كثيرة هي الاستقالات التي سيتوصل بها سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في الأيام المقبلة، وكل المؤشرات تؤكد ذلك، ولعل تهديد بن كيران رئيس الحكومة السابق، والأمين العام للحزب، بالاستقالة وتجميد عضويته من الحزب خير دليل على ذلك. أكد بن كيران أنّ ” موافقة الأمانة العامة للحزب على مشروع القانون المتعلق بالاستعمال الطبي والصيدلي والصناعي للقنب الهندي ستعني تجميد عضويته داخل الحزب”، أما “مصادقة ممثلي الحزب في البرلمان على القانون فيعني الانسحاب النهائي من الحزب”. قبل مناقشة تهديد بن كيران العلني، لابد من الوقوف على بعض مقتضيات مشروع القانون المعروض للنقاش حاليا، والذي يتعلق بالاستعمال الطبي والصيدلي والصناعي للقنب الهندي، حتى يتسنى لنا التأكد من نوايا الرجل الذي يهدد بالاستقالة، وليتبين للمتتبع أن هذا التهديد حق أُرِيدَ به باطل. يؤكد مشروع القانون المعروض للنقاش حاليا ما يلي : ” لا يمكن تسويق وتصدير القنب الهندي ومنتجاته التي وقع تحويلها وتصنيعها واستيرادها إلا لأغراض طبية وصيدلية وصناعية” ؛ ” مشروع القانون لا يتعلق بالاستعمال الترفيهي للقنب الهندي الذي سيظل ممنوعا”؛ أكدت الكثير من الدراسات العلمية العالمية أن منتوجات القنب الهندي ” تعتبر فعالة في علاج الأمراض العصبية التوليدية { الباركنسون والزهايمر}، والأمراض السرطانية والصرع وأمراض الجهاز العصبي”؛ كما أنه يُسْتَعْمَلُ في ” مستحضرات التجميل وصناعة النسيج والورق ولوحات القيادة للسيارات وبعض الأغذية الحيوانية والفيتامينات والمعادن والأحماض.” إن هذه الاستعمالات الطبية الكثيرة والمفيدة للإنسان والحيوان معا، تجعل العاقل يقف موقف موافقة ومساندة لكل هذه الاستعمالات، ولكن بن كيران، وكعادته، أراد أن يغرد خارج السرب، ويا ليته غرّد في الكثير من المناسبات التي استهدف فيها جيوب الفقراء. لذلك فتهديده بالاستقالة له أسباب أخرى غير التي أعلن عنها، وهي التي سنحاول أن نوضحها هنا: اقتراب موعد الانتخابات، وبالتالي فابن كيران يبحث عن موطئ قدم في السياحة السياسية بعد أن لفظه المخزن بالطريقة التي يعرفها الجميع؛ بن كيران فَقَدَ الكثير من شعبيته لدى مريديه وأتباعه الذين كانوا يعتبرونه المهدي المنتظر الذي سيغير المعادلة السياسية بالمغرب، وكانوا ينتظرون منه مواقف ثابتة في العديد من الموضوعات التي صدّقوا بأنها تمثل فعلا خطوطا حمراء لدى الحزب، بَدْءً بموضوع التطبيع مع إسرائيل الذي خلف دهشة لدى كل السذج من الأتباع، ولكن بن كيران خيب أمل هؤلاء بموقفه الذي دعا فيه أنصاره ومريديه إلى التزام الصمت، وعدم التعليق على موضوع التطبيع، ليجد الفرصة مواتية الآن لاستدراك ما فات، قبل أن يجد نفسه في ركن منسي؛ تهديد بن كيران إشارة قوية للعثماني ومن معه بأن الرجل لا زال على قيد الحياة، وأنه مستعد للعودة من جديد إلى الساحة، ولعب ذلك الدور الريادي على رأس الحزب مرة أخرى؛ التهديد بالاستقالة استباق للأحداث التي ستقع في المستقبل القريب، والتي ستزلزل الحزب من الداخل، فكل المؤشرات تدل على أن الانشقاق قريب، وأن حدوثه ليس إلا مسألة وقت، وسيكون عدم تَصَدُّرِ الحزب للانتخابات المقبلة بدايته، لذلك فابن كيران يُعِدُّ الْعُدَّةَ ليعتبره مريدوه ذلك المنقذ الذي سيصلح ما أفسده الآخرون الذين تولوا المسؤولية من بعده، ولم يحسنوا استغلالها والتعامل معها؛ التهديد بالاستقالة جعجعة بدون طحين، الغاية منها إيصال الصوت للذين يعتقدون أنّ بن كيران مات سياسيا، ولكن الأيام المقبلة ستؤكد أن الرجل، ومن يدور في فلكه، قد مات فعلا، فالكل عرف قواعد اللعبة، وتأكد أن بن كيران إنما كان يناضل من أجل تحقيق حلم لطالما راوده، إنه حلم تقاعد سمين ومريح يحصل عليه نهاية كل شهر دون وجه حق. إن السؤال الذي يلح على القارئ، يتمثل في اللحظة المناسبة التي كان فيها بن كيران مُلْزَمًا بتقديم استقالته، من الحزب ومن السياسة عامة، حتى نصدقه ونعتبره المهدي المنتظر فعلا، وهو السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه في المقالة المقبلة. {يتبع}