية "حاميتا حمى قيم ومبادئ الديمقراطية والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها"،تلك الأكاذيب التي ثبت وكشف زيفها وانتقائيتها وازدواجيتها في أكثر من انتخابات تشريعية،أعلنت رفضها التعامل مع حكومة لبنانية يسيطر عليها حزب الله،ولعل الجميع يتذكر جيداً ماذا حصل مع الشعب الفلسطيني،فما أن أفرزت الانتخابات التشريعية الديمقراطية الفلسطينية التي وافقت عليها أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل في كانون ثاني/2006 قوى سياسية لا تتوافق أهدافها وبرامجها ورؤيتها مع المشروع والبرنامج والرؤيا والأهداف الإسرائيلية والأمريكية،حتى جرى إعلان حرب شاملة على الشعب الفلسطيني مقاطعة وحصار وحروب واعتداءات مستمرة حتى الآن،ومن المتوقع أن تواجه الحكومة اللبنانية برئاسة"ميقاتي" نفس المصير،حصار ومقاطعة من قبل أمريكا وأوروبا الغربية،مع تهيئة للأجواء والذرائع من أجل شن حرب عليها،فهذه الحرب نرى أنها واقعة لا محالة،حيث جوهر الأزمة اللبنانية القائمة حالياً هي سلاح المقاومة،فأمريكا وإسرائيل عدا عن حصارهم ومقاطعتهم للحكومة اللبنانية،ستدفعان نحو تأزيم الوضع الداخلي اللبناني،فالحكومة الجديدة أمامها العديد من الملفات الكبرى والخطيرة،والتي كل واحد منها مرشح لدفع الأمور نحو الاحتراب والاقتتال الطائفي والمذهبي والحرب الأهلية،فهناك ملفات المحكمة الدولية وشهود الزور والفساد والتعيينات الكبرى وقطاع الاتصالات والأجهزة الأمنية وغيرها وكيفية التعاطي معها كفيلة بدفع الأمور للحرب الأهلية،وأنا أرى أن ملف المحكمة الدولية وما سيصدر عنها من قرارات ظنية واتهامات،ستكون بمثابة الذريعة لشن الحرب على لبنان والمقاومة،فمن المتوقع أن الحكومة اللبنانية برئاسة "ميقاتي" سترفض تسليم أي من المتهمين من حزب الله بهذا القرار الظني،وبهذا ستكون أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية قد وفرتا الذريعة لشن الحرب على لبنان،حرب يراد لها إنهاء سيطرة المقاومة على لبنان،ومنع خروج لبنان خارج إطار السيطرة الأمريكية،فخروج لبنان خارج تلك الدائرة،يعني تمدد وتطور وتوسع حضور ووجود وفعل وتأثير معسكر وقوى المقاومة والممانعة العربية،وبما يشكل ليس خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة،بل على وجود الدولة العبرية،فهي تدرك أنها لم تنجح في تدمير سلاح المقاومة في حربها العدوانية تموز/2006،بل طرأ تطور وتحسن على قدرات حزب الله وقوى المقاومة العسكرية،وهذا يعني تغير واخلال في ميزان القوى القائم،والحد من قوة الردع الإسرائيلية،وبالتالي هذه الحرب ضرورية ولا مناص منها لإسرائيل،والتي ترى فيها حرباً للدفاع عن وجودها ودورها،حرباً تبقي لبنان تحت السيطرة والهيمنة للسفارات الغربية،وتجرد المقاومة من سلاحها. ما تريده أمريكا وحلفائها للمنطقة العربية كاملة،فوضى خلاقة تلك السياسة التي يجري تطبيقها في العراق،ومحاولة نقلها وتعميمها عربياً الى أكثر من دولة،حروب عرقية وطائفية ومذهبية وأثنية واحتراب عشائري وقبلي وجهوي نشهده في أكثر من دولة عربية اليمن والصومال والسودان والحبل على الجرار،على أن يترافق ذلك مع تفكيك الجغرافيا العربية تقسيماً وتجزئة وتذريراً وإعادة تركيبها بما يتفق ويخدم أهدافها ومصالحها في المنطقة السودان والعراق مثالاً،ولكن يبدو أن هذه السياسة ستواجه تحدياً واختباراً كبيرين في ظل رياح التغير الكبرى التي تجتاح المنطقة العربية،وخصوصاً أن الانتفاضات الشعبية بدأت تطيح بعروش أنظمة الاعتدال العربي الدائرة في الفلك الأمريكي،ومن شأن تمدد مفاعيل تلك الثورات والانتفاضات الشعبية إلى أكثر من نظام عربي،أن يعيد الحسابات الأمريكية والإسرائيلية،وأن يحد من اندفاعاتها لشن حرب على لبنان والمقاومة هناك،وقد يخلط الأوراق ويخرج السيناريوهات المرسومة للمنطقة أمريكياً وإسرائيليا عن سياقاتها ويجعلها خارج إطار السيطرة والإيقاعات المرسومة. ولكن ما هو واضح وما نحن متأكدين منه أن جماعة الحريري وقوى الرابع عشر من آذار قد حسمت أمرها حتى اللحظة الراهنة،إما حكومة برئاسة الحريري أو "غزة ثانية" برئاسة ميقاتي،فلسان حالها يقول إما نحن أو من بعدنا فليأتي الطوفان،وبقاءها على هذا الموقف أيضاً رهن بما يجري من رياح التغير الكبرى التي تهب على المنطقة العربية،هذه الرياح إذا ما عصفت وأطاحت بأصدقاء وحلفاء جماعة الحريري والرابع عشر من آذار على المستوى العربي،من شأن ذلك أن يخفف من حدة الاحتقان الداخلي في لبنان،ويلجم اندفاعات تلك القوى لتفجير الوضع الداخلي اللبناني،وبانتظار ما تسفر عنه تلك التطورات ستبقى الساحة اللبنانية مفتوحة على أكثر من سيناريو،مع بقاء سيناريو الذبح العسكري وتصفية المقاومة اللبنانية في رأس سلم أولويات أمريكا وإسرائيل.